
تعرضت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور أمس الأربعاء لقصف مدفعي وجوي عنيف نفذته قوات “الدعم السريع” باتجاه مواقع عسكرية ومدنية أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. وبحسب مصادر ميدانية، فإن قوات “الدعم السريع” نفذت قصفاً مدفعياً مكثفاً، صاحبه هجوم بالمسيرات الانتحارية والاستراتيجية استهدف حي الدرجة الأولى الواقع شمال غربي الفاشر، حيث يسكن أعداد كبيرة من النازحين الذين فروا من المناطق التي توغلت فيها قوات الدعم.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن 13 شخصاً لقوا حتفهم وأصيب 20 آخرون، جراء قصف مدفعي شنته “الدعم السريع” على مركز إيواء للنازحين داخل مسجد في حي أبو شوك الحلة، مما أدى إلى إخلاء أعداد كبيرة من النازحين المركز خوفاً من تكرار عملية الاستهداف.
وقال شاهد عيان “بعدما سقطت قذائف عصراً على مسجد حي أبو شوك، أخرجنا 13 جثة من تحت الدمار”. وأفاد أحد الناجين بأن 70 أسرة على الأقل تحتمي داخل سور المسجد “بعدما اقتحمت قوات الدعم السريع بيوتنا. بالأمس، سقطت قذائف مدفعية قتلت 13 شخصاً وجرحت 20 ودمرت جزءاً من المسجد” في المدينة المحاصرة منذ أكثر من سنة.
كذلك شمل القصف المدفعي لـ”الدعم السريع” مستشفى الفاشر السعودي ما تسبب بمقتل وإصابة عشرات المدنيين، ووفقاً لـ “شبكة أطباء السودان” فقد قُتل 12 شخصاً، وأُصيب 17 آخرون بينهم طبيبة وكادر تمريض كانوا يؤدون واجبهم الإنساني في إنقاذ الأرواح داخل المستشفى.
وعدت الشبكة في بيان، استهداف المستشفى الذي يعجّ بالمرضى والكوادر الطبية “جريمة حرب مكتملة الأركان، تكشف بوضوح عن الاستهتار التام بأرواح المدنيين وبالقوانين الدولية التي تحمي المرافق الصحية والعاملين فيها”.
وحمّل البيان “الدعم السريع” المسؤولية الكاملة عن عملية القصف المتعمد، وطالب المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتحرك الفوري والعاجل لوقف هذه الإنتهاكات ووقف قصف المرافق الخدمية والمستشفيات ومنازل المواطنين، وحماية ما تبقى من النظام الصحي المنهار في الفاشر.
واعتبر البيان أن “الصمت الدولي على هذا النزيف المستمر يُعد تواطؤاً متعمداً أمام استمرار الدعم السريع في ممارسة قتل المدنيين في منازلهم والأطباء والمرضى داخل المستشفيات”.
ويُعد “المستشفى السعودي للنساء والتوليد” المرفق الطبي الأوحد الذي يعمل داخل الفاشر، لكنه يعاني من انعدام شبه تام للمستلزمات الطبية والأدوية، إضافة إلى نقص كبير في الكوادر الطبية نتيجة استمرار الهجمات، إذ يعمل المرفق بطاقة محدودة للغاية مقتصرة على الحالات الطارئة للولادة، وإجراء الإسعافات الأولية لجرحى القذائف المدفعية.
في المقابل، قالت مصادر عسكرية إن الجيش قاد هجوماً على مواقع لـ”الدعم السريع” في الأجزاء الجنوبية والشرقية للمدينة، أسفر عن تدمير عدد من التحصينات والدفاعات الرئيسة التي كانت تُعد خطوط الإسناد الأولى لتلك القوات. وأكدت الفرقة السادسة- مشاة التابعة للجيش أنها تصدت لهجوم “للدعم السريع” على المحور الجنوبي للفاشر باتجاه “السلاح الطبي”، وتمكنت من التقدم والسيطرة على مواقع دفاعية جديدة كانت تحت سيطرة الميليشيات.
