
مخطط مزدوج يرسمه إخوان تونس من أجل تحقيق هوسهم بالعودة للسلطة، يكشفه سرحان الناصري، رئيس حزب «التحالف من أجل تونس»، ضمن ملف شائك يشكل نقطة توقف بالمشهد التونسي الراهن. وفي مقابلة مع «العين الإخبارية»، تحدث سرحان عن تحركات الإخوان داخليا وخارجيا ومساعيهم للعودة إلى الحكم، وعقب على إضرابهم الكاذب عن الطعام في السجون، معتبرا أن هذا الإضراب ليس سوى وسيلة ضغط على القضاء ومحاولة لحصد التعاطف.
الناصري، وهو من أبرز الوجوه السياسية الداعمة لمسار 25 يوليو/تموز 2021 الذي أطاح بحكم الإخوان، حذر أيضا من تكرار سيناريو الفوضى السياسية تحت شعارات الديمقراطية الزائفة. ودعا كذلك إلى تشكيل حكومة سياسية منسجمة تعكس إرادة الشعب وتواكب المرحلة الراهنة، معتبرًا أن الوقت قد حان «لإنهاء حكم البيروقراطية العقيمة» وفتح أفق جديد يقوم على الشراكة السياسية والرؤية الوطنية الشاملة.
بالمقابلة ذاتها، قال الناصري متحدثا عن نشاط الإخوان في الخارج، إن “المعارضة الموجودة في المهجر يجب أن تحترم نفسها، لأن من يمارس السياسة يجب أن يمارسها في تونس وليس من خارجها”. وأضاف أن القيادي الإخواني رفيق عبد السلام (صهر زعيم الإخوان راشد الغنوسي) أصبح “معلقًا إعلاميًا في وسائل مشبوهة في الخارج، هدفه إثارة البلبلة ضد الدولة التونسية مقابل أجر مالي”.
وتابع: “دوره مثل دور العديد من الخونة الذين يسعون لضرب الأمن القومي لتونس، وهدفهم الأوحد هو العودة إلى السلطة”. كما اتهم الناصري رئيس الحكومة الأسبق هشام المشيشي، الحليف السابق للإخوان، بأنه “يمارس الأدوار ذاتها من الخارج”.
وقال إن: “محسن مرزوق، مستشار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، عبّر هو الآخر عن تعاطفه مع راشد الغنوشي، كما أن المنذر الزنايدي المقيم في الخارج، وهو وزير سابق في عهد بن علي ومرشح رئاسي سابق، هاجم نظام الرئيس قيس سعيد وأعلن تضامنه مع الإخوان قبل أن يتنكر لهم من جديد”.
وشدد على أن “أعداء الأمس وأصدقاء اليوم هم أكبر الانتهازيين، بين الشق الإخواني والتجمعي (حزب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي)، يتاجرون بالديمقراطية فقط من أجل الكرسي”.
الناصري عرج أيضا على إضراب عدد من المتهمين الإخوان في “قضية التآمر على أمن الدولة»، ومن بينهم راشد الغنوشي وجوهر بن مبارك، قائلًا: «هذا الإضراب وسيلة ضغط على القضاء ومحاولة لجلب التعاطف، وهو أسلوب استُعمل منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي”.
وأكد أن “هؤلاء السياسيين متهمون في قضية تآمر على أمن الدولة، والقضاء يجب أن يأخذ مجراه الطبيعي”، مشيرًا إلى أنه “من حق أي سجين الإضراب عن الطعام، وعلى الدولة أن توفر له الرعاية الصحية اللازمة”.
وأضاف: “أنا تعاطفت مع عائلة جوهر بن مبارك، وخاصة مع والده الخائف على صحة ابنه، فخلافاتنا السياسية لا يجب أن تنسينا إنسانيتنا، لكن لا يجوز تحويل هذه المعاناة إلى وسيلة لليّ ذراع القضاء”.
وأشار إلى أن «شقيقة بن مبارك أعلنت أن شقيقها لن يفضّ الإضراب إلا بالإفراج عنه، وهذا بحد ذاته تجاوز لمفهوم الاحتجاج السلمي وتحويله إلى ابتزاز».
وتابع قائلًا: «أنا مع محاكمة كل من يتآمر أو يتواطؤ على أمن تونس، وأدعو إلى أن تكون هذه المحاكمة علنية ليعرف الشعب الحقيقة».
وذكّر الناصري بتصريحات قيادات حركة النهضة الإخوانية في سنوات حكمهم حين كان خصومهم السياسيون يخوضون إضرابات جوع في السجن، «فقد قالوا وقتها: الأعمار بيد الله، أما اليوم فهم يتاجرون بكل شيء، حتى بالقيم».
