الإخوان يخترقون مؤسسات أمريكية منذ عقود

على مدار عقود، ظل حضورجماعة الإخوانالمسلمين داخل الولايات المتحدة ملفًا شديد التعقيد، تتشابك فيه الأبعاد السياسية والاستخباراتية والاقتصادية، وتتداخل ضمنه مصالح داخلية وخارجية، فضلًا عن شبكة واسعة من المؤسسات والجمعيات التي تعمل تحت لافتات دينية وخيرية وتعليمية.

ومع تغير الإدارات الأمريكية وتبدّل أولويات الأمن القومي، بقيت الجماعة محل جدل دائم داخل مراكز صنع القرار، بين من يعتبرها تنظيمًا أيديولوجيًا يسعى للنفوذ الناعم، ومن يراها كيانًا عابرًا للحدود يمتلك القدرة على التأثير في السياسات العامة وجمع الأموال وتحريك شبكات دعم معقدة.

وفي هذا السياق، جاء قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتصنيف جماعة الإخوان كتنظيم يدعم الإرهاب، ليشكّل نقطة تحول جوهرية أعادت الجدل إلى الواجهة بقوة. فالقرار  الذي أحدث آنذاك صدى عالميًا  اعتُبر أول محاولة أمريكية رسمية للتعامل بصرامة مع نفوذ الإخوان، بعد سنوات من الاتهامات المتعلقة بالدعم المالي والارتباط التنظيمي ببعض الكيانات المتطرفة.

لم يكن القرار نفسه نهاية المطاف، بل فتح الباب لنقاشات أوسع حول طبيعة وجود الإخوان في الولايات المتحدة، وحجم مؤسساتهم، وآليات تمويلهم، وخريطة علاقاتهم مع مراكز القوى السياسية، خاصة في ظل اتهامات قديمة باختراق بعض المؤسسات وتوظيف النظام التعليمي والخيري لتعزيز النفوذ الفكري والتنظيمي داخل المجتمع الأمريكي.

وتزايدت التساؤلات بشكل خاص حول الشبكات المالية للتنظيم الدولي، وكيف تدفقت مليارات الدولارات عبر جمعيات تبدو في ظاهرها إنسانية، وآليات الرقابة التي كانت غائبة لسنوات قبل أن تتغير قواعد اللعبة مع إدارة ترامب.

وفي موازاة ذلك، بدأ يُطرح سؤال أكبر: “هل تمثل قرارات ترامب بداية تفكيك لنفوذ الإخوان في الغرب؟ أم أنها مجرد حلقة جديدة ضمن صراع سياسي ممتد بين الجمهوريين والديمقراطيين حول تعريف الإرهاب والتعامل مع تيارات الإسلام السياسي؟”.

ومن جانبه، قال الكاتب والمفكر ثروت الخرباوي، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، إن قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بحظر جماعة الإخوان جاء بعد وصفها بشكل صريح بأنها تنظيم يدعم الإرهاب، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية آنذاك إلى تبنّي سياسة أكثر تشددًا تجاه الجماعة وفروعها.

وأوضح الخرباوي، أن قرار ترامب رغم قوته، لم يشمل الحظر الكامل لكل المؤسسات التابعة للجماعة داخل الولايات المتحدة، حيث توجد نحو 52 جمعية ومركزًا تعمل تحت أسماء مختلفة، وبعضها متخصص في جمع التبرعات وتحويل الأموال لتمويل أنشطة خارجية.


وأضاف: القرار لم يتطرق مباشرة لهذه الكيانات، لكنه ركز على جماعة الإخوان وفروعها في مصر والعراق ولبنان، ما يعكس إدراكًا أمريكيًا لطبيعة الشبكات المرتبطة بالتنظيم.

وأشار الخرباوي إلى أن نشاط جماعة الإخوان في الولايات المتحدة بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي، وأن هناك احتمالات قوية بوجود تعاون استخباراتي بين واشنطن وبعض الدول بشأن تقييم وضع الجماعة وأدوارها الممتدة عبر شبكات دولية.

وكشف الخرباوي عن أن آخر حصر لهذه الكيانات أظهر أن 52 جمعية تابعة للإخوان جمعت نحو 6 مليارات دولار من مختلف دول العالم، تحت لافتات الإغاثة والدعم الإنساني ونصرة فلسطين، إلا أن هذه الأموال  تتحرك عبر مصارف مشبوهة تثير القلق حول وجهتها الحقيقية.

ولفت إلى أن التبرعات الصغيرة في الولايات المتحدة كانت لا تخضع لرقابة مشددة سابقًا، لكن القرارات والإجراءات الجديدة ستُخضعها لمستوى رقابة أعلى، ما سيُقيد قدرة التنظيم الدولي على جمع الأموال، ويؤثر بدوره على أنشطة الإخوان الإعلامية وعلى أدوات نفوذهم عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وأكد الخرباوي أن التنظيم الدولي تلقّى صدمة قوية من القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب، مشيرًا إلى أن اختراق الإخوان لمؤسسات الحكم في الولايات المتحدة أمر قديم ومعروف، وأن الحزب الديمقراطي قد يمارس ضغوطًا مضادة على هذه الإجراءات بحكم تحالفه مع بعض الكيانات مثل منظمة “كيرالتي تُعد أحد أبرز الأذرع الممولة للإخوان هناك.

وأضاف الخرباوي: التنظيم السري للإخوان يضم عناصر من مصر والعراق وإريتريا ودول أخرى، ولديه القدرة على التمدد عبر شبكات غير رسمية.

وكشف عن أن شخصيات بارزة مثل محمد مرسي تم استقطابها وضمها للتنظيم خلال وجودها في الولايات المتحدة، رغم أنها لم تكن مرتبطة بالجماعة قبل السفر، الأمر الذي تكرر مع شخصيات قيادية أخرى بينها الدكتور محمد بشر، إضافة إلى الدور الكبير الذي لعبه قيادات مثل مهدي عاكف في تمدد نفوذ الجماعة داخل أمريكا.

وشدد الخرباوي كذلك على أن الإخوان يمارسون تأثيرًا مباشرًا في إدارة المدارس الإسلامية بالولايات المتحدة، بهدف إضفاء البصمة الإخوانية على الطلاب وتوسيع قاعدة التأثير الفكري داخل المجتمع الأمريكي.

واختتم الخرباوي تصريحاته بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة قد تشهد إعادة تقييم شاملة لنشاط الإخوان داخل الولايات المتحدة، في ظل تغير المزاج السياسي وارتفاع مستوى الرقابة على التمويل والأنشطة الدعوية، معتبرًا أن هذا التحول يشكل أقوى ضربة يتلقّاها التنظيم الدولي خلال السنوات الأخيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *