ليون بفرنسا، يعيش حوالي 250 قاصرا في الشوارع

يعيش حوالي 250 قاصرا غير مصحوبين بذويهم، ينتظرون الرد على طلبهم بالاعتراف بوضعهم كقاصرين، في مخيم غير صحي في ليون منذ كانون الثاني/يناير. بعد ليال شديدة البرودة، وجد بضع عشرات منهم ملجأً في كنيسة بالحي. تقرير لمهاجر نيوز من عين المكان.

يدخل الشباب كنيسة سان بوليكارب، في حي كروا روس بمدينة ليون جنوب شرق فرنسا، كل شخص على حدا. يأخذون البطانيات والفرش، ثم يستقرون بهدوء في الممرات. أحدهم، تحت بطانيته، ينام عند كعب مكان الاعتراف. يتكرر هذا المشهد كل ليلة منذ 23 تشرين الثاني/نوفمبر، في درجات الحرارة المتجمدة التي تشهدها هذه الفترة من العام. عشرات الشبان الذين يقولون إنهم قاصرون ويقيمون عادة في مخيم حديقة شارترو، التجأوا إلى الكنيسة التي تبعد بضع كيلومترات عن مسكنهم المعتاد. يقول سيدريك، وهو عضو في تجمع “دعم/مهاجرو كروا روس” (Soutiens/Migrants Croix-Rousse): “ينام ما بين 60 و90 منهم هنا كل ليلة”.

يجلس إبراهيم، وفي يده اليمنى فنجان قهوة أحمر من الكرتون، على مقعد للصلاة في الصحن المركزي للكنيسة. يتأمل بصمت المبنى المهيب الذي يعود للقرن السابع عشر. يرتدي هذا الشاب البالغ من العمر 16 عاما، والقادم من مالي، قبعة صوفية سوداء وزرقاء، وقد أمضى عدة ليال في الكنيسة. يقول “ليس الوضع مثاليا، لكنه أفضل بكثير من النوم في العراء”.

على الرغم من أن الكنيسة سمحت بوجودهم، إلا أن القواعد صارمة. يُمنع تناول الطعام داخل المبنى، ويتعين على المهاجرين الشباب الانتظار حتى الساعة السادسة مساء للدخول. كما يجب تنظيف المكان وإخلاؤه بحلول الساعة التاسعة صباحا من اليوم التالي. 

يجلس جونيور، وهو شاب أنغولي، أمام الكنيسة، مستمتعا بالراحة التي يوفرها له هذا المكان. وبعد أن وضع فراشه وبطانيته، يقضي بضع دقائق للاسترخاء في الخارج قبل النوم. يقول “أشعر بتحسن هنا. الليل هنا أفضل من الخارج، أفضل من المخيم”. يستيقظ كل يوم في الساعة السادسة صباحا للذهاب إلى مدرسته الإعدادية.

على الرغم من توفر هذا المأوى البديل، ينهش القلق هؤلاء الشباب الذين ينتظرون بفارغ الصبر الاعتراف بوضعهم كقاصرين. وبعد رفض أولي، قدموا استئنافا وهم الآن ينتظرون قرار قاضي محكمة الأحداث.

يتنهد جونيور قائلا “لن نبقى هنا لفترة أطول. آمل أن أجد مأوىً يومًا ما”. ومثله، ينتظر حوالي 250 شابا ردا على استئنافاتهم. لكن لم يجد جميعهم ملجأً في كنيسة الحي. تُرك أغلبهم، وهم من أفريقيا جنوب الصحراء، لمصيرهم في مخيم بالمدينة.

يُعتبر هؤلاء الشباب، الذين لا يُصنفون كقاصرين ولا كبالغين، وينتظرون قرار القاضي، غير مؤهلين للحصول على خدمات رعاية الطفل أو برامج الدعم الحكومية المخصصة للبالغين. ينتقد الناشط سيدريك الوضع قائلا “لقد تخلت عنهم المؤسسات تماما”، مستنكرا حقيقة أنه بعد تقديم الطعون، “يُعترف بثلاثة أرباع هؤلاء الشباب كقاصرين، وبالتالي فقد أمضوا شهورا في مخيم بائس دون جدوى”.

يضيف إبراهيم، الذي ينتظر منذ أربعة أشهر ردا على طعنه “لا أريد العودة إلى المخيم، فالعيش هناك غير إنساني. ننام مع الفئران. نأكل القليل جدا. حتى الاستحمام هناك يُعد تحديا”.

ولديهم كل الحق في هذا الوصف، فالظروف المعيشية قاسية. خلف أسوار الحديقة، تنتصب عشرات الخيام، المرفوعة على منصات خشبية، في صفوف منتظمة. بعض الخيام مغطاة بالبطانيات، وهي الوسيلة الوحيدة لاكتساب بعض الدفء مع بداية حلول الشتاء. وبين أغطية الخيام، تتكاثر الفئران.

يقول لاي، وهو شاب من غينيا يبلغ من العمر 16 عاما “نتجمّد حتى الموت داخل الخيام، والبرد سوف يشتد أكثر. الفئران في كل مكان. لا نستطيع حتى ترك خيامنا مفتوحة خوفا من دخول الفئران”. ويضيف “ولا أريد حتى أن أتحدث عن حالنا عندما تمطر. الماء يتسرب من كل مكان. تصبح الخيام رطبة، ونعيش في الوحل”.

بجانبه، يُعاني “جاره” درام من المشاكل نفسها. ومثل العديد من الشباب الآخرين، يذهب إلى المدرسة. يتساءل وهو يلفّ نفسه بسترة حمراء “لكن كيف تتوقعون منا أن نتقدم في هذه الظروف؟ كيف لنا أن ننجح في المدرسة ونحن نعيش هنا؟”. يوم الثلاثاء الماضي، جاءت جمعية “الأيدي المسلمة” (Muslim Hands) لتوزيع وجبات ساخنة وفواكه وحلوى على المهاجرين. يقول الرجل الغيني “في بقية الأوقات، يعتمد الأمر بشكل كبير على الصدفة لتحديد موعد تناولنا الطعام”.

وقدّم استئنافه قبل سبعة أشهر. ويعترف الرجل، الذي يطمح للعمل في مجال الكهرباء مستقبلا “أشعر حقا بأننا منسيون”.بالنسبة للبعض، يطول الانتظار، ومعها مدة إقامتهم في المخيم، منذ كانون الثاني/يناير، أي ما يقارب العام. وهكذا، أصبحت الحياة داخل المخيم منظمة. يتجاذب بعض المهاجرين أطراف الحديث حول نار يشعلونها تحت عريشة. وفي مكان قريب، يمسك شاب بمقص شعر ويبدأ بقص شعر صديقه الذي يراقبه في المرآة. وتحت خيمة بيضاء كبيرة، أرضيتها مفروشة بالسجاد، يصلي شابان فيما تم تجهيزه كمسجد مؤقت.

خلال زيارة إلى هنا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نددت منظمة أطباء بلا حدود وجمعية “يوتوبيا 56″ بـ”أزمة إنسانية” وحذرتا من “التدهور الحاد في الصحة البدنية والنفسية” لسكان المخيم. يقول إبراهيم وهو منهك “بالطبع الناس محبطون. قيل لي إن تقديم طلب استئناف سيستغرق شهرين أو ثلاثة، لكنني أنتظر منذ أربعة أشهر ولم أعد أحتمل. تخيلوا فقط معاناة أولئك الذين ينتظرون منذ عام”.

في مواجهة هذا الوضع المستمر منذ سنوات، افتتحت جمعية “لو ماس” مركزا يُدعى “لا ستيشن” بدعم من منطقة ليون ومن المحافظة. ومنذ عام 2020، وفر المركز سكنا لـ102 شابا وشابة ممن يطعنون في وضعهم كقاصرين.

وأوضحت ماريان كولوفراي، رئيسة وحدة الطوارئ في الجمعية، لمهاجر نيوز “نوفر لهم المأوى والدعم الصحي والتعليمي إلى حين تلقيهم ردا على طعونهم”. وأضافت أن المركز استقبل 660 قاصرا، بمتوسط ​​إقامة يبلغ 10 أشهر. وأشار المصدر نفسه إلى أن “حوالي 75% من المهاجرين يُعترف بهم كقاصرين في نهاية الإجراءات”. وفي نهاية عام 2025، افتتح رئيس البلدية مركزا آخر بسعة 40 سريرا عقب إقرار عملية إيواء.

ويطالب التجمع المعني بمساعدة المهاجرين بإنشاء المزيد من المراكز المشابهة لمركز “لا ستيشن”. في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، وقبل أن يقرر المهاجرون دخول الكنيسة، عُقد اجتماع مع مكتب رئيس البلدية والمحافظة، “لكن لم يُطرح أي حل”، كما يقول سيدريك متحسرا.

من جانبها، تنصلت منطقة ليون والمحافظة، عند استجوابهما من قبل صحيفة ليبراسيون، من المسؤولية. وتؤكد المنطقة أن هؤلاء المهاجرين “يُعترف بهم كبالغين” و”يخضعون لسلطة الدولة” أثناء انتظارهم موعدا مع قاضي الأحداث. بينما تُشدد المحافظة على مسؤولية الدولة عن حماية الأطفال “من الصعب اتخاذ موقف إذا كانوا قاصرين [إذ لا تقع رعايتهم ضمن اختصاص المحافظة]. أما إذا كانوا بالغين في وضع غير نظامي، فإن المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج هو الجهة المختصة باستقبالهم لتقييم وضعهم، وتقديم طلب لجوء، أو تقديم المساعدة في عودتهم”. ويلخص سيدريك الأمر بخيبة أمل قائلا “الجميع يتهرب من المسؤولية”.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *