البنية الأيديولوجية لدى الجماعات الإسلامية.. لماذا تنتهج العنف؟

في مستهل دراسته حول «البنية الأيديولوجية لدى الجماعات الإسلامويّة»، لجأ الدكتور غيضان السيد علي إلى توضيح تعريفات العنف وتباينها وفقًا لتباين المنطلقات النظرية والتخصصات العلميّة، حيث إن العنف مفهوم متعدد الدلالات على مختلف العلوم الإنسانية، فهو مرض اجتماعي أو اضطراب نفسي أو أسلوب غير متحضر، أو جريمة تستدعي العقاب، أو سلوك مرفوض ومحرّم.

«غيضان» أوضح أن اختلاط الغنف بالأيديولوجيات نتج عنه أنماط من العنف تستمد شرعيتها المزيفة من الأيديولوجيا الدينية أو السياسية للأطراف المتصارعة، إذ يتحول العنف إلى واجب مقدس، يتجسد في أبرز مظاهره في العف الإرهابي الديني الذي يجد ضالته في تفسير النصوص المقدسة بصورة تؤدي إلى تكفير الآخر، وكذلك الخطاب السياسي الذي يستمد مشروعيته من أوهام البقاء للدفاع عن المصالح التاريخية للأمة كيفما اتفق، ومن وحي أفكار وديكتاتورية الحزب الواحد أو العائلة الوارثة المالكة أو من يدعي الخلافة في الأرض المستميتة في الدفاع عن عوامل البقاء مهما كلفت التضحيات.

الجامعات الإسلاموية التي يدور حولها البحث هي تلك الجامعات التي ظهرت في عاملنا العربي والإسلامي من أقصاه لأدناه، واتخذت من بعض مبادئ الإسلام بحسب فهم معني، مجموعة المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيم الأخلاقية التي تعينها على تحقيق أهدافها، والسير على هداها في الحاضر والمستقبل، وتميزت هذه الجامعات عن غيرها من الأيديولوجيات الأخرى بأنها تتحدث بلسان السماء فلا راد لها ولا ناقض لما يرتضيه مرشدوها وأمراؤها.

وذهبت الدراسة إلى أن العنف كان ملازمًا لنشأة تلك الجماعات، حيث إن مكافحة الانحراف عن نظام وأهداف ومقاصد ونمط الحكم يستلزم استخدام القوة وفقًا لرؤيتها، مرجعًا أسباب هذا النوع من العنف إلى ثلاثة عوامل أساسية، تتعلق أولها بالمرحلة السنية أو الفئة العمرية، ويرتبط ثانيها بالطبيعة التكوينية للمكان الذي ينشأ فيه من ينضم لتلك الجامعات، ثم يتمثل ثالثها في الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها أعضاء تلك الجامعات.

وأردفت الدراسة أن شيوع العنف لدى الأفراد المنضمين تحت لواء الجماعات الإسلاموية يعود إلى بعض الأسباب السيكولوجية، بداية من الاغتراب النفسي الذي يمثل حالة من الانفصال بين المرء وبيئته الاجتماعية، مرورًا بحالة الإحباط بمفهومها الذي يشير إلى الحيلولة بين الفرد وتحقق رغباته، وصولًا إلى الشعور بالاضطهاد من قبل كل السلطات، حيث استخدمت الجماعات الإسلاموية من “المظلومية” سبيلًا لضم الأعضاء الجدد، وجذب الأنصار والمؤيدين؛ لأن المظلومية تكفل لهم دائماً ظهيرًا شعبيًّا غير مؤدلج يرى فيهم أنهم قد ظلموا كثيرًا وحان رفع الظلم عنهم وتمكينهم.

في محاولة السياسة “كعلم” لتفسير العنف الذي ترتكبه الجامعات الإسلاموية من منظورها الخاص، تقف على علاقة المواطن بالسلطة، التي من خلالها تقدم التفسير المناسب للعنف، فالعنف الدائر حول السلطة غالبًا ما يتخذ مسارين أساسيين، أولهما مسار موجه إلى الممسكين بالسلطة، ويمارسه أصحابه بهدف انتزاعها من بين أيديهم، أو بهدف مشاركتهم فيها، وثانيهما مسار موجه من رموز السلطة إلى من ينازعونهم إياها، بهدف الاستمرار في الإمساك بها وإحكام قبضتهم عليها، وكلاهما أمر لا غنى عنه لتفسري العنف.

وعوامل تطور هذا العنف ترتبط عند الجماعات والحركات الإسلاموية بأنظمة الحكم السائدة، حيث ترى أن العنف لا يظهر في المجتمعات الديمقراطية، أو التي تلتزم بحكم القانون والدستور وتحترم الحريات العامة وتدافع عن حقوق الإنسان.

ويعتقد جل هذه الحركات أن التغيير لن يكون سوى باستخدام القوة وإرهاب أعداء الله ورسوله “حسب وصفهم”؛ حيث يدعو الكثيرون من أصحاب الفكر المتطرف إلى استخدام العنف والقوة لإجبار الآخرين على إتيان المعروف والانتهاء عن المنكر، كما أنهم اعتقدوا أن تحقيق الحكم بما أنزل الله وإقامة حدود الله “لن يتحقق إلا بوصول هذه الجامعات إلى سدة الحكم والسلطة.. فرفعت الشعارات الحماسية التي تدعو إلى مقاتلة الحاكم لإسقاطه وتنصيب الحاكم الذي يحكم بما أنزل الله ويقيم حدود الله، وأن هذا كله لن يتحقق بالوسائل السلمية بقدر ما يتحقق باستخدام القوة والعنف والغلبة.

يعد التفسير الفكري والديني “الأيديولوجي” من أهم التفسريات لظاهرة العنف لدى الجامعات الإسلاموية؛ حيث يهدف إلى التأثير على كل جوانب الفرد الاجتماعية والنفسية والسياسية من خلال التربير العقلي للأفكار، ويلعب دورًا كبيرًا فيما يُعرف بـ”شرعنة العنف” والحث على إتيانه، ومن أهم الأسس الفكرية والأيديولوجية التي تغذي وتدعم وتبرر السلوك العنيف من قبل هذه الجامعات، الحكم بجاهلية المجتمع وتقسيمه إلى دار حرب ودار إسلام، بالإضافة إلى الفهم الخاطئ لمفهوم الجهاد، حيث إن مفهوم الجهاد لدى الجامعات قد تعرض لعملية تفخيخ أدخلت في بنيته انحرافات نبعت من التعاطي الأيديولوجي له بعيدًا عن معناه الحقيقي.

ويبقى مفهوم الحاكمية الشائك والمراوغ من أهم المفاهيم المؤججة للعنف عند الجامعات الإسلاموية، ويعني حسب سيد قطب المنظر الأول لجماعة الإخوان الإرهابية: “إفراد الله سبحانه بالألوهية، والربوبية، والقوامة، والسلطان؛ إفراده بها اعتقادًا أي أن الحاكمية تعني السلطة والتحكم في الناس وتسيريهم في الضمير، وعبادة في الشعائر، وشريعة في واقع الحياة، وفق المنهج الإلهي في جميع شؤونهم، وإرغامهم على ذلك، واستمداد التشريعات والمناهج والنظم والموازين والعادات والتقاليد من الله وحده وتطبيق شريعته على كافة مناحي الحياة.

وانتهت الدراسة إلى أن أهم ما يميز تفسير عنف الجماعات الإسلاموية هو تداخل الأسباب الاجتماعية والنفسية والسياسية والدينية والأيديولوجية على نحو صارخ، فتلعب الأسباب السوسيولوجية من حيث الفئة العمرية والطبقة الاجتماعية وأنماطها في تشكيل السلوك العنيف جنبًا إلى جنب مع العوامل السيكولوجي

المرجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *