سويسرا تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي

منذ يناير 2023 – ولأول مرة في تاريخها – أصبحت سويسرا عضوًا غير دائم في مجلس الأمن الدولي. وفي  شهر مايو الجاري، قطعت سويسرا خطوة أخرى جريئة حيث تتولى الرئاسة الدورية لهذه الهيئة الأممية التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، والمسؤولة عن صون السلام والأمن في العالم. وتتولى سويسرا هذه المهمة في وقت تتعرض فيه قدرة المجلس على منع النزاعات الدولية وعلى معالجتها للتشكيك وإلى تحديات جادة. ولم يستطع أعضاؤها الخمسة عشر منع روسيا من مهاجمة أوكرانيا في فبراير 2022 أو منع اندلاع القتال مؤخرا في السودان.

قبل عشرين عامًا، ظل هذا المجلس صامتا بينما كانت الولايات المتحدة تشن غزوًا على العراق في مخالفة صريحة للقوانين الدولية، ومن دون أي ضوء أخضر من الأمم المتحدة. في صميم الموضوع، يأتي استخدام حق النقض الذي تتمتع به القوى العظمى الممثلة في الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – الأعضاء الدائمون، المعروفون باسم «P5». فماذا يعني ترؤس مجلس الأمن؟ ما الذي يجب انتظاره من سويسرا؟ وما هي القضايا التي ستشغل دبلوماسييها طوال هذا الشهر؟

تكمن المهمة الأساسية لرئاسة المجلس في ضمان التسيير السلس لأعمال هذه الهيئة. وهذا يعني إعداد جدول أعمالها، الذي تم تحديد الكثير منه مسبقًا. وتشمل بنود جدول الأعمال المواضيع التي يجري استعراضها دوريا، والولايات أو نظم الجزاءات التي ستطرح للتجديد. كما يعني تنظيم ورئاسة الاجتماعات، وتوزيع المعلومات على الأعضاء، والعمل كممثل عام للمجلس.

ويقول ريتشارد غوان، مدير مجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة، منظمة غير حكومية في نيويورك: “لا ينبغي أن نبالغ في تقدير أهمية رئاسة المجلس. فالكثير من المهام المرتبطة برئاسة مجلس الأمن هي مهام بسيطة جدا”. ويتفق معه في ذلك أيضا أولي ستايجر، زميل الابحاث والتدريس في جامعة جنيف، في أن “هناك ثأثيرا ضئيلا لمن يتولى الرئاسة على جوهر عمل المجلس”، وأفضل دليلا على ذلك، بحسب رأيه، رئاسة موسكو لهذه الهيئة في شهر أبريل المنقضي. على الرغم من حربها في أوكرانيا وحقيقة أن الرئيس فلاديمير بوتين يواجه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، فإن روسيا لم تخرج مجلس الأمن عن مساره ولم تتمكن من التأثير عليه لصالحها. تشمل مهام الرئيس الأكثر استهلاكًا للوقت تنسيق عمل المجلس والتفاوض على بنود جدول الأعمال مع الأعضاء الآخرين.

الميزة الأساسية التي توفّرها الرئاسة هي الرؤية – من الخارج وفي الداخل-. يقول غوان: “ما تسمح به رئاسة المجلس للبلد هو تحديد سبب وجودها في مجلس الأمن وشرح هدفها من ذلك، وما هو دورها على المسرح العالمي” . وكانت سويسرا قد حددت أربع أولويات مواضعية لفترة مشاركتها كعضو غير دائم في المجلس والتي تمتد لعامين (2023-2024). وقد أعلنت أنها ستسعى إلى بناء سلام مستدام، وحماية المدنيين في الصراعات المسلحة، ومعالجة تأثير تغير المناخ على الأمن الانساني، وتحسين فعالية المجلس.

وخلال رئاستها في شهر مايو، تنظم برن ما يسمى بـ «المناقشات المفتوحة» – الاجتماعات التي ستسمح لسويسرا بوضع جدول أعمالها الخاص. وستجرى المناقشة الأولى حول «بناء سلام مستدام» في أوائل مايو، بينما ستُعقد المناقشة الثانية حول «حماية المدنيين» في وقت لاحق من الشهر. وسيرأسهما وزير الخارجية السويسري إنياتسيو كاسيس والرئيس السويسري آلان بيرسيه على التوالي.

“يمكن أن تطلق المناقشات المفتوحة محادثة حول قضايا معينة. وهذا ما تدور حوله الرئاسة بالتداول حقًا: بدء أو توجيه نقاش حول مواضيع معينة، وتحديد اتجاه المحادثة “، كما يقول ستايجر. ولا تؤدي هذه الاجتماعات عادة إلى نتائج أو قرارات ملموسة. “وليس من السهل دائمًا فهم ذلك، لكن عقد اجتماع حول مواضيع معينة هو في حد ذاته نجاح في الأمم المتحدة. وفي مجلس الأمن، فإن إجراء مناقشة حول موضوع ما يظهر اعتراف القوى العالمية بارتباطها بالأمن الدولي”، كما يقول ستايجر.

