تجنيد الكينيين قسرًا في الجيش الروسي

تسلّط قضية تجنيد الكينيين قسرًا في صفوف الجيش الروسي للقتال في حرب أوكرانيا الضوء على تحوّل خطير في أنماط استقطاب المقاتلين الأجانب، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على المرتزقة المتطوعين، بل امتد إلى شبكات احتيال عابرة للحدود تستهدف فئات هشة تبحث عن فرص عمل خارج أوطانها.

وتكشف الوثائق الدبلوماسية والتقارير الصحفية عن ممارسات منظمة تستغل الفقر والرغبة في الهجرة داخل دول إفريقيا جنوب الصحراء، لتتحول وعود الوظائف المدنية إلى عقود عسكرية قسرية تنتهي بإرسال ضحاياها إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا.

بحسب صحيفة لوموند الفرنسية، الأربعاء 17 ديسمبر 2025، نقلًا عن برقيات دبلوماسية أرسلتها السفارة الكينية في موسكو إلى وزارة الخارجية في نيروبي، تم تحديد هوية ما لا يقل عن 82 مواطنًا كينيًا جرى تجنيدهم قسرًا ضمن الجيش الروسي. وأظهرت الوثائق الرسمية أن هؤلاء أُرسلوا إلى الجبهة بعد خضوعهم لتدريب عسكري مكثف وقصير.

وأوضحت صحيفة “ذا نيشن” الكينية، التي نشرت تفاصيل هذه البرقيات في 15 ديسمبر2025، أن 18 كينيًا تمكنوا من العودة إلى بلادهم بمساعدة السفارة، في حين لا يزال مصير آخرين مجهولًا، ما يؤكد أن تجنيد الكينيين قسرًا لم يكن حوادث فردية، بل نمطًا متكررًا وموثقًا.

وفق تقرير أعدّه السفير الكيني لدى موسكو، بيتر ماثوكي، فإن معظم المجندين الـ82 لم يكن لديهم أي تدريب عسكري سابق، ولم يحملوا سلاحًا من قبل. وبعد دورة تدريبية لا تتجاوز 5 أيام داخل معسكرات روسية، جرى إرسالهم مباشرة إلى الخطوط الأمامية، في مخالفة صارخة للمعايير العسكرية والإنسانية.

وبيّن التقرير أن هؤلاء الكينيين تم توزيعهم على عدة معسكرات، أبرزها معسكر نوفايا تافولجانكا في منطقة بيلغورود، ومعسكر إسترا قرب موسكو، إضافة إلى منشآت تدريب في سانت بطرسبرغ. وتؤكد هذه التفاصيل، وفق لوموند، وجود بنية تنظيمية لاستقبال المجندين الأفارقة وإلحاقهم بالجبهات.

كشفت الوقائع الميدانية حجم المأساة الإنسانية التي خلفها تجنيد الكينيين قسرًا، إذ أفادت التقارير بأن 4 من المجندين يرقدون في مستشفيات موسكو بسبب إصابات خطيرة، بينها بتر أطراف وكسور حادة، كما لا يزال مصير اثنين آخرين مجهولًا رغم محاولات السفارة الكينية العثور عليهما.

وكان مارتن ماتشاريا مبورو، من مقاطعة كيامبو شمال نيروبي، أول كيني يُقتل رسميًا في المعارك، بعدما لقي حتفه في 30 أكتوبر على جبهة دونيتسك–ليمان. وذكرت ذا نيشن أنه وقّع عقدًا عسكريًا باللغة الروسية معتقدًا أنه سيلتحق بوظيفة سائق، دون أن يفهم مضمون الوثيقة.

يلعب الاحتيال الوظيفي دورًا محوريًا في عمليات تجنيد الكينيين قسرًا، إذ يوضح مارك كاريوكي، أحد الضحايا، أن وكالات توظيف وعدت المتقدمين بوظائف في مصانع تجهيز اللحوم والتنظيف، مع رواتب مغرية وتكفّل كامل بتكاليف السفر والإقامة.

ويقول كاريوكي في تصريح لصحيفة ذا نيشن: “قيل لنا إن المشروع مبادرة حكومية مدعومة من السلطات الكينية والروسية، ولم يُطلب منا سوى دفع 30 ألف شلن. بعد وصولنا، أُجبرنا على الالتحاق بالجيش”، ويبرز هذا الاعتراف كيف تحولت الهجرة الاقتصادية إلى فخ عسكري.

بحسب صحيفة ذا ستاندرد الكينية، الأربعاء 17 ديسمبر 2025، لعبت وكالتا شيليتي جلوبال وتالنت شيبرد دورًا رئيسيًا في عمليات التجنيد. وعلى إثر ذلك، أعلنت الحكومة الكينية إلغاء تراخيص أكثر من 600 وكالة توظيف، في محاولة لوقف هذا النزيف البشري.

وتعود بداية القضية، وفق تحقيقات الشرطة التي نقلتها ذا ستاندرد، إلى أواخر سبتمبر، حين عُثر على 22 رجلًا في ضاحية أثي ريفر بنيروبي يستعدون للسفر إلى روسيا، وكشفت التحقيقات أن بعضهم كان على علم بالمشاركة العسكرية، بينما خُدع آخرون بعقود عمل وهمية.

حذّر السفير بيتر ماثوكي في إحدى رسائله من استمرار استدراج الشباب الكينيين من قبل “عملاء عديمي الضمير”، داعيًا وزارة شؤون المغتربين إلى إطلاق حملات توعية لحماية الباحثين عن عمل في الخارج، مؤكدًا هذا التحذير اعترافًا رسميًا بوجود خلل بنيوي في منظومة الهجرة والعمل.

من جانبه، دعا وزير الخارجية الكيني موساليا مودافادي المواطنين المسافرين إلى روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان إلى التسجيل فورًا لدى السفارات، مشيرًا إلى إنشاء وحدة دعم نفسي واجتماعي للعائدين وعائلاتهم، في محاولة لاحتواء تداعيات تجنيد الكينيين قسرًا.

لا تقتصر الظاهرة على كينيا وحدها، إذ تقدّر السلطات الأوكرانية أن أكثر من 1400 جندي إفريقي من 36 دولة يقاتلون إلى جانب الجيش الروسي، معظمهم تحت الإكراه، وأشارت لوموند إلى أن هذه الأرقام تعكس توسع الاعتماد الروسي على المقاتلين الأجانب.

وتعزز دراسة للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI) هذا التوجه، معتبرةً أن إفريقيا جنوب الصحراء تمثل “قاعدة توظيف واسعة وسهلة” بسبب الفقر المرتفع والرغبة القوية في الهجرة. ووفق مودافادي، يوجد حاليًا أكثر من 200 كيني داخل روسيا، ما يثير مخاوف من توسع الظاهرة مستقبلًا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *