
بثّت قناة “العربية” يومي 6 و7 ديسمبر 2025، تسريبات جديدة للرئيس السوري السابق بشار الأسدوهو يوجّه تعليقات اعتُبرت مُهينة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مشهد أثار جدلًا واسعًا بشأن شكل العلاقة بين الطرفين، واحتمالات تأثير ذلك على وضع الأسد داخل روسيا، حيث يقيم منذ سقوطه.التسريبات، جمعته بمستشارته السابقة لونا الشبل، وتضمّنت سخرية الأسد من مظهر بوتين، ملمّحًا إلى أن شكله “نتيجة عمليات تجميل”.
هذا المقطع تحديدًا فتح الباب أمام تساؤلات عن ما إذا كانت موسكو ستتسامح مع إهانة تأتي من شخص كانت روسيا نفسها هي الطرف الحاسم في بقائه لسنوات. ردود الفعل السورية جاءت سريعة؛ إذ دعا أحد مستشاري الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع روسيا إلى “التخلي عن الأسد”، معتبرًا أن التسريبات تكشف طبيعة حقيقية لطالما جرى التستر عليها، وعلى مواقع التواصل، سجّل كثيرون دهشتهم من الطريقة التي تحدث بها الأسد ليس فقط عن بوتين بل عن مناطق سورية وملفات إنسانية، ما أعاد طرح أسئلة بشأن نظرته إلى السوريين خلال سنوات حكمه.
وجود الأسد في موسكو، الذي يجري منذ أكثر من عام دون أي ظهور علني أو لقاءات رسمية، أصبح محلًا لإعادة التقييم؛ فالتسريبات تضع الكرملين في موقف مُحرج؛ فهي تُظهر شخصًا لطالما قدّمته روسيا كحليف وثيق، وهو يتحدث عن رئيسها بلا احترام، هذا قد يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات: إما دفع الأسد نحو مزيد من العزلة داخل روسيا، أو الحدّ من ظهوره وارتباطه السياسي بها، أو حتى استخدام هذه التسريبات كأداة ضغط عليه في أي تسويات مستقبلية.
قال الخبير الروسي ديمتري بريجع، إن ما يُتداول بشأن سخرية بشار الأسد من مظهر الرئيس فلاديمير بوتين، حتى في حال صحّة هذه التسريبات بالكامل، لن يكون وحده سببًا يدفع موسكو لتغيير قواعد اللعبة في موقفها من دمشق، معتقدًا أن روسيا تنظُر إلى الأسد باعتباره ورقة سياسية “مُستهلكة” إلى حدّ كبير لكنها ما زالت تؤدي دورًا مفيدًا في إدارة الملف السوري وفي توجيه الرسائل إلى بقية الحلفاء، لذلك، كما يرى، من غير الواقعي الربط بين مسألة تسليم الأسد أو رفع الغطاء عنه، وبين جملة قيلت في جلسة خاصة أو تعليق شخصي على مظهر الرئيس الروسي.
وأشار الخبير، في تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، إلى أن موسكو ستتعامل علنًا مع هذه التسريبات بالتجاهل أو بالتقليل من شأنها، لتؤكد أنها قوة عظمى لا تتحرك بدافع الإهانة الشخصية ولا تدخل في هذا النوع من السجالات. لكنّه يؤكد أن الأمر يختلف في الكواليس، حيث تُضعف مثل هذه التسريبات صورة الأسد داخل النخبة الروسية أكثر فأكثر، وتُظهر، بحسب رأيه، أنه لم يعد شريكًا سياسيًا ذا وزن، بل أصبح عبئًا إضافيًا يصعب الرهان عليه مستقبلًا.
يعتقد الخبير أن تحويل هذا الانطباع إلى قرار عملي بتسليم الأسد للسلطات السورية الجديدة أو التضييق على وجوده في روسيا، يظل مرتبطًا بحسابات تتجاوز بكثير “سريبًا واحدًا”، ويتوقف على شكل التسوية السياسية في سوريا، ومكانة روسيا فيها، وما قد تحصل عليه موسكو مقابل خطوة بهذا الحجم.
ويرى بريجع أن تأثير الواقعة سيكون رمزيًا وسياسيًا أكثر من كونه قانونيًا أو عمليًا، وقد تُستخدم، كما يوضح، من قبل بعض الأصوات في روسيا أو داخل المعارضة السورية للتذكير بأن حماية موسكو لأي حليف ليست ضمانة أبدية، وأن بقاء الأسد بالنسبة للكرملين ليس “قضية مبدئية” بل أداة ضمن لعبة المصالح.
ويختم الخبير الروسي حديثة لـ”شبكة رؤية الإخبارية” قائلًا إن أي قرار بإنهاء إقامة الأسد في روسيا أو تسليمه لن يصدر انتقامًا لكرامة بوتين، بل فقط إذا رأت موسكو أن الوقت أصبح مناسبًا لإعادة ترتيب كامل الملف السوري، وأن التخلي عن الأسد يخدم استراتيجيتها ويعزز نفوذها بدلًا من أن يضعفه.
وفي كل الأحوال، يبقى أثر التسريبات أكبر من مجرد جدل إعلامي، فهي تكشف هشاشة التحالفات التي بُنيت في الظل، وتعيد ترتيب ميزان القوة بين طرفين لطالما ظهرا متماسكين أمام العلن، بينما تُظهر الوقائع أن “الثقة” لم تكن بالضرورة جزءًا من العلاقة.
