
واجهت دول الساحل الإفريقي في عام 2025 تصاعدًا غير مسبوق في تهديد تنظيم القاعدة الذي تغلغل داخل المناطق المنهارة أمنيًا واقتصاديًا، مستفيدًا من هشاشة الحكومات وتراجع الدعم الدولي. وتحولت هذه الديناميكيات إلى بيئة مثالية لتمدد الإرهاب، ما جعل المنطقة إحدى أخطر بؤر التوتر في العالم.
وبات تمدد تنظيم القاعدة في الساحل الإفريقي جزءًا من مشروع توسعي منظم تتبناه تنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش”، مستغلةً الفراغ الأمني والصراعات الداخلية، ورغم محاولات عدة حكومات الحد من هذا النفوذ، إلا أن القدرات العسكرية لهذه التنظيمات تتزايد، خصوصًا بعد استخدامها الطائرات المسيرة وتشكيل تحالفات قبلية تُمكّنها من إحكام السيطرة على القرى والطرق الحيوية.
تعاني منطقة الساحل الإفريقي من مشكلات بنيوية بدأت بالاقتصاد والديون وتفكك الدولة، وتطورت إلى انهيار كامل في منظومة الأمن، مما سمح لـ تهديد القاعدة أن يتوسع دون مقاومة حقيقية. هذا الوضع خلق شقوقًا عميقة في قدرة الدول على إدارة أراضيها، وفتح الباب أمام تجارة السلاح والمخدرات والهجرة غير الشرعية.
وتستغل الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة، الانهيار الإداري في الساحل الإفريقي للتغلغل بين القبائل الفقيرة والقرى المعزولة، وتستخدم أساليب قسرية وإغراءات مادية لفرض نفوذها كبديلٍ عن الدولة، وباتت هذه الجماعات تمتلك قدرة هجومية متقدمة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة والعبوات المتطورة، مما يرفع خطورة الصراع بشكل غير مسبوق.
شهدت دول الساحل الإفريقي موجة عنف جديدة بلغت 90 هجومًا في أغسطس 2025 وحده، وأسفرت عن مقتل 339 شخص، معظمهم في مالي وبوركينا فاسو. وقد نفذت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” 60% من هذه الهجمات، ما يعكس توسعًا واضحًا في قدرات التنظيم.
وباتت مالي، قلب الساحل الإفريقي، تواجه واحدة من أخطر اللحظات في تاريخها الحديث مع اتساع نفوذ الجماعات المرتبطة بالقاعدة. فقد فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حصارًا شبه كامل على العاصمة باماكو عبر استهداف قوافل الوقود القادمة من السنغال وساحل العاج.
وفي سبتمبر الماضي، تعرضت قافلة تضم 100 شاحنة لهجوم دمّر نصفها، ما أدى إلى نقص حاد في الوقود والكهرباء، وتُظهر الهجمات المتكررة على مراكز صناعية أجنبية ومواقع استراتيجية أن التنظيمات الإرهابية باتت تنتقل نحو استهداف المصالح الاقتصادية، ما يُهدد الاستقرار الداخلي ويدفع الشركات الأجنبية إلى الانسحاب.
وشهدت بوركينا فاسو واحدة من أكثر الموجات الدموية في المنطقة خلال عام 2025، حيث كثّفت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بالقاعدة، عملياتها ضد الجيش والمدنيين معًا.
ووقعت سلسلة من الهجمات الكبيرة التي شارك فيها مئات المقاتلين، أبرزها الهجوم على بلدة فوتوري الذي كشف عن القدرات التنظيمية العالية للجماعة، ما أدى إلى نزوح آلاف السكان وإغلاق العديد من القرى، فيما عجزت الدولة عن استعادة السيطرة على المناطق الشمالية والشرقية التي أصبحت معاقل شبه مغلقة للتنظيم.
بينما صعّدت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة، عملياتها المسلحة جنوبًا، لتتحول بنين وتوجو إلى جبهات نشطة في القتال المتصاعد بمنطقة الساحل. وتتركز التحركات في ممر استراتيجي يربط بين مناطق في بنين وتوجو، بهدف دعم قواعد الجماعة في بوركينا فاسو
في بنين، قُتل أكثر من157 جنديًا منذ مطلع عام 2025، أبرزهم 34 جنديًا في هجوم على منتزه “دبليو” في يناير، و54 آخرين في كمين مزدوج بأبريل. أما في توجو، فقد شهدت البلاد هجمات دامية، بينها ضربة بطائرة مسيّرة في أبريل استهدفت بلدة ديغنانجواجا، إلى جانب مقتل 28 جنديًا ومدنيًا في حوادث متفرقة خلال الأشهر السابقة.
