جيل زد 2025: العام الذي خرج فيه شباب العالم عن الصمت

في عام 2025، من نيبال إلى المغرب، ومن مدغشقر إلى بيرو، خرج ملايين الشبان إلى الشوارع. لم تكن تلك احتجاجات معزولة، بل تعبيرا عالميا عن غضب جيل كامل أطلق عليه “جيل زد”. جيل ضاق ذرعا باللامساواة الاجتماعية، وبامتيازات نخب سياسية واقتصادية متهمة بالفساد والانفصال عن واقع المجتمعات، حوَّل مطالبه المحلية إلى حركة عابرة للحدود.

سنستعرض أبرز محطات “جيل زد” في هذا العام المفصلي، الذي شكل نقطة تحول لحركة شبابية يبدو أنها عازمة على مواصلة فرض حضورها في 2026. يدرسون في الرباط، يبحثون عن أول فرصة عمل في كاتماندو، يعيشون على وقع انقطاعات الكهرباء في أنتاناناريفو، أو يواجهون انعدام الأمن في ليما. في عام 2025، اشترك أبناء الجيل زد المولودون بين أواخر تسعينيات القرن الماضي وبداية العقد الثاني من الألفية في تجربة واحدة: الغضب، ورفض منظومات الحكم القائمة، والرغبة في استعادة الصوت والمبادرة.

على الرغم من تباعد الجغرافيا، تشابهت المشاهد: حشود شابة، لافتات مرسومة يدويا، شعارات ولدت على تطبيقي تيك توك وديسكورد، ومطالب أساسية تتعلق بالكرامة والعدالة الاجتماعية.

يقول عالم الاجتماع الفرنسي ميشال فيوفيوركا، مدير الدراسات في المدرسة العليا لدراسات العلوم الاجتماعية: “هذا جيل لا يتحرك فقط من أجل مصالحه المباشرة، بل من أجل ضمان الحق في التعليم، والصحة، والسكن، ووضع حد لأنظمة فاسدة بدرجات متفاوتة. إنها حركة تقوم على قيم كونية”.

بدأت الموجة في أواخر الصيف بإندونيسيا. ففي جاكرتا، أثار إعلان عن منح سكنية لنواب البرلمان، تعادل قرابة عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور، غضبا واسعا. خرج الطلاب إلى الشوارع، وبرز رمز لافت: علم القراصنة الخاص ببطل مسلسل الصور المتحركة “وان بيس” الذي تحول إلى شعار عالمي لتمرد جيل زد.

في أيلول/سبتمبر، بلغت الحركة ذروتها في نيبال. انتشرت على إنستاغرام وتيك توك مقاطع تفضح أسلوب حياة أبناء النخب السياسية، المعروفين “بأبناء المحسوبية”. وردت الحكومة بحجب نحو عشرين منصة رقمية، ما فاقم الغضب. في كاتماندو، أُحرق البرلمان، واهتزت البلاد على وقع يومين من أعمال شغب غير مسبوقة.

 

سرعان ما امتدت الصدمة إلى أفريقيا. في أنتاناناريفو، عاصمة مدغشقر، تجاوزت الاحتجاجات مسألة انقطاع الماء والكهرباء لتصل إلى المطالبة الصريحة برحيل الرئيس. “لا نطلب الترف، بل حياة كريمة”، هتف متظاهرون، غالبيتهم من الطلاب والعمال الشباب.

في المغرب، اتخذ الحراك شكلا مختلفا. فقد برز تجمع “جيل زد 212″، نسبة إلى الرمز الهاتفي للبلاد، كمنصة تنسيق رقمية عبر ديسكورد، واضعا على رأس أولوياته إصلاح التعليم، وضمان الولوج إلى الرعاية الصحية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. أما في أمريكا اللاتينية، فقاد شباب بيرو تحركات واسعة من ليما إلى كوسكو، احتجاجا على الفساد المستشري، وعدم الاستقرار السياسي، وتصاعد معدلات الجريمة.

وعلى الرغم من تباين السياقات، يشير فيوفيوركا إلى قاسم مشترك:”نحن أمام دول تكون فيها الديمقراطية ضعيفة أو شكلية، وأنظمة تميل إلى السلطوية، ما يجعل القمع هو الرد الأول، ويغذي دوامة العنف”.

وكانت الكلفة البشرية باهظة، نحو عشرة قتلى في إندونيسيا، ثلاثة في المغرب، خمسة في مدغشقر، بينما شهدت نيبال واحدة من أكثر الحصائل دموية، مع ما لا يقل عن 76 قتيلا وأكثر من ألفي جريح، بحسب السلطات.

في نيبال، حقق جيل زد مكسبا سياسيا واضحا. فقد سقطت الحكومة، وفي سابقة لافتة، جرى تعيين رئيسة وزراء مؤقتة، وهي رئيسة المحكمة العليا السابقة سوشيلا كاركي، بعد تصويت نظم عبر منصة ديسكورد. كما أُنشئت لجنة تحقيق في مقتل المتظاهرين. بالنسبة للشباب النيبالي، كان ذلك دليلا على أن الاحتجاج الرقمي والميداني قادر على إحداث تغيير ملموس.

في مدغشقر، جاءت النتيجة أكثر التباسا. فبعد أسابيع من التظاهر، أُطيح بالرئيس أندري راجولينا بانقلاب عسكري، لكن السلطة بقيت عمليا في يد المؤسسة العسكرية. يعلق فيوفيوركا: “العسكر استثمروا حراكا لم ينجح في التحول إلى قوة سياسية مستقلة”.

أما في المغرب، اضطر القصر الملكي إلى التفاعل، معلنا استثمارات وإصلاحات في قطاعات الصحة والتعليم، في اعتراف ضمني بشرعية المطالب. غير أن القمع ألقى بظلاله على المشهد، مع استمرار اعتقال أكثر من 1400 شاب، بينهم مئات القاصرين.

في نيبال، لا يبدو الحراك في طريقه إلى التلاشي، فهناك انتخابات تشريعية مبكرة مقررة في آذار/مارس 2026. يقول الناشط يوجان راجبانداري: “نحن في المرحلة الثانية. الآن نركز على التسجيل الانتخابي ومحاربة الفساد. لن نتوقف”.

في بقية البلدان، يظل المستقبل مفتوحا على الاحتمالات. وبحسب ميشال فيوفيوركا “قد يستمر هذا الزخم وينتج آثارا بعيدة المدى، أو قد يتلاشى . لا توجد قاعدة ثابتة”.

يعلمنا التاريخ القريب أن الحركات الاحتجاجية لا تسير في خط مستقيم. من الربيع العربي إلى حركة “الغاضبين” في إسبانيا، ومن “احتلوا وول ستريت” إلى “ليلة الوقوف” في فرنسا، اندفعت موجات شعبية ثم انحسرت، مخلفة أحيانا تحولات عميقة، وأحيانا مجرد صدى عابر. “الحركات الاجتماعية ليست أبدية”، يذكّر ميشال فيوفيوركا.

لكن ما يميز جيل زد، بحسب فيوفيوركا، هو قدرته على التنظيم، وفرض أجندته، وانتزاع تنازلات دون السعي الفوري إلى الاستيلاء على السلطة، ويختم عالم الاجتماع قائلا “قد لا يملك هذا الجيل برنامجا سياسيا متكاملا، لكنه يمتلك أفقا واضحا: تغيير عميق، وشامل، وطويل النفس”.

فرانس 24

النص الفرنسي: باربارا غابيل/ اقتباس: حنين يونس

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *