
تحت مظلة التعاون الدولي، يبرز الإنتربول كإحدى أبرز أدوات مكافحة الجريمة العابرة للحدود، لكن فاعلية هذه المنظومة العالمية، كما يقول أمينها العام السابق يورغن شتوك، تعتمد على مدى التزام الدول الأعضاء بقواعدها واحترامها لسيادة القانون، «فالنظام بأكمله يقوم على الثقة، وإذا انهارت هذه الثقة، ينهار التعاون الدولي معها».
في مقابلةٍ خاصة مع «CNN الاقتصادية» على هامش المنتدى العالمي للأمن السيبراني في الرياض، شدّد شتوك على أنّ الدول الأعضاء «عندما تستخدم الإنتربول وعندما تمرّر معلومات عبره، فعليها احترام قواعده وقوانينه، لأنها وُضعت من الدول نفسها ولأجلها»، وأضاف أن «هذه مسألة ثقة ونزاهة في النظام، ومن الضروري أن تُفرض هذه القواعد بصرامة».لكنّ التزام الدول وحده لا يكفي، بحسب شتوك، في مواجهة جريمةٍ لا تعرف حدوداً ولا قوانين ثابتة: الجريمة السيبرانية.
فبينما يعتمد نظام العدالة الدولي على القوانين الوطنية والتعاون الرسمي، تعمل الجريمة الإلكترونية في فضاءٍ عابرٍ للحدود لا تحكمه الجغرافيا ولا السياسة.وأوضح شتوك أنّ العالم يواجه «وباءً في مجال الجريمة السيبرانية» بدأ قبل أكثر من عقدٍ من الزمن لكنه تضاعف في السنوات الأخيرة.
وقال إن التهديد لم يعد مقتصراً على الأفراد أو الشركات، بل بات يشمل البنى التحتية الحيوية نفسها، «من شبكات الكهرباء إلى المستشفيات والمطارات، حيث يمكن لهجومٍ إلكتروني واحد أن يشلّ دولةً بأكملها».
وأشار إلى أنّ الفديات المدفوعة في هجمات برامج الفدية (Ransomware) بلغت نحو مليار دولار في عامي 2022 و2023، مؤكداً أنّ الجريمة الإلكترونية أصبحت «صناعةً قائمة بذاتها».
ولمواجهة هذا الخطر، دعا شتوك إلى تبادل أوسع للمعلومات بين أجهزة إنفاذ القانون والقطاع الخاص وأجهزة الاستخبارات، قائلاً إن «الشركات المتخصصة في الأمن السيبراني غالباً ما تكون أول من يكتشف التهديدات الجديدة، ولذلك يجب أن تكون شريكاً في بناء منظومة الدفاع العالمية».
وشدد على ضرورة أن يتم هذا التعاون «على أساسٍ قانوني متين يحترم الخصوصية وحماية البيانات، لأن التوازن بين الأمن وحقوق الأفراد هو ما يضمن الثقة في النظام الدولي».
ورغم ازدياد حدة الصراعات الجيوسياسية، أكد شتوك أنّ التعاون الدولي يظلّ الخيار الوحيد لمواجهة التهديدات الرقمية المتصاعدة، وقال في حديثه إن «التوترات والنزاعات لا تجعل العمل الجماعي أسهل، لكنها تجعله أكثر إلحاحاً».
وأوضح أنّ المجرمين يستغلون الفوضى العالمية لتكثيف هجماتهم، وهو ما يرفع مستوى التهديد عالمياً، مضيفاً أنّ «لا شركة ولا وكالة إنفاذ قانون ولا دولة أو حتى مجموعة دول يمكنها مواجهة هذا الخطر بمفردها».
وأشار إلى أنّ الاتفاقية الأممية الأخيرة حول الجرائم السيبرانية تُعدّ دليلاً على إمكانية توحيد الصفوف رغم الخلافات، لكنها «تتطلّب قيادةً على كل المستويات، لأن التهديد لم يعد محلياً بل كونياً».
في ردّه على سؤال عن حدود «النشرة الحمراء» في القضايا البارزة، ومنها قضية كارلوس غصن، لم يدخل يورغن شتوك في تفاصيل الحالة بعينها، بل شدّد على الإطار العام الذي يحكم الأداة. قال إن الإنتربول، خلال ولايته التي انتهت في نوفمبر الماضي، «استثمر كثيراً» بدعم من الدول الأعضاء وبمساهمة من منظمات غير حكومية قدّمت المشورة، لتعزيز آلية النشرة الحمراء بوصفها «أداة بالغة القوة لضمان عدم وجود ملاذات آمنة للمجرمين».
وأوضح أن فاعلية الآلية «تعتمد على إطار قانوني سليم، وتقوم على الثقة»، وأنه «متى استخدمت دولةٌ الإنتربول ومرّرت معلومات عبره فعليها احترام قواعد الإنتربول أيّاً كان نظامها الوطني»، مؤكداً أن هذا ما «تمّ فرضه بقوة داخل مجتمع الإنتربول».
وأشار شتوك إلى أن تعزيز المنظومة قاد إلى «آلاف الاعتقالات سنوياً» شملت مجرمين سيبرانيين وقتلة ومعتدين على الأطفال، معتبراً أنها «أداة قوية للغاية» يجب أن يواصل الإنتربول تطويرها عبر «تحديد أي ثغرة وإغلاقها»، مع التأكيد على أن استخدامها يستند إلى «قواعد وأنظمة الإنتربول» واحترام الخصوصية و«الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، هذه، برأيه، العناصر التي تجعل النشرة الحمراء «أداة عالمية فعّالة لوضع المجرمين خلف القضبان».
