سوريون عادوا إلى بلدهم يروون أسباب عودتهم وقصص استقرارهم

مضى عام على سقوط نظام الأسد. خلال هذا العام شهدت سوريا أحداثا مختلفة. من ألمانيا التي استقبلت أكثر من مليون لاجئ، عاد البعض إلى سوريا أملا بالبدء ببناء حياة جديدة. مهاجر نيوز التقى ببعض السوريين الذين عادوا من ألمانيا إلى دمشق. كيف كانت آراءهم وهل تمكنوا من تحقيق أهدافهم وما هي الصعوبات التي تواجه العائدين من ألمانيا للاستقرار في سوريا؟

مع اقتراب نهاية عام 2024 تغيرت حياة ملايين السوريين، وذلك بعد سقوط نظام الأسد. ومنذ ذلك الحين بدأت موجة عودة لافتة من الخارج، من بينهم آلاف السوريين الذين كانوا يعيشون في ألمانيا. إذ استعادوا شعور الانتماء وقرّروا الإسهام في إعادة إعمار وطنهم. ‏ موقع مهاجر نيوز تواصل مع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، الذي أكد أن ‏2869 سوري عادوا  إلى “وطنهم الأم عن طريق العودة الطوعية بين منتصف يناير/كانون الثاني حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول هذا العام” .

ويرجح المكتب الألماني للهجرة واللجوء أن يكون العدد الفعلي أعلى بكثير بسبب عدم احتساب من حصلوا على الجنسية الألمانية والكثير من الأشخاص الذين غادروا بشكل مستقل دون إبلاغ الجهات الرسمية بقرار عودتهم.

 إذ “يملك المكتب الاتحادي أرقامًا فقط حول العائدين الطوعيين في إطار برنامج REAG/GARP. لا يمكننا إحصائيًا تتبع الأشخاص الذين يغادرون البلاد بغض النظر عن هذا البرنامج. كما أن بيانات الأشخاص الحاملين لجنسيات متعددة غير مسجلة”، هذا ما صرّح به أحد متحدثي دائرة الهجرة واللجوء (BAMF) لمهاجر نيوز.

أحد السوريين العائدين من ألمانيا هو صفوت رسلان الذي يَشغل اليوم منصب رئيس صندوق التنمية السوري” المُحدث من رئاسة الجمهورية العربية السورية لملف إعادة الإعمار. يقول لمهاجر نيوز: “عدتُ إلى سوريا لأنني عاهدت نفسي يوما أنني سأعود مع سقوط الأسد، خروجي سابقا بسبب الظلم والديكتاتورية و إرهاب نظام الأسد وبعد زوال هذه الأسباب شعرت بأن عليّ مسؤولية أخلاقية ووطنية أن أكون جزءاً من المرحلة الجديدة، وأن أساهم لو بشكل بسيط في إعادة بناء سوريا.”

قرار العودة ليس قراراً سهلاً والكثير من السوريين غير قادرين على اتخاذ هذا القرار حتى يومنا هذا. يعترف رسلان قائلا “لا شك توقّعت أن أواجه صعوبات في التأقلم خصوصا أنني عشت في ألمانيا، بلد متقدم و متطور بكل النواحي ولكن ما تحقق من خلال تحرير سوريا أمر عظيم وجدت بيئة أكثر حرية في التعبير وأصبحت سوريا ملك الشعب بعد أن كانت ملك الأسد وأصبحنا نشعر أنه لدينا وطن بعد أن فقدنا الأمل في السنوات الأخيرة. لا يزال أمامنا الكثير من العمل، لكن الأهم أن الطريق أصبح ممكناً ولم يعد مغلقاً كما كان في السابق.”

صفوت رسلان مدير صندوق التنمية السوري، عاد من ألمانيا بعد سنوات قضاها هُناك بالعمل في بنك تارجو والاستشارات الإدارية حقوق الصورة متاحة لموقع مهاجر نيوز يستذكر الكثير من السوريين العائدين السنوات التي قضوها في ألمانيا أو بلدان أخرى. صفوت يراها مرحلة مهمّة في حياته ويصفها بأنها كانت مدرسة وتجربة عظيمة وكانت مدرسة في الانضباط: “تعلّمت أشياء كثيرة فيما يخص الانضباط واحترام الوقت والقانون. اكتسبت خبرات عملية وشخصية صقلت إمكانياتي و مهاراتي المهنية والشخصية ما كنت سأحصل عليها لو بقيت في سوريا. والأهم أنها جعلتني أقدّر قيمة الوطن حينما نفقده وأدركت معنى حب الوطن حينما كنت أراه في أعين الألمان تجاه وطنهم.”

عامٌ واحد فقط فصل بين بلدٍ أنهكته الحرب والدمار، وبين دولة تُعيد موقعها على الساحة الدولية وترسم مساراً سياسياً جديداً نحو دولة مدنية يحكمها القانون حسب تقدير رسلان ويضيف بالقول:”لأول مرة منذ أن خُلقت في سوريا أرى المستقبل بوضوح وأمل بعد عام من سقوط النظام أشعر أن الباب مفتوح أمامنا لنقدم شيء جديد: هناك فرصة للمشاركة في بناء مؤسسات جديدة نزيهة وشفافة. هناك إمكانية لإطلاق مشاريع اقتصادية وتنموية تخدم الناس فعلاً. وعلى المستوى الشخصي أرى نفسي جزءاً من مرحلة إعادة البناء سواء فكرياً أو عملياً. الصعوبات موجودة و الحياة ليست وردية ولكننا يجب ان نرى هذه التحديات فرص وأن نعمل على استغلالها افضل استغلال.”

في أحد مقاهي دمشق، التقينا المهندس أسامة الصالح، الألماني السوري الذي ولد في ألمانيا ثم عاد طفلاً إلى سوريا قبل أن يغادرها مع عائلته في الثمانينات، ثم عاد إلى دمشق مجدداً في بداية عامنا هذا بهدف الإستقرار. أسامة ينحدر من شرق سوريا ويعمل اليوم في وزارة الاتصالات السورية: “رغم أنني عشت أكثر سنوات حياتي في ألمانيا وأحببتها إلا أن ما دفعني إلى العودة إلى سوريا هو إعادة البناء. فمن سيبني البلد إن لم يكونوا أبناؤها. عدت بِنيّة الاستقرار وأنا مُدرك أن الحياة في سوريا من الناحية المادية لا تقارن مع ألمانيا.”

وإلى جانب دافع الانتماء، لعبت السياسة الألماني تجاه الأجانب دوراً في قراره، حيث يدفع أسلوب خطاب المستشار الألماني فريدريش ميرتس للتفكير أن ألمانيا لم تتعلم شيئا من تاريخها المؤلم في معاداة الأجانب: “الأوضاع والتصريحات السياسية المعادية للعرب والمسلمين في أوروبا عموماً وألمانيا خصوصاً دفعني أيضاً لهذا القرار. فاليوم تتفشى العنصرية بشدة في الأوساط السياسية حتى أصبحت روتيناً يومياً لليمين المتطرف”، يقول أسامة عضو اتحاد المنظمات السورية الألمانية.

المهندس الألماني السوري اسامة الصالح يجلس أمام جدار في . مدينة دير الزور كتب عليه “نعمرها من جديد حقوق الصور لمهاجر نيوز من تصوير محمد ربيع الكثيرون عادوا إلى سوريا وكان لديهم توقعات بأن الوضع الانساني والمعيشي سيئ جداً، يقول الصالح: “كما توقعت وجدت الدمار والخراب أمامي وخصوصاً في مدينتي دير الزور في شرق سوريا، حيث يتجاوز حجم الدمار الثمانين بالمئة، بالإضافة إلى ذلك فإن الجزء الشرقي من مدينتي لا يزال تحت سيطرة ميليشيات مايُسمى ‘قوات سوريا الديمقراطية (قسد)’ لكن أنا على يقين أن سوريا تمضي نحو الاستقرار والبناء ممكن حتى لو احتاج وقتاً

أسامة الصالح متفائل بمستقبل سوريا، “تسير الأمور ببطء ولكن هناك تحسن في بعض المجالات” ورغم الدمار الواسع الذي وجده عند عودته، يؤمن الصالح أن “إعادة بناء الإنسان، أهم من إعادة بناء الحجر”، وأن المرحلة تحتاج وقتاً وصبراً. “هذه البلاد هي بلادنا وعلينا جميعاً الحفاظ عليها فهذه مهمة الجميع وليس الحكومة فقط. أنا بدوري أُساعد في إنجاح وإنجاز هذه المهمة قدر المستطاع”، بهذه الكلمات يختتم المهندس السوري حديثه مع مهاجر نيوز.

أما قاسم، الشاب السوري الذي أمضى عشر سنوات في جنوب ألمانيا قبل أن يعود إلى دمشق، فقد قادته أسباب شخصية وإنسانية إلى اتخاذ القرار: “لم أرَ والديّ منذ 12 عاماً. كنا نعيش هناك كآلات: نعمل، ننام، نعيد الكرة… دون حياة حقيقية، حيث الكآبة أنهكتني.” أيضاً العوامل الاقتصادية لعبت دوراً في قراره، خصوصاً بعد الحرب الروسية – الأوكرانية: “التضخم وارتفاع أسعار الكهرباء والغاز جعل الحياة صعبة جداً، ناهيك عن البيروقراطية غير المنطقية والمرهقة في الدوائر الحكومية، والتي تُعيق بناء استقرار مهني أو شخصي.”

الآلاف من السوريين يجتمعون في ساحة الأمويين بدمشق . للإحتفال بذكرى إنطلاق معركة تحرير سوريا. حقوق نشر الصور متاحة لمهاجر نيوز من تصوير محمد ربيع

ورغم ذلك، لا يخفي قاسم امتنانه: “ممتن لألمانيا ولا أنكر أنها قدمت لنا كسوريين الأمان في وقت كثير من الدول العربية رفضت استقبالنا كلاجئين. ألمانيا كان لها فضل كبير عليّ. لقد منحتني فرصة حقيقية للعمل على طموحاتي.”

ويضيف قاسم الذي يعمل اليوم في دمشق: ” كنت جزءاً من المجتمع، لا مجرد لاجئ ينتظر الدعم.”، ويؤمن أن سوريا “تتجه نحو الأفضلرغم التحديات: “لا أحد يملك الجزم بالمستقبل، لكنني مؤمن بأن على كل واحد منا أن يسهم ولو بجزء صغير في بناء هذا الوطن.”

رغم الاحتياجات الهائلة في البنية التحتية من كهرباء ومياه واتصالات، يرى العائدون أن العمل الحكومي يسير – ولو ببطء – ولكن في الاتجاه الصحيح. والأهم بالنسبة لهم هو شعورهم بأن “الطريق مفتوح” لأول مرة منذ عقود طويلة.

رسالة صفوت رسلان من على منصة مهاجر نيوز تختصر المشهد: “كل واحد منا، في الداخل أو الخارج، هو جزء من عملية بناء سوريا. مسؤوليتنا أن نشارك بطريقة بناءة، وأن نضع الوطن والإنسان أولاً.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *