البحث عن جذور الإسلام: أريوس والمسيح الإله المخلوق (2-10)

الحلقة الثانية: وجيه فلبرماير

في المقال السابق تحدثت عن الفكر المؤسس للهرطقات داخل الكنيسة المسيحية والتى بدأت مع نهاية القرن المسيحي الثاني وكيف ان اختلاط الفكر الوثني وبعض الطوائف اليهودية مع الفكر المسيحي نتجت عنه انحراف الكنيسة حتى وصل الانحراف اقصاه على يد الشماس الليبي الامازيغي الشرير “أمونيوس آريوس” وفي هذه المقال سوف اشرح حقيقة آريوس وفكره ومصادره. كما انني ربطت ومازلت اربط بين الفكرة الشيطانية التى تنزع عن السيد المسيح قدرته اللاهوتية واعتباره مساوي للرب وبين كل هذه الهرطقات الوثنية واليهودية.

امونيوس آريوس هو شماس ليبي الجنسية ينتمى الى الامازيغ وكانت وقتها الكنيسة الليبية تتبع الكنيسة الارثوذكسية اي الكرسي البطريركي السكندري ولد عام 256 ووتفي في عام 336 ميلادياً وثبت على آريوس انه ضعف امام الاضطهاد ضد المسيحيين وسجد للاوثان وطرد من الكنيسة ولكنه عاد وتاب على يد الانبا بطرس السابع عشر وتم قبوله مرة اخرى شماس وواعظ وكان خطيبا بليغا وفصيحا وبارع في اقناع مستمعيه ولكن كان من الواضح ان الكبرياء تملك منه كان لديه شعور بتضخم الذات.

كان واضحا ان الشماس آريوس تاثر بفلسفة يهودية واخرى وثنية فهو تأثر بافكار منقولة من اليهودي فيلون الذي تفلسف في معنى اللوجوس او الكلمة Logos بانها كائن وسيط بين الرب الوهيم والعالم لان ألوهيم خلق الكلمة لكي يخلق بها العالم والوهيم يعلوا فوق المادة ولا يتصل بها الا عن طريق وسيط فكان هذا الوسيط هو الكلمة “المسيح”

وفي نفس الوقت تأثر بالفكر الوثني الافلاطوني الحديث او مايشبه الفكر الغنوصي هذا الفكر الذي يقوم على ان الخالق ينقسم الى إله للخير وإله للشر ومن هنا يجب ان يصل الانسان الى معرفة اسرار الكون واسرار إله الشر لكي يبتعد عنه وقد جاء هذه التأثير الوثني في مدرسة الاسكندرية اللاهوتية على يد فالنتينوس واوريجانوس.

اين تكمن هرطقة وانحراف آريوس عن المسيحية الحقة؟

ببساطة فكرة آريوس تتلخص في ان المسيح هو إله مخلوق او خالق مخلوق خلقه الرب ليخلق به العالم وهو عكس فكر الكنيسة التى تؤكد ان المسيح مولود غير مخلوق، ولذلك تقول في قانون الايمان انه مساوي للاب في الجوهر ردا على فكرة آريوس التى تقول ان المسيح الابن أقل قيمة ومنزلة من الآب. آريوس رأي ان المسيح هو الكلمة وليس بإله بل مولود ولايشارك الآب في طبيعته فقط هي علاقة تبنى لان الكلمة ليس آزلي بل مخلوق

ووصف موقع “الأنبا تكلا” هرطقة آريوس بأنه أنكر ألوهية السيد المسيح متأثرًا ببعض الفلسفات اليونانية القديمة مثل الأفلاطونية (Platonism). فاعتبر أن اللوغوس إله، ولكنه إله مخلوق وليس من جوهر الآب. وإنه كائن وسيط بين الله الإله الحقيقي (الآب) وبين العالم المخلوق لأنه لا يليق أن يتصل الله بالخليقة، وأنه أسمى من أن تكون له علاقة مباشرة بالخليقة. فكيف يخلق الله العالم أو المادة وهو منزه عن هذا؟ لذلك استخدم اللوغوس –وهو كائن أقل وأدنى من الله- كأداة لخلق العالم. وبهذا فلسف عبارة “كل شيء به كان” (يو1: 3). وقال أن هذا الكائن الوسيط والأدنى لا يمكن أن يكون مساو لله في الجوهر والأزلية.

من الممكن التوسع اكثر فاكثر في تفاصيل افكار المهرطق المنحرف أمونيوس آريوس بما في ذلك انكاره لألوهية الروح القدس وانكاره للاقانيم الثلاثة وكلها كانت مبنية على تفسيرات خاطئة لآيات الكتاب المقدس التى توضح حقيقة بشرية وانسانية المسيح ، ولكن يكفى ان نعرف جوهر هذه الهرطقة التى جعلت الكنيسة الارثوذكسية بالاسكندرية تقف ضده وترفض فكره وتصدى له البطريرك والشماس اثناسيوس الذي اصبح بعد ذلك البطريرك اثناسيوس الرسولي.

كانت بداية آريوس كقس (كاهن) في الاسكندرية حيث رسمه الاسقف بطرس في هذه المرتبة الكهنوتية بعدها تضامن مع اسقف اسيوط المنشق عن الكنيسة وجرد من رتبته الكهونتية بسبب تمرده المبكر ثم اعاده اسقف الاسكندرية الكسندروس ولكن صدم الاسقف من شرحه لمصطلح ابن الله بمفهوم يختلف عن مفهوم الكتاب المقدس وفيه طعن صارخ في الوهية يسوع المسيح وعقد مجمع قرر عزل هذا الكاهن المهرطق آريوس للمرة الثانية.

ورحل المعزول آريوس الى فلسطين وسوريا وهناك استطاع ان يقنع عدد كبير من التلاميذ ورجال الاكليروس بفكرته حول عدم الوهية المسيح ووقف ضده مجمع الاسكندرية عام 318 ميلاديا ، تمكن آريوس من العودة مرة أخرى إلى الإسكندرية حيث أخذ يعمل بحماسة شديدة وبأساليب مبتكرة لأجل عقيدته بأن يسوع مخلوق ونشرها بين الجماهير عن طريق الأحاديث والأشعار. وقد ساعد على نشر عقيدته ما كان يظهر به آريوس من مظاهر الورع والتقوى إلى جانب ما يتصف به من تباهٍ وإصرار وحب للنضال. وكان يجري مباحثاته اللاهوتية مع الشعب.

ودعا الامبراطور قسطنطين الى انعقاد مجمع في نيقية عام 325 ميلاديا ليكون المجمع المسكوني الاول في تاريخ المسيحية لحل المشكلة التى حدثت بسبب فتنة الكاهن آمونيوس آريوس داخل الكنيسة وقرر المجمع ادانة آريوس وكل الاساقفة الذين ساروا وراء تعاليمه وتم عزل هؤلاء الاساقفة وتم القبض على آريوس وقيد بالسلاسل وتم نفيه خارج الاسكندرية ولكن تلاميذه واتباعه ظلوا ينشرون تعاليمه وافكاره.

قرر الامبراطور بعد ان هاج اتباع آريوس ان يعفو عنه وينهى نفيه في تركيا وقرر له العودة للاسكندرية ولكن الاسقف الارثوذكسي السكندري الكسندورس والشماس اثناسيوس رفضا قبوله في الاسكندرية فعاد مرة اخرى الى القسطنطينية لان الامبراطور لم يشأ ان يفرضه على كنيسة الاسكندرية ولما هاج اتباعه مرة اخرى غضب الامبراطور قسطنطين واظهر لهم العين الحمراء، وكان آريوس عنيدا وكان يريد فرض فكرته الهرطقية على كنيسة الاسكندرية بالقوة. وهناك في القسطنطينية (حالياً تركيا) مات آريوس بطريقة مآساوية حيث خرجت احشاءه وهو يقضى حاجته في الحمام. وبالطبع يدعي اتباعه ان هناك من دس له السم في الطعام.

تسبب آريوس ايضا في إزهاق ارواح كثيرة بسبب بدعته حيث ان ابن الامبراطور قسطنين الكبير كان مؤيدا لافكار آريوس وغضب بشدة من البطريرك الارثوذكسي الانبا اثناسيوس ووصفه بالوقح والمتصلف وارسل للاسكندرية بطريركا ليجبر اثناسيوس على النزول من كرسي البطريركية لهذا الشخص وكان اسمه جاورجيوس ورافقه من القسطنطينية خمسمائة فارس لحمايته وقتل كل من يعترض على اوامر الامبراطور الآريوسي.

وهرب المحارب الأنبا أثناسيوس الرسولي وبقي مختفيًا ست سنوات ثم خرج ومضى إلى القسطنطينية حيث قابل الإمبراطور، فأمر بترحيله في سفينة بغير خبز ولا ماء لعلّه يهلك جوعًا أو يغرق في الطريق. لكن السفينة وصلت الإسكندرية بسلام، ففرح به شعبه فرحًا عظيمًا وأدخلوه إلى الكنيسة وأخرجوا منها جاورجيوس وأصحابه.

ومات آريوس ومات الامبراطور ومات اثناسيوس ولكن ظلت افكار آريوس الشيطانية حية بين تلاميذه واتباعه وانتشرت حتى القرن السادس لتجتاح الشرق بقوة بعد ان اسست اقوى العقائد الشيطانية في التاريخ وهي الاسلام الذي قام في الاساس بدون ان ينعت باسم الاسلام ولكن كان يسمى دين التوحيد والهدف منه كان هو انكار لاهوت وقوة المسيح وتحويله من ابن الله المخلص الى مجرد رجل صالح ونبي اسمه عيسى. وكيف حدث ذلك على ارض الواقع هذا ماسنعلمه في المقالات القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *