
في ألمانيا، القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، تعاني شريحة كبيرة من المجتمع من مشكلة الفقر التي بدأت تتفاقم مع مرور الوقت خاصة بين الفئات المجتمعية المتقاعدة والعاطلين عن العمل والنساء العازبات حتى باتت تشمل 13 مليون شخص يعانون من الفقر، أي بمعدل شخص من أصل سبعة أشخاص بحسب الإحصاءات الرسمية.
يبدو أيضاً أن الانتخابات التشريعية المقررة في 23 شباط/ فبراير 2025 تتجاهل بصورة إجمالية هذه المسألة، بينما تسيطر مسألتا الهجرة والأمن على الحملة.يعتمد زعيم المحافظين فريدريش ميرتس الذي يرجح أن يكون المستشار المقبل لألمانيا، خطا متشددا بشأن المساعدات الاجتماعية، محدداً “معاشا أساسيا” بقيمة 563 يورو يقدم للعاطلين عن العمل منذ فترة طويلة، إحدى الإصلاحات الرئيسية التي أقرتها حكومة وسط اليسار المنتهية ولايتها.
ويعتبر ميرتس أن هذه المساعدة سخية أكثر مما ينبغي وقال هذا الأسبوع إن “الذين لا يعملون في حين أنه يمكنهم مزاولة وظيفة لن يتلقوا مساعدة البطالة في المستقبل”.
من بين حوالى 5,5 مليون شخص يتقاضون هذه المساعدة، هناك أكثر من 60% “ذوي أصول مهاجرة” بحسب البيانات الرسمية، وهي نسبة عالية مردّها إلى أن العديد من اللاجئين الأوكرانيين الذين وصلوا مؤخرا يستفيدون منها. مما جعل اليمين المتطرف يتخذ من هذه الأرقام أحد محاور حملته.
غير أن عالم الاجتماع في منظمة “دياكونيه” الخيرية البروتستانتية ميكايل دافيد، يرى أن هذه المساعدات تشمل عددا ضئيلا من الاشخاص وأوضح “لا نحارب الفقر بمحاربة الفقراء” داعيا إلى أنظمة طويلة الأمد لإعادة دمج العاطلين عن العمل في الحياة النشطة. وكان مجلس أوروبا وجه تحذيرا العام الماضي إلى برلين بسبب مستوى الفقر والتفاوت الاجتماعي في ألمانيا معتبرا أنه “غير متناسب مع ثروة البلد”. كما يواجه البلد الذي يعاني من شيخوخة سكانه، تحدي تزايد عدد المتقاعدين المهددين بالفقر.
تروي ريناته كراوزه (71 عاماً) وهي سيدة ألمانية عملت لسنوات طويلة، أنها تعاني من الفقر وهي على أبواب التقاعد، موضحة أنه من “الصعب” عليها احتمال “ازدراء” السلطات السياسية حيال الذين يعيشون في ظروف هشة. وترى هذه الأم لأربعة أولاد التي تعيش في شقة صغيرة عند أطراف مدينة كيل على ضفاف بحر البلطيق، أن ذلك يعكس “حملة ضد الفقراء” من قبل بعض الأحزاب، ولا سيما المحافظين الذين يتصدرون نوايا الأصوات، وبرون أن الفقر “قدر شخصي لا يجب الأخذ به في أي قوانين”.
تضيف كراوزه “استخدمت مداخيلي لتمويل حياتي وضمان تعليم جيد لأولادي”. وروت المرأة التي تتقن الخياطة والحياكة أنها بعدما كانت تعمل في مكتبة، قررت في الثمانينات العمل لحسابها ففتحت محلّ نسيج، ثم باعت منتجاتها في الأسواق. لكن هذا لم يكن كافيا للاستثمار في تأمين خاص للتقاعد، وهو ما كان يجدر بها أن تفعل بصفتها عاملة مستقلة.
بعد طلاقها عام 2001، وإصابتها بورم سرطاني في عينها حدّ من رؤيتها، تخلت عن حياتها النشطة في 2015، قبل بضع سنوات من سن التقاعد المحدد بـ67 عاما. وهي تتقاضى من خلال معاشها التقاعدي الأساسي والمساعدات الاجتماعية 1065,91 يورو في الشهر، وهو مبلغ دون عتبة الفقر.
بعد حسم الإيجار والتدفئة، يتبقى لها 678,51 يورو. وهي تؤكد أن كل الكماليات التي تملكها الآن من تلفزيون وأدوات كهربائية اكتسبتها قبل انحدارها إلى الفقر.
تعتبر كراوزه أن الفقر يجعل الشخص يعيش في عزلة. فلا يمكنها مثلا أن تجلس في مقهى لتناول فنجان قهوة، ولا سيما مع تزايد الأسعار بسبب التضخم. وبما أن عائلتها مبعثرة في أنحاء المانيا، لا يمكنها “زيارة أحفادها السبعة”.