يُذكر أن هيئة الدفاع عن راشد الغنوشي أعلنت الجمعة الماضية دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام تضامنًا مع جوهر بن مبارك، الذي بدأ إضرابه في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي احتجاجًا على اعتقاله في قضية «التآمر على أمن الدولة».
واعتبر الناصري أن تونس «تحتاج إلى حكومة سياسية جديدة تعوض حكومة سارة الزعفراني التي فشلت في أداء مهامها». وقال القيادي الحزبي إن “جميع الحكومات التي تعاقبت على تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021، أي منذ الإطاحة ببرلمان الإخوان وإقالة حكومة هشام المشيشي، كانت حكومات إدارية لا سياسية”، مشيرًا إلى أن هذا النمط من الحكومات «لم يعد قادرًا على الاستمرار».
وأضاف: «بدأنا بحكومة نجلاء بودن، ثم حكومة أحمد الحشاني، ثم كمال المدوري، وصولًا إلى سارة الزعفراني، وكلهم من الموظفين بالإدارات الحكومية، ولا يحملون رؤية سياسية متكاملة».
وأكد أن «تلك الحكومات الإدارية تم تشكيلها في ظل غياب المؤسسات التشريعية لتسيير شؤون الدولة والمواطنين، لكن الآن وقد وُجدت مؤسسات تشريعية في البلاد، لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو».
وشدد على أنه «من المفروض أن تكون هناك حكومة منسجمة ذات رؤية سياسية وبرنامج عمل وأهداف واضحة تُسخّر لخدمة الدولة والشعب، لأن المطالبة بوجود حكومة سياسية أصبح ضرورة وطنية».
واعتبر الناصري أن «الحكومات الإدارية لا تستطيع الخروج من روتين البيروقراطية، فهي عاجزة عن إنتاج حلول جديدة، ولا تقدم سوى حلول ترقيعية وتقليدية».
وكشف رئيس حزب «التحالف من أجل تونس»: «علمت أن هناك تعديلًا وزاريًا في الأفق، وأدعو إلى أن يكون تعديلًا جذريًا من أعلى هرم الحكومة إلى جميع أعضائها، لأن أغلب الحقائب الوزارية أصابها الشلل وفشلت في مهامها».
وأضاف: «يجب أن ننتقل من حكومة إدارية إلى حكومة سياسية يتم فيها تشريك الأحزاب الوطنية الفاعلة. نحن لا نبحث عن مناصب وزارية، بل نريد أن نُعامل كشركاء في إدارة الشأن العام بعيدًا عن المحاصصة».
في ملف الهجرة غير النظامية، قال سرحان الناصري إن «الوضع أصبح مقلقًا للغاية»، مضيفًا أن «ملف الهجرة غير النظامية في تونس ليس تحت السيطرة».
وأضاف: «هؤلاء المهاجرون غير النظاميين قنابل موقوتة يمكن أن تتحرك مع أي احتجاجات داخل البلاد، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني».
وأوضح الناصري أن حزب «التحالف من أجل تونس» كان قد دعم الرئيس قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية عام 2024، كما دعم مسار 25 يوليو/تموز 2021، «لكن على قاعدة إيجاد حلول جذرية لمشكلة الهجرة غير النظامية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن».
وأشار إلى أن «الإعلان عن ترحيل بعض المهاجرين غير النظاميين لم يكن كافيًا، لأن أعدادًا أخرى تتدفق باستمرار عبر الحدود الجزائرية – التونسية». وقال الناصري: «لا نريد أن تكون تونس مجرد حارس حدود لأوروبا، كما لا نريد أن تكون دولة ذات حدود مخترقة».
وأشار الناصري إلى أن «تونس تشهد منذ فترة تصاعدًا في وتيرة الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، خصوصًا إلى السواحل الإيطالية، بفعل الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد وفي دول أفريقية أخرى جنوب الصحراء».
وأوضح أن «أوروبا تمارس ضغوطًا متزايدة على السلطات التونسية للحد من عبور المهاجرين، وعرضت تقديم دعم مالي مقابل وقف القوارب، لكن هذا المقترح يثير مخاوف حقيقية من وجود مشروع لتوطين المهاجرين في تونس».
وختم قائلًا: «تونس ليست مخيمًا أوروبياً ولا بوابة مفتوحة للهجرة، بل دولة ذات سيادة تسعى لحماية حدودها ومصالحها».
المصدر: العين الاخبارية
