
كشف مصدر أمني سوري الأحد أن منفذ الهجوم على وفد عسكري مشترك قرب تدمر كان عنصرا في جهاز الأمن العام خضع سابقا لتقييم أمني رجّح امتلاكه أفكارا متطرفة. وأدى الهجوم إلى توقيف أكثر من 11 عنصرا من الجهاز للتحقيق. فيما تعهّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرد، وأكدت القيادة الوسطى مقتل المهاجم وإصابة ثلاثة جنود أمريكيين خلال مهمة دعم ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، في ظل تعاون عسكري جديد بين واشنطن ودمشق بعد انضمام سوريا رسميا للتحالف الدولي.
أكد مصدر أمني سوري الأحد أن منفذ الهجوم على وفد عسكري مشترك في وسط البلاد كان عنصرا في جهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية، وأن السلطات أوقفت أكثر من 11 عنصراً من الجهاز نفسه وأحالتهم إلى التحقيق عقب الحادث مباشرة. وأوضح المصدر، الذي طلب عدم كشف هويته، أن المهاجم التحق بالأمن العام قبل أكثر من عشرة أشهر، وخدم في عدة مدن قبل نقله مؤخرا إلى تدمر حيث نفّذ الهجوم.
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا إن العنصر كان مدرجا على قوائم التقييم الأمني باعتباره يشتبه في امتلاكه “أفكارا تكفيرية أو متطرفة”، وإن قرارا باستبعاده كان في طور الصدور قبل الهجوم، في وقت تخضع فيه قيادة الأمن الداخلي في البادية لتقييمات أسبوعية تشمل أكثر من خمسة آلاف عنصر يتم على أساسها اتخاذ إجراءات تنظيمية وأمنية عند الحاجة.
يأتي الهجوم ليكشف هشاشة عملية إعادة بناء الأجهزة الأمنية بعد انهيار الشرطة والأمن الداخلي إثر إسقاط الحكم السابق؛ إذ فتحت السلطات الجديدة، المدعومة من فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام منذ عام، باب التطوع على نطاق واسع لسد الفراغ الأمني.
خلال الأشهر الأولى من توليها الحكم، التحق آلاف العناصر الجدد بمؤسسات الأمن الداخلي في مختلف المناطق، كما أنشئ جيش جديد يضم مقاتلين سابقين من فصائل حليفة حُلّت بطلب من القيادة الجديدة، ما خلق بنية أمنية قيد التشكل تعاني من ثغرات في الفرز والتدقيق، خاصة في بيئة صحراوية تنشط فيها خلايا تنظيم الدولة الإسلامية.
البابا أوضح أن الهجوم هو الأول من نوعه منذ وصول السلطة الجديدة إلى الحكم قبل عام، رغم محاولات تقاربها مع الولايات المتحدة، مؤكداً أن آلية التقييم الأسبوعي للعناصر تهدف إلى رصد أي اختراقات محتملة، لكنها لم تمنع هذه الحادثة التي استغل فيها المهاجم موقعه داخل جهاز الأمن لتنفيذ إطلاق النار على الوفد المشترك.
القيادة الوسطى الأمريكية (سنتكوم) أعلنت أن الهجوم أسفر عن مقتل المهاجم وإصابة ثلاثة جنود أمريكيين، مشيرة إلى أن الوفد كان في تدمر في إطار مهمة دعم للعمليات الجارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، من دون الخوض في تفاصيل إضافية عن سير الاشتباك.
في تصريحات لاحقة، تعهّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرد، واصفاً المنطقة التي وقع فيها الهجوم بأنها “شديدة الخطورة” ولا تخضع لسيطرة سورية كاملة، في تلميح إلى استمرار نشاط خلايا التنظيم في البادية السورية.
دمشق من جانبها أدانت الهجوم ووصفته بأنه “إرهابي”، وقدمت تعازيها للحكومة والشعب الأمريكيين، في تعبير غير مألوف عن مستوى جديد من التنسيق السياسي مع واشنطن. وأكد البابا أن قيادة الأمن الداخلي كانت قد وجهت تحذيرات مسبقة إلى “القوات الشريكة” في منطقة البادية بشأن احتمال حصول خرق من جانب تنظيم الدولة الإسلامية، لكن “قوات التحالف الدولي لم تأخذ هذه التحذيرات بعين الاعتبار”، على حد قوله.
تقع تدمر في قلب البادية السورية التي شكلت لعقد من الزمن مسرحاً رئيسياً لنشاط تنظيم الدولة الإسلامية؛ فقد سيطر التنظيم على المدينة عامي 2015 و2016، ودمر خلال تلك الفترة معالم أثرية بارزة ونفّذ عمليات إعدام بحق سكان وعسكريين، قبل أن يفقدها تباعاً لصالح القوات الحكومية المدعومة من روسيا ثم وحدات مدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
بحلول 2019، انهارت سيطرة التنظيم على نحو شبه كامل، لكن خلاياه واصلت تنفيذ هجمات متفرقة في الصحراء مستفيدة من اتساع رقعة البادية وصعوبة ضبطها أمنياً. التحوّل الأبرز خلال العام الجاري تمثل في انضمام دمشق رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، خلال زيارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى واشنطن الشهر الماضي، في خطوة اعتُبرت “محوراً غربياً” جديداً للنظام الانتقالي وفرصة لإعادة تموضع سوريا إقليمياً.
تنتشر القوات الأمريكية حالياً أساساً في مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق البلاد، إضافة إلى قاعدة التنف على المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، وتُصر واشنطن على أن وجودها العسكري يتركز على مكافحة خلايا التنظيم ودعم الحلفاء المحليين، فيما يظهر هجوم تدمر أن خطر الاختراق من داخل الأجهزة الشريكة ومن بقايا التنظيم لا يزال قائماً رغم التحالفات الجديدة.
فرانس24/ أ ف ب
