
سجل صافي احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري ارتفاعًا قياسيًا جديدًا، حيث وصل إلى 50.071 مليار دولار في أكتوبر 2025، مقارنة بـ49.534 مليار دولار في سبتمبر الماضي، وفقًا للبيانات الصادرة عن البنك المركزي الأحد 9 نوفمبر 2025، ويعكس هذا الرقم استمرار النمو المطرد في الاحتياطيات الدولية لمصر ويعزز قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة الضغوط الخارجية والحفاظ على استقرار الجنيه.
وفي تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، أوضح الخبير المصرفي ريمون نبيل، العوامل التي أدت إلى هذا الإنجاز، مؤكدًا أن التحسن في الاحتياطي النقدي ليس مجرد رقم، بل يعكس نجاح السياسات الاقتصادية والإصلاحات التي تبنتها الدولة على مدى السنوات الأخيرة.
قال نبيل إن الارتفاع إلى 50 مليار دولار لم يكن مفاجئًا، بل جاء نتيجة تراكمية لعوامل متعددة، أبرزها التحسن الكبير في مصادر الإيرادات من العملة الأجنبية، مستشهدًا بالصادرات المصرية التي شهدت ارتفاعًا مستمرًا منذ بداية 2025، كما سجلت السياحة عائدات متنامية، إلى جانب زيادة كبيرة في تحويلات المصريين العاملين بالخارج”.
وأضاف أن هذا التنوع في مصادر النقد الأجنبي يعكس قدرة الاقتصاد المصري على الاستفادة من موارد متعددة، وليس الاعتماد على مصدر واحد، موضحًا أن التحسن في تحويلات المصريين، على سبيل المثال، مرتبط مباشرة باستقرار النظام المصرفي وزيادة الثقة في الجهاز البنكي، وهو مؤشر إيجابي على جاذبية السوق المحلية للمستثمرين.
أشار نبيل إلى أن التحول إلى نظام سعر الصرف المرن كان محورياً في توحيد سوق النقد الأجنبي ورفع جاذبية السوق أمام المستثمرين المحليين والأجانب، قائلاً: “سعر الصرف المرن أعاد التوازن بين العرض والطلب على الدولار، مما قلل من الضغوط على الاحتياطي النقدي وخلق بيئة استثمارية أكثر شفافية، فهذا النظام ساهم أيضًا في زيادة الثقة لدى المستثمرين الأجانب، وبالتالي تدفق المزيد من النقد الأجنبي إلى البلاد”.
واستطرد الخبير المصرفي، أن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها الدولة، بدءًا من تحسين البيئة الاستثمارية ووصولًا إلى تدابير ضبط الإنفاق العام، لعبت دورًا رئيسيًا في هذا الإنجاز، فالاحتياطي النقدي اليوم يعكس نجاح هذه السياسات في تعزيز المصداقية الدولية لمصر كمركز اقتصادي مستقر.”
أوضح نبيل، لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، أن الصفقات الاستثمارية الكبرى كانت لها مساهمة ملموسة في تعزيز الاحتياطي، مشيرًا إلى أن مصر أبرمت صفقات مهمة مع دول خليجية وشركات عالمية كبرى، وهذه الصفقات أدت مباشرة إلى ضخ مبالغ كبيرة من العملة الأجنبية، مضيفًا أن التمويل الدولي من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي ساهم في دعم الموقف المالي الخارجي، لكنه جاء مكملاً وليس العامل الحاسم، لأن السياسات الاقتصادية الداخلية هي الأساس.”
وأضاف نبيل أنه يمكن قياس تأثير هذه الصفقات الاستثمارية بالدولار، حيث ساهمت بشكل واضح في سد الفجوة التمويلية وتحقيق الاستقرار النقدي، ولكن الأهم هو أنها عززت الثقة في الاقتصاد المصري على المدى الطويل
حول تأثير رفع أسعار الفائدة، قال نبيل: “رفع أسعار الفائدة كان خطوة ضرورية للسيطرة على التضخم، كما ساعد في جذب الودائع الأجنبية والمحلية، وبالتالي دعم الاحتياطي النقدي، موضحًا أن هذا التوازن بين السياسة النقدية واستقرار السوق يساهم في الحفاظ على قيمة الجنيه ويزيد من قدرة الاقتصاد على مواجهة التقلبات الخارجية.
وأكد نبيل أن الجمع بين سياسة نقدية حذرة وإصلاحات مالية منهجية أدى إلى استقرار متزايد في الاقتصاد المحلي، مضيفًا: “إدارة الاحتياطي النقدي اليوم تعكس فهمًا واضحًا لديناميكيات السوق العالمية وقدرة البنك المركزي على توجيه الموارد بشكل استراتيجي”.
أشار نبيل إلى أن مصادر النقد الأجنبي ليست مقتصرة على الصادرات أو تحويلات العاملين بالخارج فقط، موضحًا أن عائدات قناة السويس تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز الموارد الأجنبية، حيث تمثل مصدرًا ثابتًا ومستمرًا للنقد الأجنبي.
وأضاف أن السياحة تعزز هذه المصادر بشكل ملحوظ، خاصة بعد التحسن الكبير في أعداد السياح مقارنة بالسنوات السابقة، حيث تظل الصادرات عاملًا رئيسيًا، لكن تنويع مصادر النقد الأجنبي هو ما يمنح الاقتصاد قدرة أكبر على الصمود أمام أي تقلبات.
عن مدى قدرة الاحتياطي النقدي الحالي على حماية الاقتصاد، قال نبيل إن الاحتياطي البالغ 50 مليار دولار يمنح مصر قدرة أكبر على مواجهة أي صدمات خارجية، سواء كانت تقلبات أسعار النفط، أو أزمات مالية عالمية، أو تغيرات في تدفقات رأس المال، لافتًا إلى أن هذا الرقم يعكس أيضًا قدرة البنك المركزي على الحفاظ على استقرار سعر الجنيه وضمان وفرة العملات الأجنبية للقطاعين العام والخاص.
وأكد الخبير المصرفي أن 50 مليار دولار ليست سقفًا، مشيرًا إلى إمكانية زيادة الاحتياطي بشكل أكبر خلال السنوات القادمة، خاصة إذا استمرت السياسات الاقتصادية الإصلاحية، وتم التركيز على تعزيز الصادرات، وجذب استثمارات جديدة، وزيادة السياحة، فإدارة هذا الاحتياطي بحكمة ستساهم في تعزيز القدرة الاقتصادية لمصر بشكل مستدام.
وحول كيفية استثمار الاحتياطي النقدي، أكد نبيل أن مصر تمتلك فرصة حقيقية لاستخدام هذا الاحتياطي في مشروعات تنموية واستثمارية تحقق مردودًا اقتصاديًا ملموسًا، ويمكن توجيه جزء منه لدعم الصناعات الاستراتيجية، وتمويل مشاريع بنية تحتية، وتحفيز الاستثمارات الخاصة، موضحًا أن الأهم هو أن يكون الاستثمار مدروسًا لضمان تحقيق عوائد حقيقية تدعم النمو الاقتصادي ولا تؤثر على الاستقرار النقدي.
واختتم نبيل، تصريحاته لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، بأن المفتاح هو تنويع الاستخدامات بين دعم الاقتصاد المحلي وضمان الأمان المالي، مع الحرص على أن تكون القرارات الاستثمارية متوافقة مع أهداف الإصلاح الاقتصادي والسياسات النقدية التي أثبتت نجاحها خلال السنوات الماضية.