أصبحت النيجر في 2025 إحدى أكثر الساحات تأثرًا بتمدد القاعدة، خصوصًا بعد الانسحاب التدريجي للقوات الأوروبية وخفض الدعم الدولي. وقد ركّزت الجماعات المرتبطة بالتنظيم على المناطق الحدودية مع مالي وبوركينا فاسو، مستهدفة القوات المحلية بكمائن متكررة وهجمات باستخدام العبوات الناسفة والطائرات المسيّرة.
وأسهمت الأزمة السياسية الداخلية ونتائج الانقلاب في إضعاف قدرة الدولة على حماية هذه المناطق، ما سمح للقاعدة بتوسيع نفوذها وإقامة نقاط سيطرة غير رسمية على طرق التهريب والإمداد.
أصبح الساحل الإفريقي ساحة تنافس مفتوحة بين تنظيم “القاعدة” و”داعش”، وخلال هذا الصراع يعمل الطرفان على السيطرة على طرق الإمداد والممرات الحدودية التي تُعد شريان الحياة لعمليات التهريب والأسلحة. ويؤدي هذا التنافس إلى ارتفاع معدلات العنف، خاصة في المناطق الريفية التي أصبحت تحت رحمة التنظيمات التي تستخدم سكانها كدروع بشرية.
ولا يقتصر خطر الإرهاب على غرب إفريقيا فقط، بل يمتد إلى شرقها ووسطها وجنوبها. ففي الصومال، تواصل حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة حربها ضد الحكومة منذ 20 عامًا، ويُقدّر عدد مقاتليها بين 10 و18 ألفًا، مع عائدات سنوية تتجاوز 200 مليون دولار تعتمد على الابتزاز والضرائب المفروضة على الشركات والسكان المحليين.
في وسط إفريقيا، وقّع فرع داعش اتفاقيات مع مجموعات متمردة في الكونغو لتبادل الدعم اللوجستي والمعلومات، ما أدى إلى تعزيز نفوذ التنظيم في غابات الشرق. وفي جنوب القارة تتواصل هجمات جماعة موزمبيق التي تُربك مشاريع الطاقة العملاقة وتدفع الشركات العالمية إلى وقف أعمالها، وهو ما يزيد من هشاشة اقتصادات المنطقة.
وترسم هذه التطورات صورة قاتمة توضح أن أزمات إفريقيا الأمنية ليست مشاهد منفصلة، بل حلقات مترابطة في مخطط تنفذه التنظيمات لاستغلال ضعف الحكومات وتحويل الممرات التجارية وطرق الهجرة إلى أدوات للابتزاز والسيطرة. ومع توسع هذه الشبكات، تجد الدول صعوبة في فرض سيطرتها أو تأمين حدودها، ما يجعل مستقبل الاستقرار في القارة تحت تهديد مستمر.
يتّضح من مسار الأحداث في 2025 أن تهديد القاعدة في الساحل الإفريقي ليس مجرد أزمة محلية، بل خطر إقليمي ودولي متصاعد، ويتجاوز التهديد الجانب الأمني ليطال الهجرة والاقتصاد واستقرار الأنظمة بالكامل، ومع غياب الجهود الدولية الفاعلة، يخشى أن تتحول المنطقة إلى ثقب أسود يبتلع الأمن الإفريقي، ما يجعل المواجهة ضرورة عاجلة وليست خيارًا مؤجلًا.
ومع استمرار تمدد الإرهاب عبر الحدود، تتزايد المخاوف من انهيار دول محورية مثل مالي، ما يخلق فراغًا إستراتيجيًا يهدد القارة بأكملها. وتعكس هذه الوقائع أن خطر التنظيم لم يعد قائمًا على الهجمات فقط، بل تجاوز ذلك ليصبح جزءًا من إعادة تشكيل المشهد السياسي نفسه.
اقرأ أيضا
