
فرضت الولايات المتحدة، الأربعاء، عقوبات على كبرى شركات النفط الروسية، متهمة موسكو بعدم الجدية في إنهاء الحرب في أوكرانيا، وذلك في وقت أجرت فيه روسيا تدريبات عسكرية واسعة النطاق شملت استخدام أسلحة نووية، وتزامنا وقّعت أوكرانيا صفقة ضخمة لشراء ما بين 100 و150 مقاتلة حربية من أحدث طرازات “غريبن”، وفق ما أعلن رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون خلال التوقيع مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مشيرا إلى أن تسليمها لسلاح الجو الأوكراني قد يتم “في غضون ثلاث سنوات“.
وجاء الإعلان عن العقوبات الجديدة بعد يوم واحد من انهيار خطط عقد قمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، إذ قال ترامب للصحفيين إنه ألغى الاجتماع لأنه “لم يشعر بأنه مناسب في الوقت الحالي“. وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن العقوبات استهدفت أكبر شركتين روسيتين للطاقة، وهما “روسنفت” و”لوك أويل”، بهدف تقويض قدرة موسكو على تمويل آلة الحرب.
ويمثل هذا الإجراء تحولاً حاداً في نهج البيت الأبيض، الذي تذبذب في الأشهر الأخيرة بين ممارسة الضغط على روسيا ومحاولة اتباع مسار أكثر تصالحية لتحقيق السلام في أوكرانيا، وكان ترامب قد أبدى في الأسبوع الماضي استعداده لتأجيل أي خطوات جديدة ضد موسكو. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت: الآن هو الوقت لوقف القتل والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار”، وقد ارتفعت أسعار النفط بأكثر من دولارين للبرميل بعد تصريحاته.
وعلى مدى أشهر، قاوم ترامب ضغوط المشرعين الأميركيين لفرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، على أمل أن يوافق بوتين على إنهاء القتال، لكنه أوضح أنه لم يعد يرى نهاية قريبة للحرب، قائلاً إن الوقت قد حان للتحرك.
وأكد ترامب أنه لا يزال غير مستعد لتزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” بعيدة المدى التي طلبتها كييف، موضحاً خلال لقائه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روتّه أن الأوكرانيين سيحتاجون إلى “ستة أشهر على الأقل” لتعلم كيفية استخدامها.
وقبل اجتماعه المرتقب الأسبوع المقبل في كوريا الجنوبية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، أعرب ترامب عن أمله في أن يستخدم شي نفوذه على بوتين لوقف الحرب، مشيراً إلى التحالف الاستراتيجي الذي يجمع بين موسكو وبكين.
وفي استعراض جديد للقوة، بث الكرملين مقطع فيديو يُظهر رئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف وهو يطلع بوتين على المناورات النووية، وقالت وزارة الدفاع الروسية إن المناورات شملت إطلاق صواريخ من منصات أرضية وغواصات وطائرات، بما في ذلك صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على ضرب أهداف داخل الولايات المتحدة.
كما ذكرت الوزارة أن قاذفاتها الإستراتيجية من طراز Tu-22M3 حلّقت فوق بحر البلطيق، بمرافقة متقطعة من مقاتلات أجنبية يُرجّح أنها تابعة لحلف الناتو. وغالباً ما يستحضر بوتين قدرات بلاده النووية في لحظات حاسمة من الحرب كرسالة تحذير إلى كييف وحلفائها الغربيين، في حين يجري الناتو هذا الشهر مناورات نووية لردع الخصوم.
وفي بروكسل، أعلنت الرئاسة الدنماركية الدورية للاتحاد الأوروبي أن دول الاتحاد وافقت على حزمة العقوبات التاسعة عشرة ضد روسيا، وتشمل حظراً على واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي. وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الولايات المتحدة رفعت قيداً كان يمنع أوكرانيا من استخدام بعض الصواريخ البعيدة المدى المقدَّمة من حلفائها الغربيين لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، لكن ترامب نفى هذا التقرير في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أعلنت السويد أنها وقّعت خطاب نوايا لتصدير مقاتلات “غريبن” إلى أوكرانيا، في خطوة جديدة لتعزيز الدفاعات الأوكرانية في حربها المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات وثمانية أشهر، دون مؤشرات على قرب انتهائها، وأشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خلال زيارته لمصنّع الطائرات السويدي “ساب“، إلى أن بلاده تأمل في تسلّم المقاتلات العام المقبل والحصول على ما لا يقل عن 100 طائرة من هذا الطراز.
وقال رئيس الوزراء السويدي، وزيلينسكي إلى جانبه، أنه “من المحتمل أن يشمل العقد شراء ما بين 100 و150 طائرة مقاتلة +غريبن+ من الطراز إي E والتي سيبدأ تصنيعها منذ الآن، لبناء سلاح جو أوكراني جديد وقوي”. وأشار إلى أن تسليم أول طائرة قد يحدث “في غضون ثلاث سنوات“. من جانبه، صرّح زيلينسكي: “بالنسبة لجيشنا، تُعدّ (مقاتلات) “غريبن” أولوية“.
وأوضح كريسترسون للصحافيين أنه من الممكن اتخاذ “خطوة مهمة” في مجال التمويل “غدا” عند مناقشة مسألة استخدام الأصول الروسية المجمدة لصالح أوكرانيا في المجلس الأوروبي. وأشار إلى أنه سيسافر مع زيلينسكي إلى بروكسل للمشاركة في المناقشات.
بدوره، أشار وزير الدفاع السويدي بال جونسون إلى أن “تفاصيل كثيرة لا تزال بحاجة إلى حل” في ما يتعلق بزيادة الإنتاج والتدريب والتمويل، “لكن إذا توفرت الإرادة، فهناك مسار سنسلكه بين بلدينا“.
في نفس السياق، قال الرئيس التنفيذي لشركة “ساب” ميكائيل جوهانسون: “ليس لدينا عقد اليوم، لكن هذه خطوة أولى مهمة للغاية“.
وكانت السويد علقت في 2024 خطط إرسال طائرات مقاتلة من طراز “غريبن” إلى أوكرانيا استجابة لطلب من الدول الشريكة بإعطاء الأولوية لطائرات إف-16 الأمريكية.
وفي وقت يتبادل فيه الجانبان الروسي والأوكراني ضربات صاروخية كثيفة، عاد الغموض ليخيّم على جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة. فبعد أشهر من الجمود الدبلوماسي، أعلن بوتين وترامب الأسبوع الماضي بشكل مفاجئ نيتهما عقد قمة في المجر، لكن بعد اتصال بين وزيري خارجية البلدين الاثنين، قالت واشنطن إن الرئيس الأميركي “لا يعتزم لقاء بوتين في المستقبل القريب”، موضحة أن ترامب “لا يريد اجتماعاً بلا جدوى“، وهو ما أكّد الكرملين أنه موقف بوتين أيضاً.
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، قبل مغادرته واشنطن متوجهاً إلى الشرق الأوسط، إن الولايات المتحدة لا تزال راغبة في لقاء الجانب الروسي. أما الكرملين، فأكد أن التحضيرات للقمة ما زالت جارية، مضيفاً على لسان المتحدث دميتري بيسكوف أن “الموعد لم يُحدد بعد، لكن الإعداد الجيد ضروري، وهذا يتطلب وقتاً“.
ونقلت “رويترز” عن ثلاثة مصادر أن روسيا أبلغت واشنطن بشروطها السابقة للتوصل إلى اتفاق سلام، والتي تتضمن تسليم أوكرانيا السيطرة الكاملة على منطقة دونباس الجنوبية الشرقية، وهو ما يُعدّ رفضاً لمقترح ترامب الداعي إلى تجميد خطوط القتال عند وضعها الحالي. وفي المقابل، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف لوكالة “ريا نوفوستي” إنه لا يستطيع تأكيد أن موسكو نقلت هذا الموقف كما ورد في تقرير “رويترز“.
من جانب آخر، ارتفعت أسهم شركات الدفاع الأوروبية بعد تأجيل القمة بين بوتين وترامب، إذ تواصل معظم الحكومات الأوروبية دعم كييف بقوة، متعهدة بزيادة الإنفاق العسكري لتلبية احتياجاتها الدفاعية. ومن المقرر أن يبحث قادة الاتحاد الأوروبي، الخميس، اقتراح استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل قرض جديد لأوكرانيا بقيمة 163 مليار دولار، وهو ما اعتبرته موسكو “سرقة صريحة”، مهددة بالرد على الخطوة.