وأوضحت المصادر العسكرية أن الجيش بدأ يتقدم بثبات صوب قلب الفاشر، في خطوة تهدف إلى كسر الحصار المفروض على المدينة منذ أبريل (نيسان) 2024، وذلك في أعقاب نجاح سلاح الجو التابع للجيش للمرة الثانية خلال أسبوع واحد في تنفيذ عملية إسقاط كبيرة للمؤن الغذائية والتشوين العسكري، للفرقة السادسة- مشاة، فضلاً عن وصول تعزيزات كبيرة من قوات الاحتياط والدعم اللوجستي.
وتمنع “الدعم السريع” وصول الإغاثة والسلع والأدوية إلى الفاشر التي تحاصرها منذ أكثر من 17 شهراً، حيث تنشر آلاف المقاتلين في الطرق المؤدية إلى المدينة، كذلك شيدت سواتر ترابية ضخمة لتشديد الحصار على المنطقة. وخلال سبتمبر (أيلول) الماضي تصاعدت الهجمات التي تشنها “الدعم السريع” على الفاشر بشكل كبير في محاولة ترمي للسيطرة على المدينة، التي تعد الوحيدة الخاضعة لسيطرة الجيش في إقليم دارفور المكوَّن من خمس ولايات.
أما في محور كردفان، فلا يزال طرفا القتال في حال تأهب قصوى لخوض المعركة الفاصلة للسيطرة على هذا الإقليم الذي يعد بمثابة مفتاح الطريق إلى دارفور بولاياتها الخمسة. ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن مدينة النهود إحدى كبرى مدن ولاية غرب كردفان شهدت أمس الأربعاء سلسلة هجمات متتالية شنتها طائرات مسيرة تابعة للجيش استهدفت مواقع تجمعات “الدعم السريع” داخل المدينة، أسفرت عن خسائر بشرية، فضلاً عن تدمير مركبات وآليات عسكرية.
في غضون ذلك، نفذ سلاح الجو التابع للجيش أمس عملية إسقاط جوي ناجحة لدعم الفرقة 22 مشاة بمدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان، في خطوة وُصفت بأنها من أكبر العمليات اللوجستية منذ اندلاع الحرب. وقالت مصادر عسكرية إن عملية الاسقاط تمت بدقة عالية تحت غطاء جوي محكم من دون وقوع أي خسائر في الأرواح أو المعدات، إذ تم إيصال إمدادات وعتاد عسكري متكامل إلى الفرقة التي كانت ترابط في مواقعها القتالية بالمنطقة الغربية من المدينة.
وتأتي هذه العملية ضمن سلسلة تحركات تستهدف رفع الجاهزية القتالية وتحسين التواصل الميداني بين الوحدات المنتشرة في ولايات كردفان ودارفور. من جهة أخرى، أكدت الحكومة السودانية، أنها تواصل الانخراط مع الولايات المتحدة في شأن الاتهام الموجه لها باستخدام أسلحة كيماوية خلال الحرب. وقدم وفد السودان بيانه أمام الدورة الـ 110 للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، ضمن بند النقاش العام.
وقال الوفد في البيان، إن “حكومة السودان تواصل انخراطها البنّاء مع الولايات المتحدة في شأن المزاعم التي أعلنتها في مايو (أيار) 2025 حول استخدام أسلحة كيماوية في عام 2024”. وأوضح البيان أن مجلس السيادة السوداني شكّل لجنة فنية تضم مختصين من الجهاز الوطني لحظر الأسلحة الكيماوية والكوادر الطبية والطب العدلي والأدلة الجنائية ومؤسسات وطنية أخرى، منوهاً بأن السودان ملتزم بأحكام اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية وحرصه المستمر على تنفيذها بكل جدية، إيماناً منه بأهمية الجهود الدولية الرامية إلى بناء عالم خالٍ من تلك الأسلحة وتعزيز السلم والأمن الدوليين.
وأوضح البيان أن اللجنة الوطنية تواصل أعمالها على رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد جراء الحرب، لافتاً إلى أن “الدعم السريع” تتلقى دعماً إقليمياً كبيراً يتمثل في الإمداد بالأسلحة المتطورة والمرتزقة عبر الحدود الغربية والشمالية الغربية. يُذكر أنه في 22 مايو الماضي، اتهمت واشنطن حكومة السودان باستخدام أسلحة كيماوية خلال حربها ضد قوات “الدعم السريع”، وفرضت على الخرطوم عقوبات شملت قيوداً على الصادرات والوصول إلى خطوط الائتمان. وفي 10 يوليو (تموز) الماضي، قالت وزارة الخارجية السودانية إن واشنطن أبدت استعدادها لتزويد السودان بالبيانات والتفاصيل الضرورية حول اتهامها الخاص باستخدام أسلحة كيماوية، وذلك بعد تأكيدها على أن التعامل مع أي مزاعم يتطلب الإطلاع على المعلومات التي بُنيت عليها.
قضائياً، أفاد مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية، أمس الأربعاء، بأن قضاة المحكمة سيصدرون الحكم بحق أحد كبار قادة ميليشيات الجنجويد، علي محمد عبد الرحمن، الشهير بـ”كوشيب”، في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بعد إدانته بجميع التهم الموجهة إليه والبالغة 31 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في إقليم دارفور مطلع الألفية.
وذكر المحامي الرئيس في القضايا، جوليان نيكولز، خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت مع عدد من وسائل الإعلام السودانية، إن “الحكم المتوقع سيكون السجن مدى الحياة نظراً لخطورة الجرائم المرتكبة، بيد أن إدانة ‘كوشيب’ لا تعني بالضرورة إدانة المتهمين الآخرين مثل أحمد هارون، إلا بعد مثولهم أمام المحكمة”. وبيّن نيكولز أن المتهم لن يقضي العقوبة في هولندا، مقر المحكمة، بل في إحدى الدول الأعضاء في “ميثاق روما”، تُحدد لاحقاً.
من جانبه، أوضح سيريل لوتشي، محامي الدفاع عن “كوشيب”، إن من حق موكله الطعن في الحكم أمام دائرة الاستئناف بعد صدوره، إذ إن خط الدفاع لم ينكر الجرائم التي وقعت في دارفور، لكنه يتمسك بأن المتهم ليس هو الشخص المطلوب في أوامر الاعتقال الصادرة باسم “كوشيب”.
وتابع لوتشي أن موكله سلم نفسه طوعاً للمحكمة بعد أن علم أن السلطات المحلية تبحث عن شخص يحمل الاسم ذاته. في المقابل، قالت ناتالي فون، الممثلة القانونية لضحايا القضية، إن أكثر من 1500 ضحية مرتبطين بالقضية بشكل مباشر وغير مباشر ينتظرون تعويضات من المحكمة. وبيّنت أن عدداً من الضحايا الذين تواصلت معهم في مخيمات اللجوء بتشاد عبروا عن ارتياحهم لإدانة “كوشيب” بعد انتظار طويل لتحقيق العدالة.
من جهته، رحّب حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، بالحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية ضد القائد السابق في ميليشيات الجنجويد علي محمد علي عبد الرحمن “كوشيب”، مبيناً أن هذه الإدانة تمثل انتصاراً عظيماً لضحايا جرائم الحرب والإبادة في دارفور. وأشار مناوي، في منشور على منصة “فيسبوك”، إلى دعمه العدالة الدولية بكل قوة وثبات، مؤكداً أن ما ارتكبه “كوشيب” من “فظائع وجرائم ضد الإنسانية لا يمكن أن يتقبله عقل أو منطق، بعد أن نفّذ مجازر مروّعة في مناطق دليج، وكرع جداد، ووادي صالح، وقارسيلا، ومكجر، والجنينة، وزالنجي، وصرة بندسي وغيرها من مدن وقرى دارفور التي عانت ويلات الإبادة والعنف والدمار”.
وأردف، “الحكم الصادر من المحكمة يمثل رداً للضحايا الذين قضوا تحت وطأة الاختفاء القسري والتطهير العرقي والتهجير القسري”، كذلك يعد “انتصاراً للأيتام والأرامل والشيوخ الذين أُحرقوا داخل بيوتهم ومساجدهم، وللأمهات اللواتي فقدن أبناءهن وأزواجهن في تلك المذابح البشعة”. وأشار حاكم دارفور إلى أن “العدالة الدولية، على رغم تأخرها، جاءت لتؤكد أن الحق لا يموت مهما طال الزمن”، لافتاً إلى أن “الإدانة رسالة قوية للعالم بأن المجرمين سيُحاسبون يوماً ما على جرائمهم ضد المدنيين”.
