شهدت فرنسا خلال السنوات القليلة الماضية توجهًا أكثر صرامة لتقويض الإرهاب على أرضها، ولكن الحكومة لاتزال ترى أن التهديدات قائمة وقابلة للتطور على الرغم من الإجراءات الأخيرة المتبعة. وصرح وزير الداخلية، جيرالد دارمانين في 20 مايو 2023 أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، أن الإرهاب هو الخطر الرئيس بالنسبة لفرنسا وعموم الأوروبيين، مطالبًا واشنطن باستمرار التعاون الاستخباري مع الدول في هذا المجال.
أشار دارمانين إلى أن سبب زيارته للولايات المتحدة هي تذكير الحكومة الأمريكية بأن الإرهاب هو الخطر الداهم الأول لأوروبا، وذلك في ظل انشغال واشنطن بملف اليمين المتطرف المرتكز عقائديًّا على تفوق العرق الأبيض، إلى جانب الحوادث المتكررة لإطلاق النار في المجتمع الأمريكي. كما زار الوزير الفرنسي مركز تدريب مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بنيويورك لتعزيز التعاون بين جهازي الشرطة والقضاء بباريس وواشنطن فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة.
وناقش الجانبان الفرنسي والأمريكي عمليات تأمين الأحداث الكبرى المقرر عقدها في أوروبا خلال المرحلة المقبلة كدورة الألعاب الأولمبية الصيفية في 2024 في باريس، وكأس العالم للرجبي في 2023 بفرنسا، إلى جانب زيارة البابا فرانسيس في مرسيليا.
وفيما يخص عمليات مكافحة الإرهاب التي تديرها الدول الغربية من خارج حدودها أعرب دارمانيين عن أسفه لانسحاب فرنسا من الساحل الإفريقي وكذلك انسحاب الولايات المتحدة والناتو من أفغانستان، محذرًا من أن عودة الجماعات الإرهابية لتعزيز صفوفها بالشرق الأوسط ينذر بهجمات محتملة تهدد أوروبا.
وكانت فرنسا قد أقرت حزمة إجراءات مشددة لتقويض انتشار الإرهاب عقب سلسلة هجمات ضربت البلاد مع نهاية عام 2020، منها عدم استقدام أئمة من الخارج وقصر تلك الوظيفة على الفرنسيين، خوفًا من تبني أئمة الخارج عقائد متطرفة أو انضمامهم لاستخبارات مناوئة تهدف لزعزعة استقرار البلاد، كما وجه إيمانويل ماكرون في 23 نوفمبر 2020 بتأسيس المعهد العلمي لعلوم الإسلام من أجل تدريب الأئمة الفرنسيين.
فيما حظرت السلطات الفرنسية في 22 أكتوبر 2020 جمعية الشيخ ياسين، وقدمت رئيسها عبد الحكيم صفريوي للمحاكمة، للاعتقاد بتورطها في تقديم مواد استغلت في التبرير الفقهي لواقعة قطع رأس المدرس الفرنسي صموئيل باتي، والذي قتل على يد مهاجر من أصل شيشاني في 16 أكتوبر 2020.
يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، سعيد صادق: إن فرنسا تحاول مكافحة الإرهاب عبر إجراءات صارمة، ولكنها بذلك تُفعل إطارًا للمناهضة الفكرية للتطرف، وذلك عبر تأهيل الأئمة الفرنسيين، ومنع عمل أئمة من الخارج لضمان اتساق الرؤى مع التقاليد الداخلية للمجتمع، إلى جانب تدشين مراكز علمية وفقهية للخطابة، ولكن ذلك لا يعني أن الهجمات على البلاد ستنتهي فوريًّا بمجرد تطبيق قرارات صارمة.
وأشار الباحث في تصريح لـ”المرجع” إلى أن الإرهاب بات متشعبًا ويرتبط بقدرة الجماعات على التواصل إلكترونيًّا لتنفيذ الهجمات، بالإضافة إلى نشر المحتويات العنيفة، وذلك مع متغيرات أخرى تؤثر على نسب العمليات الهجومية بمنطقة ما.
اختار الوزير الفرنسي تعبير (الإرهاب السني) وهو يتحدث عن الخطر الأول لبلاده متجاهلًا التعبيرات الأخرى الأكثر استخدامًا في هذا الوصف كالتيار التكفيري مثلًا، ما يعيد إلى الواجهة أزمة المجتمعات الغربية، وبالأخص أوروبا مع اختيار المصطلحات الدقيقة للتعامل مع هذا الملف دون إغفال أو انزلاق في أزمات سياسية.
اختار الوزير الفرنسي تعبير (الإرهاب السني) وهو يتحدث عن الخطر الأول لبلاده، متجاهلًا التعبيرات الأخرى الأكثر استخدامًا في هذا الوصف كالتيار التكفيري مثلًا، ما يعيد إلى الواجهة أزمة المجتمعات الغربية وبالأخص أوروبا مع اختيار المصطلحات الدقيقة للتعامل مع هذا الملف دون إغفال أو انزلاق في أزمات سياسية.
وقد سبق للرئيس ماكرون وانزلق في أزمة سياسية بسبب عدم وضوح تعبيراته الخطابية حيال هذا الملف، وحول دور التوصيف الدقيق لعمليات الإرهاب في تقويض التيار يقول الباحث نسيب نجيب في كتابه «التعاون القانوني والقضائي الدولي في ملاحقة مرتكبي جرائم الإرهاب» إن اختلاف الحكومات حول تعريف الإرهاب الدولي والمنخرطين فيه يؤثر على التعامل مع القضية، وإيجاد حلول مؤثرة لها.
المرجع