
وافقت دول الاتحاد الأوروبي، مؤخراً، على تشديد كبير في سياسة الهجرة بأوروبا، بما في ذلك تبني فكرة إنشاء “مراكز عودة” خارج حدود التكتل الذي يضم 27 دولة، لطالبي اللجوء الذين يتم رفض منحهم حق الإقامة. وخلال اجتماع في بروكسل، أعطى وزراء داخلية التكتل الضوء الأخضر لحزمة إجراءات، في ظل تراجع الرأي العام تجاه الهجرة، وهو ما يغذي المكاسب التي حققها اليمين المتطرف عبر صناديق الاقتراع.
ورغم تراجع أعداد الدخول غير النظامي إلى أوروبا – حوالي 20% خلال النصف الأول من عام 2025، بحسب الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) – لم يؤدِّ ذلك إلى تخفيف الضغوط للتحرك بشأن هذه القضية المثيرة للجدل. وقال مفوض الهجرة في الاتحاد الأوروبي، ماجنوس برونر: “يتعين علينا تسريع وتيرة العمل، لنمنح الناس شعوراً بأننا نسيطر على ما يجري”.
وأوضح وزير الهجرة الدنماركي راسموس ستوكلوند، الذي ترأس المحادثات: “لا يزال ثلاثة من بين كل أربعة مهاجرين غير شرعيين صدرت بحقهم قرارات عودة في الاتحاد الأوروبي، باقين هنا بدلاً من العودة لأوطانهم… أعتقد أن مجموعة القواعد الجديدة يمكن أن تساعد بشكل كبير في تعزيز هذه الأرقام”.
وجاء التوصل إلى الاتفاق الأخير في إطار “ميثاق الهجرة واللجوء” للاتحاد الأوروبي، الذي تم إقراره العام الماضي، والذي يدخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران المقبل. ويهدف الميثاق إلى تحسين إدارة الهجرة، وتعزيز الرقابة، وتسريع إعادة طالبي اللجوء المرفوضين.
وأثارت المبادرات الجديدة استياء الناشطين المؤيدين للمهاجرين، إذ انتقدت أكثر من 200 منظمة خطط المفوضية الأوروبية، بشكل مسبق.
وقالت سيلفيا كارتا، من منظمة “بيكوم” التي تنشط في مساعدة المهاجرين غير النظاميين: “بدلاً من الاستثمار في السلامة والحماية والاندماج، يختار الاتحاد الأوروبي سياسات من شأنها أن تدفع بمزيد من الناس إلى الخطر، وإلى حالة من الغموض القانوني”. ووصفت أوليفيا سوندبرج دييز، من منظمة العفو الدولية، المواقف المتفق عليها بأنها “غير إنسانية”، واعتبرت مفهوم مراكز العودة “قاسياً وغير قابل للتطبيق”.
وتتيح القواعد الأكثر صرامة التي أيدتها دول الاتحاد الأوروبي إنشاء مراكز خارج حدود الاتحاد الأوروبي يُنقل إليها المهاجرون الذين ترفض طلبات اللجوء الخاصة بهم، والمعروفة باسم “مراكز العودة”. وكذلك فرض عقوبات أشد على المهاجرين الذين يرفضون مغادرة الأراضي الأوروبية، بما يشمل فترات احتجاز أطول. كما تتيح تلك القواعد ترحيل المهاجرين إلى دول ليست بلدانهم الأصلية، ولكن أوروبا تعتبرها آمنة.
واتفق وزراء الاتحاد الأوروبي على تصنيف كوسوفو وبنجلاديش وكولومبيا ومصر والهند والمغرب وتونس “دول منشأ آمنة”. كما تُعد جميع الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بشكل عام، مستوفية لمعايير تصنيفها كـ”دول منشأ آمنة”. ولكن هناك استثناءات، مثل الدول التي تشهد حروباً – مثل أوكرانيا – أو الدول التي يفرض عليها الاتحاد الأوروبي عقوبات.
كما وافقت الدول الأعضاء على تطبيق تعديلات على مفهوم “الدول الثالثة الآمنة”. وعلى خلاف القواعد السابقة، لن يكون من الضروري بعد الآن وجود رابط مباشر بين طالب اللجوء والدولة الثالثة المعنية.
وبموجب التعريف الجديد، تُعد أي دولة ثالثة آمنة حال التوصل إلى اتفاق معها، وكانت تحترم معايير حقوق الإنسان الدولية ومبادئ القانون الدولي. ويهدف ذلك إلى تخفيف العبء على نظام اللجوء الأوروبي عبر ترحيل أشخاص إلى دول غير أعضاء، حيث يمكنهم التقدم بطلبات حماية.
آلية التضامن
واتفقت دول الاتحاد الأوروبي كذلك على أرقام “صندوق التضامن” لعام 2026، وهو نظام يهدف إلى توزيع طالبي اللجوء بشكل أكثر توازناً بين الدول الأعضاء في المستقبل، لتخفيف العبء عن الدول الأكثر تأثراً.
وتُلزم آلية التضامن الدول الأعضاء باستقبال طالبي لجوء، أو تقديم مساهمات مالية، أو توفير دعم تشغيلي، أو الاثنين معاً. وتم تحديد الأرقام لعام 2026 عند 21 ألف عملية إعادة توطين، أو مساهمة مالية بواقع 420 مليون يورو (492 مليون دولار).
وحددت المفوضية الأوروبية قبرص واليونان وإيطاليا وإسبانيا باعتبارها دولاً تتعرض لضغوط بسبب الهجرة، ويمكنها الاستفادة من إجراءات التضامن، وقد تُعفى من المساهمة في صندوق التضامن.
كما صنّفت المفوضية الأوروبية النمسا وبلغاريا وكرواتيا وجمهورية التشيك وإستونيا وبولندا على أنها تواجه ضغوطاً واسعة بسبب الهجرة، نتيجة التدفق التراكمي على مدار السنوات السابقة، مثل وصول الأوكرانيين الفارين من الحرب. ويمكن لهذه الدول طلب خصم كلي أو جزئي من مساهمتها الإلزامية في صندوق التضامن.
وأشارت بعض الدول بالفعل إلى استعدادها للمساهمة في آلية التضامن. وعلى سبيل المثال، قالت وكيلة وزارة الداخلية السلوفينية، تينا هيفرليه، الأسبوع الماضي، إن ليوبليانا ستقدم “نصيبها العادل”، ولكنها لم تقدم أرقاماً تفصيلية، حيث إن الوثائق مصنفة على أنها سرية.
وتأمل الحكومة اليمينية في إيطاليا، في أن تتيح خطط الاتحاد الأوروبي فرصة جديدة لمنشآتها المثيرة للجدل الخاصة بالهجرة خارج أراضيها، بالتحديد في ألبانيا. وقال وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي لصحيفة “إل ميساجيرو”: إن مركزي الاستقبال في مدينة شينججين الساحلية ومركز الترحيل في جادر، بألبانيا، يجب أن يكونا “جاهزين للعمل بالكامل” بحلول منتصف عام 2026.
وأعرب الوزير عن ارتياحه للموافقة على مراكز العودة، وقال: “إنه اتفاق نُقدّره كثيراً، وقد لعبت إيطاليا دوراً مهماً فيه.” وكانت إيطاليا أنشأت المركزين بألبانيا في عام 2023، بهدف استخدام المخيمات لمعالجة طلبات اللجوء للمهاجرين الذين ينقذهم خفر السواحل الإيطالي في عرض البحر المتوسط. وحال قبول طلبات هؤلاء، يُسمح لهم بالسفر إلى إيطاليا، مع إعادة المرفوضين إلى دول تُعد آمنة. لكن العملية واجهت سلسلة من الهزائم القانونية أمام المحاكم الإيطالية والأوروبية، ما أدى إلى بقاء المنشأتين خاويتين.
وأعربت بعض دول الاتحاد الأوروبي عن تشككها الشديد حيال القواعد التي تم الاتفاق عليها يوم الاثنين الماضي.وقالت وسائل إعلام مجرية، إن مسؤولاً حكومياً رفيعاً صرح يوم الأربعاء الماضي، بأن بلاده لن تطبق آلية التضامن المتفق عليها ولن تستقبل “مهاجراً واحداً”. ويخوض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان خلافاً مع المفوضية الأوروبية منذ سنوات بسبب سياساته المتشددة إزاء اللجوء.
كما قال وزير الداخلية السلوفاكي ماتوش شوتاي إشتوك إن بلاده ترفض آلية التضامن الإلزامية لإعادة توزيع طالبي اللجوء، وأشار إلى أنه يتعين أن تحصل سلوفاكيا على إعفاء لاستقبالها عشرات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين منذ اندلاع الحرب في فبراير/شباط 2022، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السلوفاكية (تي أيه إس آر).
وكذلك تعتزم الحكومة المقبلة في جمهورية التشيك رفض ميثاق الهجرة الأوروبي. وجاء في مسودة البيان السياسي للائتلاف الحاكم في التشيك: “سوف نطبق سياسة عدم تسامح مطلق مع الهجرة غير الشرعية. سنرفض ميثاق الهجرة الأوروبي ونعتمد قانوناً جديداً للهجرة واللجوء.” وتتخذ دول الاتحاد الأوروبي قراراتها بشأن سياسات الهجرة واللجوء عبر التصويت بالأغلبية المؤهلة، ما يعني أنه يجب على 55% من الدول الأعضاء – 65% من سكان التكتل – التصويت لصالح القواعد الجديدة، لتمريرها.
وتؤيد دول أخرى القواعد الجديدة بشكل عام، ولكنها تبرز جوانب قد تتطلب تعديلات. وشككت فرنسا، من جانبها، في قانونية وفعالية بعض المقترحات، بينما سعت بولندا إلى توسيع قائمة دول المنشأ الآمنة “من أجل تقليل الضغط على الاتحاد الأوروبي (في مجال الهجرة)”، بحسب ما قاله نائب وزير الداخلية ماتشيي دوشتشيك.
وعقب اجتماع بروكسل الأسبوع الماضي، قال وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت إن القرار لن يؤدي إلى استقبال بلاده مزيداً من طالبي اللجوء أو تقديم مساعدات مالية إضافية. وبحسب تحليل للمفوضية الأوروبية، تستضيف ألمانيا بالفعل عدداً كبيراً من طالبي اللجوء الذين تقع مسؤوليتهم على دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بموجب قواعد “دبلن”. وتنص قواعد دبلن على أن أول دولة في الاتحاد الأوروبي يدخلها طالب اللجوء تكون، بشكل عام، مسؤولة عن معالجة طلبه.
وبحسب وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، تلقت السلطات الألمانية 70 ألف طلب لجوء من وافدين جدد خلال النصف الأول من العام، مما يضع ألمانيا في المرتبة الثالثة داخل الاتحاد بعد فرنسا (78 ألفاً) وإسبانيا (77 ألفاً). ويتعين موافقة البرلمان الأوروبي على القواعد الجديدة، وليس من المتوقع أن يدخل عليها تعديلات جوهرية.