يكون مجلس الأمن مدعوا باستمرار للاستجابة للأزمات عند ظهورها، وشهر مايو الجاري يبدو مثقلا بالأحداث على هذا الصعيد. فمن المرجح أن يشغل الصراع الحالي في السودان بين الفصائل العسكرية المتنافسة أعضاء المجلس. وعلى الرغم من أنه لن يكون من مسؤولية سويسرا صياغة قرار أو بيان يدعو، على سبيل المثال، إلى إنهاء الأعمال العدائية (هذا هو دور «واضعو المسودات»)، سيتعين على الدبلوماسيين السويسريين الاضطلاع بواجبات إضافية.

في السياق، يقول غوان: “ستتحمل سويسرا مسؤولية دبلوماسية إضافية تتمثل في محاولة تقريب وجهات النظر بين جميع الأعضاء في مجلس الأمن من أجل التوصل لقرار، وسيكون لها دور أكبر في إدارة النشاط الديبوماسي بشأن تلك الأزمة أكبر مما سيكون عليه الحال لو لم تكن تشغل الرئاسة”.

كذلك تعود الحرب في أوكرانيا إلى مقدمة المشهد مع ملفين ساخنين محتملين: تجديد صفقة حبوب البحر الأسود، وهجوم أوكراني مضاد محتمل. فقد حذرت موسكو مرارًا وتكرارًا من أنها قد تنسحب من اتفاقية صفقة الحبوب، التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا في يوليو 2022، مما يسمح لأوكرانيا بتصدير حبوبها عبر ممر بحري آمن، إذا لم تتم إزالة الحواجز المتبقية أمام صادراتها من الغذاء والأسمدة. في الوقت الحالي، وافقت روسيا فقط على تمديده حتى 18 مايو. 

إذا قررت روسيا دفن الاتفاقية، فقد تُقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها قرارًا لمجلس الأمن يدعو إلى تجديدها. سيُجبر حق النقض الروسي، بموجب القواعد الجديدة التي تم وضعها العام الماضي، موسكو على شرح قرارها أمام 193 عضوًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث قد تواجه انتقادات شديدة لتأجيج أزمة غذائية عالمية.

“هذا من شأنه أن يطرح بعض الأسئلة الصعبة حقًا على الدور السويسري، لأن البعض سيتساءل:”أنتم تقدمون قرارا فقط كمسرحية، ولإحراج روسيا. ألا يجعل ذلك من الصعب محاولة إعادة الروس إلى الصفقة؟”  يتساءل غوان.

قد تكون الحرب في أوكرانيا أيضًا على جدول الأعمال إذا قررت كييف شن هجومها المضاد الذي طال انتظاره خلال شهر مايو. وبحسب غوان، فإن تصعيد الصراع قد يدفع دولة مثل البرازيل إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، وهو ما من المرجح أن تعارضه القوى الغربية. في غضون ذلك، قد تواجه سويسرا ضغوطًا من القوى المتنافسة للانحياز لهذا الطرف أو الآخر.

قد يكون الإغلاق المحتمل لمعبرين حدوديين – من المقرر أن ينتهي في مايو – مما يسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا من تركيا، والتي وافق الرئيس السوري بشار الأسد على فتحها في أعقاب الزلازل في فبراير، موضوع نقاشات ساخنة أيضا. وكذلك الأمر بالنسبة لقرار محتمل للأمم المتحدة في مايو بالانسحاب من أفغانستان بعد حظر طالبان لعمل موظفاتها. أخيرًا، سيقرر المجلس أيضًا ما إذا كان سيمدد حظر الأسلحة الحالي المثير للانقسام على جنوب السودان.

“يمكن أن يكون لديك سلسلة من المناقشات الصعبة حقًا حول أفغانستان وسوريا وأوكرانيا. والاختبار الصعب هو: هل تستطيع سويسرا الحفاظ على الهدوء والاحتراف؟ هل يمكنها فقط إدارة الاجتماعات الصعبة للغاية؟ هل يمكنها إبقاء كل شيء تحت السيطرة؟ “يتساءل غوان. النجاح في مجلس الأمن مفهوم جماعي، بحسب ستايجر، الذي يرى أن “النجاح في المجال المتعدد الأطراف يجب أن يُقاس بطريقة مختلفة عما هو عليه في السياسة المحلية أو الثنائية”.

ويظل مجلس الأمن المكان الرئيسي الذي تجتمع فيه جميع قوى العالم. وفي السياق الجيوسياسي اليوم، استمراره يتطلّب جهودا إضافية من البلد الذي يتولى رئاسته. ولقياس مدى نجاح سويسرا في أداء هذه المهمّة بدقة، يدعو ستايجر إلى عدم اغفال العلاقات المتوتّرة والصعبة للغاية بين العديد من أعضاء هذا المجلس في الوقت الحالي. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *