واشنطن تبدأ خطوات جادة لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية

في خطوة جديدة ولافتة تعكس قلقاً متزايداً من قوى الإسلام السياسي، طلبت الإدارة الأمريكية بشكل رسمي من العواصم الأوروبية تزويدها بخرائط مفصلة حول هيكل تنظيم جماعة الإخوان المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، بما في ذلك الجمعيات، والمؤسسات المالية، والجماعات التي تعمل تحت مظلة التنظيم في القارة الأوروبية. وقد جاء الطلب الأمريكي، الذي وُصف بأنّه رفيع المستوى، بهدف بناء صورة استخباراتية شاملة لنطاق نفوذ الجماعة ونشاطها داخل أوروبا. ويُرجح أنّ واشنطن تسعى لتقييم مدى تغلغل التنظيم في المجتمعات الغربية، وعلاقاته ببعض مراكز صنع القرار الأوروبية، وتحديد شبكاته التمويلية.

ونقل موقع “Eagle Intelligence Reports” عن المصادر قولهم إنّ الطلب الأمريكي يهدف إلى مساعدة الولايات المتحدة في رسم خريطة دقيقة للمؤسسات التي يديرها أو يؤثر فيها التنظيم بشكل مباشر أو غير مباشر، وتحديد طرق تمويل الجماعة وأنشطتها عبر الحدود الأوروبية، وتقييم التهديد الذي يمثله التنظيم على الأمن القومي الأمريكي والأوروبي على حدٍ سواء، خاصة في ضوء تزايد المخاوف من تأثير الجماعات الإيديولوجية على السلم الاجتماعي والقيم العلمانية في الدول الغربية. وتتفاوت استجابة الدول الأوروبية لهذا الطلب، حيث تُبدي بعض الدول، التي لديها بالفعل قوانين صارمة وتقارير استخباراتية حول نشاط الجماعة (مثل فرنسا والنمسا)، استعداداً لتبادل المعلومات، نظراً لكونها تعاني من تحديات التغلغل الإيديولوجي في مؤسساتها. في حين تواجه دول أخرى صعوبة في تقديم بيانات مفصلة، إمّا بسبب طبيعة قوانينها المتعلقة بحرية التجمع والمنظمات غير الحكومية، وإمّا لوجود خلافات داخلية حول تصنيف التنظيم.

ويُشير مراقبون إلى أنّ هذا التنسيق بين واشنطن وأوروبا قد يمهد الطريق لفرض إجراءات مالية وقانونية مشتركة على شبكة التنظيم، سعياً لتفكيك بنيته ونفوذه. وكان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قد قال: إنّ الولايات المتحدة في مرحلة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، مؤكداً أنّ العملية الرسمية بدأت بالفعل، لكنّها تتطلب تقييماً دقيقاً للفروع المختلفة للجماعة، وعملية “طويلة ودقيقة” قيد التنفيذ.

في تصريحات أدلى بها روبيو لبرنامج “سيد آند فريندز إن ذا مورنينغ” الشهر الماضي، أشار إلى أنّ مسألة تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية “قيد الإعداد”. وجاء هذا الإعلان رداً على سؤال حول دعم الإخوان المسلمين لبعض المرشحين السياسيين، مثل المرشح لمنصب عمدة نيويورك زهران ممداني.

ورغم اعترافه بأنّ العملية الرسمية “طويلة” وتتطلب دقة متناهية، قال روبيو: “نعم، كل ذلك قيد الإعداد. من الواضح أنّ هناك فروعاً مختلفة للإخوان المسلمين، لذا سيتعين علينا تصنيف كل واحد منها”. وأضاف أنّ الحكومة تعمل باستمرار على “مراجعة المجموعات لتصنيفها على حقيقتها: داعمة للإرهابيين، أو ربما إرهابية بحد ذاتها”. وأكد: “لم نفعل ذلك منذ وقت طويل، لذا لدينا الكثير من العمل لتعويضه…، وجماعة الإخوان المسلمين تثير قلقاً بالغاً”.

تزامن هذا التصريح أيضاً مع دعوات متصاعدة داخل الكونغرس للتحقيق في المنظمات المرتبطة بالإخوان. وقد حث السيناتور الجمهوري توم كوتون مصلحة الضرائب الداخلية على مراجعة وضع الإعفاء الضريبي لـ “مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية” المعروف اختصاراً بـ “كير”. واستشهد كوتون بـ “أدلة طويلة وقديمة” على علاقات “كير” بحركتي حماس والإخوان المسلمين. وذكر في رسالة رسمية أنّ “كير” أُدرجت كعضو في “لجنة فلسطين” التابعة للإخوان المسلمين خلال أكبر قضية تمويل إرهاب في تاريخ الولايات المتحدة، مشدداً على أنّ “أدلة جوهرية تؤكد أنّ (كير) لديها علاقات عميقة بمنظمات إرهابية”.

وفي حديثها لـ (حفريات) تقول الباحثة والمحللة السياسية الأمريكية وعضو الحزب الجمهوري، إيرينا تسوكرمان: إنّ هناك “تحولاً استراتيجياً يهدف إلى تفعيل التصنيف القانوني لجماعة الإخوان وإدراجها ضمن المنظمات الإرهابية”.

وتردف: “يُعدّ الكشف عن طلب الولايات المتحدة الرسمي من حلفائها الأوروبيين تقديم تقييمات استخباراتية وقانونية شاملة لشبكات جماعة الإخوان المسلمين خطوة نوعية تعكس تحولاً عميقاً في استراتيجية واشنطن لمكافحة الإرهاب. هذه الخطوة، التي جاءت بتوجيه من الرئيس ترامب لإعادة تقييم الوضع العالمي للجماعة، تشير إلى نية استراتيجية لترجمة الشك السياسي طويل الأمد إلى تصنيف قانوني (منظمة إرهابية أجنبية FTO). ورغم أنّ الطلب يؤكد وجود جهود منسقة لبناء أساس إثباتي قوي للتصنيف المحتمل، فإنّه يكشف أيضاً عن تحديات قانونية ودبلوماسية وإجرائية هائلة تقف حائلاً دون تحقيق هذا الهدف”.

وبحسب تسوكرمان، تسعى الولايات المتحدة لفهم ليس فقط نفوذ الجماعة الديني والسياسي، بل البنية التحتية المالية والتنظيمية واللوجستية الملموسة التي تدعم انتشارها العالمي. وقد أصبحت الدول الأوروبية، التي تستضيف العديد من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الفكرية والجمعيات الدينية التابعة للإخوان، محاور بالغة الأهمية في جهود جمع المعلومات هذه. ويعكس الطلب اعترافاً بأنّه بدون رسم تفصيلي لهذه الشبكات الأوروبية – وكيفية هيكلتها وتمويلها وحمايتها بالتشريعات المحلية – فإنّ أيّ تصنيف أمريكي سيظل هشاً من الناحية الإجرائية”.

أمّا التحديات التي تواجه هذا المسعى، فهي “كبيرة”، وفق الباحثة والمحللة السياسية الأمريكية وعضو الحزب الجمهوري، قائلة: “في معظم الولايات القضائية الأوروبية تعمل جماعة الإخوان تحت جمعيات مسجلة قانونياً ومنصات مجتمع مدني، وغالباً ما تتمتع بحماية الضمانات الدستورية التي تضمن الحريات بالمجال العام وتكوين الجمعيات. يخلق هذا تضارباً جوهرياً؛ فالأطر الديمقراطية التي تسمح بالتعددية تعقّد في الوقت نفسه الحد القانوني اللازم لتصنيف الإرهاب. ولتلبية المعايير الإثباتية الأمريكية يجب على الشركاء الأوروبيين الفصل بين التعبير السياسي المشروع ومسارات التطرف غير المعلنة والسرّية، وهي عملية معقدة من الناحية التحليلية والقانونية. كما أنّ استراتيجية الإخوان التي تركز في بعض النطاقات على الاندماج التدريجي والتخفي في منظمات مدنية، تجعل من الصعب للغاية إثبات صلة مباشرة بين النشاط السياسي وأعمال العنف”.

إضافة إلى ذلك، فإنّ التباينات عبر الأطلسي في عقيدة مكافحة الإرهاب تزيد من تعقيد التعاون. فبينما تفضل إدارة ترامب نهج التصنيف المتجذر في المعايير الإيديولوجية والروابط الشبكية، تعتمد الحكومات الأوروبية تقليدياً على التورط العملياتي المثبت في أعمال العنف. فدول مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، رغم أنّها تراقب الكيانات المرتبطة بالإخوان على نطاق واسع، قاومت الحظر الشامل وفضّلت الملاحقات القضائية والإجراءات الإدارية المستهدفة، وفق المصدر ذاته. ويخشى الموقف الأمريكي أن يؤدي هذا التباعد إلى أن تكون هناك “معلومات استخباراتية قد تكون مقنعة سياسياً لكنّها غير كافية لتقديمها كدليل بموجب القانون الأمريكي أيّ إثبات روابط مؤكدة بتمويل الإرهاب أو النشاط العنيف”.

وتضيف الحساسيات الدبلوماسية طبقة أخرى من التعقيد؛ حيث تخشى بعض الحكومات الأوروبية من أن يؤدي “التجريم الصريح” للمنظمات التابعة للإخوان إلى تأجيج التوترات الداخلية وتنفير الجاليات المسلمة واعتباره اعتداء على “التعددية الدينية”، وفق تسوكرمان، ويهدد آخرون بأنّ حملة بقيادة الولايات المتحدة قد تعزز الروايات الإسلاموية عن الاضطهاد، وهو ما يغذي التطرف الذي تسعى الحملة إلى قمعه. وعليه، حتى لو مضت الولايات المتحدة في التصنيف من جانب واحد، فسيكون تنفيذه غير متساوٍ. يمكن للكيانات المرتبطة بالإخوان استغلال التباينات القضائية لإعادة التسمية أو تغيير مواقعها، ممّا يحدّ من تأثير العقوبات. وقد تتجه الشبكات المالية نحو العملات المشفرة أو أنظمة تحويل القيمة غير الرسمية التي يصعب الوصول إليها أمريكياً. ومن ثم، فإنّ تصنيفاً جزئياً وغير منسق قد يخلق غموضاً قانونياً أكبر ممّا يوفره من ردع، ليؤدي إلى تشتيت الشبكة بدلاً من تفكيكها.

في نهاية المطاف، وبينما يؤكد الطلب الأمريكي وجود قلق غربي مشترك بشأن النفوذ العابر للحدود للإخوان، فإنّ الطريق إلى التصنيف الرسمي محفوف بالعقبات القانونية والدبلوماسية والإجرائية؛ بالتالي فتحقيق الإجماع يتطلب ليس فقط تبادل المعلومات الاستخباراتية، بل يتطلب أيضاً توافقاً مفاهيمياً حول تعريف الإرهاب نفسه، وتحدّ الطبيعة المتشعبة والتكيفية للإخوان من ذلك، فهي جزء من إيديولوجيا، وجزء من حركة سياسية، وجزء من شبكة متغلغلة وقوية، الأمر الذي يجعل الحاجة ملحة وضرورية لتصنيف ما أو مواجهة على نحو يواجه كل ذلك، ويتفادى أيّ “خطوة متسرعة”، تهدد تقويض أطر سيادة القانون والتحالفات التي تعتمد عليها مكافحة الإرهاب الفعالة.

كريم شفيق

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *