مكافحة الإرهاب في بريطانيا ـ هل يستعيد داعش نفوذه عبر الإنترنت؟

يستخدم تنظيم داعش الذكاء الاصطناعي لاستهداف المراهقين البريطانيين، ما دفع جهازيMI5 وMI6 إلى رفع حالة اليقظة. فقد أكّد مسؤولون أمنيون بريطانيون أن “الجهاديين” باتوا يستخدمون أنظمة ذكاء اصطناعي لترجمة المواد العربية، بما يشمل افتتاحيات صحيفة التنظيم الأسبوعية النبأ. ظهر شاب يبلغ من العمر 18 عامًا من جنوب لندن أمام محكمة ويستمنستر خلال نوفمبر 2025 بتهمة التخطيط لارتكاب أعمال إرهابية، بعد أن أُلقي القبض عليه في مطار غاتويك أثناء محاولته ركوب طائرة إلى إسطنبول، حيث أكد الادعاء إنه كان يخطط للعبور إلى سوريا للانضمام إلى مقاتلي تنظيم داعش. وتمت إحالة القضية إلى جلسة أخرى في محكمة أولد بيلي.

جاء هذا الاعتقال ليزيد من مخاوف السلطات من أن التنظيم أطلق حملة تجنيد جديدة تستهدف الشباب البريطاني، مستخدمًا أدوات الذكاء الاصطناعي لترجمة المواد المتطرفة ونشرها بسرعة. وحذّرت مصادر استخباراتية قائلة إن تنظيم داعش استخدم لأول مرة الذكاء الاصطناعي لتجنيد جهاديين بريطانيين. يراقب جهازا MI5 وMI6 ما وصفه أحد المسؤولين بأنه سلاح دعائي جديد، في ظل تقييم أوسع يشير إلى أن تنظيمي داعش والقاعدة استعادا جزءًا من قوتهما في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي.

يقول كين ماكالوم، المدير العام لجهاز MI5، في تقرير التهديد السنوي الذي نقلته صحيفة ذا صن، إن الجماعات الإرهابية الخارجية تواصل محاولاتها لتوجيه الإرهاب ضد المملكة المتحدة وأوروبا، مضيفًا أن طموحات داعش والقاعدة تتزايد من جديد مع استغلالهما حالة عدم الاستقرار في الخارج وتشجيعهما المتطرفين المحتملين على تنفيذ هجمات في الغرب. وأبلغ مسؤولون أمنيون بريطانيون صحيفة التلغراف أن المروّجين الجهاديين يستخدمون الآن أنظمة ذكاء اصطناعي لترجمة المواد العربية، بما في ذلك افتتاحيات صحيفة النبأ، إلى عشرات اللغات قبل دفع النصوص إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، حيث تنتشر غالبًا على نطاق واسع قبل أن يتمكن المشرفون من حذفها.

يؤكد محللون استخباراتيون إن هذه الحملة الرقمية تعيد صدى نجاحات سابقة لذراع التنظيم الإعلامية؛ ففي ذروتها قبل أكثر من عقد استقطب التنظيم نحو 30 ألف مقاتل أجنبي، بينهم نحو 900 بريطاني، عبر انتشار مقاطع الفيديو التي مجّدت دعوته، وفق ما ذكرته صحيفة ذا صن. وقد قُتل أكثر من ربع هؤلاء المقاتلين، بينما خضع كثير ممن حاولوا العودة للتحقيق والملاحقة بتهم إرهابية، وفق صحيفة ميرور. يخشى المسؤولون أن الجيل الذي نشأ على منصات البث ومنتديات الألعاب وغرف الدردشة المشفّرة قد يصبح هدفًا. بدأت شبكات داعش الإلكترونية تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج دعاية متعددة اللغات ومواد تجنيد آلية، ليس فقط بهدف التجنيد بل أيضًا لإرهاق أنظمة الدفاع الخوارزمية لدى المنصات الكبرى والسيطرة على الخطاب الرقمي.

تجاوز التنظيم مرحلة الفيديوهات والوثائق ليستخدم تسجيلات مفبركة وتقارير إخبارية مولّدة بالذكاء الاصطناعي تُقدَّم فيها السرديات الإسلاموية المتطرفة على أنها صحافة موثوقة. تُوصف الحركة الناشئة بأنها تمرد شبكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وأن المجندين الجدد نادرًا ما يعبرون حدودًا جغرافية، لكنهم يصبحون جنودًا عقائديين في جيش التنظيم الافتراضي. إن وصول التنظيم الرقمي تعزز بفضل إخفاء الهوية المالية، و يستخدم داعش العملات اللامركزية لتفادي الرقابة، ما يسمح للممولين بتمويل المقاتلين بسرية أكبر، ويحوّل ما يسمى بالخلافة بلا حدود إلى نظام مالي بلا هويات.

وعلى الصعيد العسكري، واصلت المملكة المتحدة عملياتها ومساهمتها في الجهد الدولي ضد داعش في العراق وسوريا. وفي سبتمبر2025 قُتل مشتبه بكونه عنصرًا في التنظيم كان يخطط لعبور الحدود إلى سوريا، في ضربة صاروخية بريطانية شمال البلاد، وفق ما ذكرت صحيفة ذا صن. وقالت وزارة الدفاع إن هذه العمليات جزء من جهود أوسع لمنع التنظيم من إعادة بناء ملاذ آمن، بينما تستعد الولايات المتحدة لإنهاء مهمتها في العراق خلال العام 2026. وفي داخل سوريا، كثفت خلايا التنظيم الصغيرة هجماتها بأسلوب حرب العصابات على قوات النظام وعلى قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. وتخشى الاستخبارات البريطانية أن هذه المكاسب الميدانية قد تغذي الدعاية الإلكترونية، ما يعزز السرديات التي تزعم أن التنظيم يستعيد زخمه.

ذكر جهاز MI5 أنه يعمل تحت ضغط شبه قياسي، إذ شهد زيادة بنسبة 35% في عدد الأشخاص محل الاهتمام، وتدخل في مئات التهديدات المتطورة منذ عام 2020، وبالتعاون مع الشرطة أحبط 19 مؤامرة في مراحلها المتأخرة في الفترة نفسها، بحسب ذا صن. وكان واحد من كل خمسة اعتقالات مرتبطة بالإرهاب العام 2024 من بين 232 حالة تخص مشتبهين تقل أعمارهم عن 17 عامًا، وهو ما يعكس القلق المتزايد بشأن تطرف الشباب.

ينبغي أن تتعاون الأجهزة الاستخباراتية بشكل أوثق مع شركات التكنولوجيا لرصد المحتوى المتطرف المُنتج بالذكاء الاصطناعي، وأن يحصل محققو الجرائم المالية على دعم إضافي من مجموعة العمل المالي لتعقب تدفقات العملات المشفرة، وأن تموّل الحكومات برامج محو الأمية الرقمية ومكافحة الروايات المتطرفة التي تقودها الجاليات، خصوصًا في مجتمعات الألعاب حيث ينشط مجندو التنظيم. وتفيد التقارير بأن جهاز MI6 يراقب عن كثب تجارب التنظيم في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما يواصل جهاز MI5 تتبع قنواته الدعائية بحثًا عما إذا كان المزيد من المراهقين قد يُغرى باتباع الطريق ذاته الذي قاد شاب جنوب لندن إلى قفص الاتهام.

خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات  ـ ألمانيا وهولندا ECCI

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *