
مسيرة ماسبيرو المشهورة التى حدثت يوم 9 أكتوبر 2011 بعد انقلاب 25 يناير على الرئيس مبارك هي المظاهرة الثالثة للاقباط في ماسبيرو وكانت هدفها هي الاعتراض على حرق وهدم بعض الكنائس واعادة بناءها والمطالبة بمحاسبة المعتدين من الاخوان والسلفيين الذين انتهزوا احداث الفوضى فهاجموا هذه الكنائس وهدموا بعضها.
شارك في المسيرة حشد من الاقباط من كل الاعمار ومن الجنسين وبعض المسلمين الثوار المؤمنين بحقوق المواطنة للاقباط المسيحيين، وقاد المسيرة اثنين من الكهنة اشهرهم الكاهن القس فلوباتير جميل، وتحركت المسيرة من شبرا حتى وصلت إلى مبنى الاذاعة والتليفزيون ماسبيرو وتعرضت اثناء السير الى هجوم من المسلمين بالطوب وبعض مظاهر العنف مما أكد انه كانت هناك نية مبيتة بالاعتداء على المسيرة.
لم يتم حماية المسيرة من اجهزة الامن الشرطة والجيش، وهو مايؤكد ان نوايا السلطة الحاكمة وهي المجلس العسكري هي الاعتداء على المسيرة وانهاؤها بالعنف وكانت هناك مظاهر اخرى تؤكد ان هناك نية العنف ضد الاقباط الذين يتظاهرون بهذا الشكل وفي هذا المكان بمسيرة كبيرة ومن أهم المظاهر هي قيام المجلس العسكري بارسال عساكر الشرطة العسكرية في ملابس مدنية داخل المسيرة للتجسس عليها بالاضافة الى ان هناك بيانات وصور واسماء كانت في ايدي القوات العسكرية المكلفة بحماية ماسبيرو.
بكل غدر وخسة جاءت اوامر المجلس العسكري لمدرعتين باقتحام الجماهير القبطية ودهس المتظاهرين بلا رحمة وقيام بعض الجنود باطلاق نار عليهم كما كانت هناك عناصر من الجيش قامت باطلاق نار من على اسطح المباني ومن على الكباري منهم قناصة استهدفوا اشخاص بعينهم وكان من الضحايا الثوري المعروف مينا دانيال الذي اصابته رصاصة قاتلة من اعلى اخترقت صدره وخرجت من ظهره ليلقى حتفه في الحال وكانت الحصيلة مقتل 38 قبطي بالدهس والرصاص والقاء جثث بعضهم في مياه النيل واصابة المئات من المتظاهرين.
حاول المجلس العسكري من خلال سيطرته على الاعلام المصري الرسمي في الفضائيات ان يصور الحدث على ان المتظاهرين اشتبكوا مع الجيش وان الاقباط اعتدوا على افراد الجيش وان الاقباط كان منهم من يحمل السلاح، وهذا كان كذب وافتراء وخداع للشعب المصري حيث ان المتظاهرين لم يحملوا اكثر من الصلبان ولوحات تطالب بحقوق الاقباط كمواطنين، ولم يسقط من الجيش اي مصاب او قتيل فكلها ادعاءات كاذبة والا لو كان هناك قتلي من الجيش لخرجت جثثهم في جنازة عسكرية.
وخوفا من الفضيحة قرر المجلس العسكري تحويل الحدث الى القضاء العسكري حتى يصبح القاتل هو القاضي ويحول القضية من جريمة قتل بشعة من الجيش في حق الاقباط الى تمرد اثنين من العساكر تم الحكم عليهم بسنتين سجن واكيد كانت حيلة لهروب المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي من الاتهام بجريمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد لمتظاهرين بالعنف والرصاص بايدي رجال الجيش والشرطة العسكرية.
حاول المجلس العسكري تصوير المسيرة تارة بانها كانت تشابك بين الاقباط وقوات الجيش مما اضطر الجيش الى اللجوء للعنف ولما كشف الشهود فضيحة وكذب هذا الادعاء حاول المجلس العسكري تارة اخرى التملص من المسئولية بتصوير العنف بانه تم بايدي الاخوان المسلمين الذين قتلوا الاقباط ثم خلق جو ضبابي من الاحداث لتصوير عدم يقينة المعتدي مع ان الامر كله كان واضح ان الجيش هو الذي قتل الاقباط بدم بارد وبوحشية غير مسبوقة في تاريخ مصر.
كان دور الكنيسة في المظاهرة هو ان الكنيسة هي التى اطلقت فكرة المسيرة وبالتحديد بتوجيهات الأنبا ثيؤدوسيوس أسقف الجيزة ووسطها، بعلم البابا شنودة الثالث وموافقته وهو الذي كلف الكاهنين ماتياس نصر وفلوباتير جميل بقيادة المظاهرة على ارض الواقع، وبدلا من قيام المظاهرة بالتحديد المطالبة بحقوق المواطنة تحولت في بعض الاحيان الى قداس في الشارع وترانيم والحان قبطية فتحولت المظاهرة الى خليط من المطالبات الحقوقية مع طقوس مسيحية.
طبعا المجلس العسكري اطلق في الاعلام الرسمي كلابه ولواءاته ليظهر ان الكنيسة تتدخل في السياسة وان رجال الدين المسيحي يمارسون العمل السياسي ويستخدمون الدين في السياسة وانهم هم المسئولين عن المذبحة، ولكن من الذي تقاعس في ترك الكنائس تحرق وتهدم، اليس هو المجلس العسكري الذي كان يحكم مصر وقتها؟ ومن الذي رفض ان يعطى الاقباط حقوقهم اليس هم لواءات الجيش الذين تم تعيينهم محافظين بعد 25 يناير 2011؟
كيف يقوم عساكر بقتل الابرياء في مسيرة سلمية من انفسهم، وانا اعلم جيدا بل ومتأكد ان اي جندي في الجيش لايمكنه ان يتحرك بمدرعة او مركبة الا في وجود قائد يعطيه الاوامر بالتحرك وحتى القائد الذي هو عادة يكون ضابط لايمكن ان يعطى اوامر بتحريك المركبات أو اطلاق الرصاص الا باوامر القائد الاعلى للكتيبة المسئولة عن الحماية. فالكنيسة ليست هي المسئولة عن قتل الاقباط لكن المسئول هو المجلس العسكري الذي كان يحكم مصر.
مأخذي على الكنيسة هي احداث مابعد المذبحة، اما اثناء المسيرة فانا فقط لم يعجبني الطابع الديني الطقسي للمظاهرة لان المظاهرة هي حقوقية وليست دينية، هي المفروض كانت مظاهرة للمطالبة بحقوق الاقباط كمواطنين وليست امر ديني، كذلك لم يعجبني في المسيرة انها عندما رأت العنف ضدها اثناء التحرك لم يلجأ قادتها الكهنة الى منع السيدات والبنات وكبار السن من المشاركة، امر ثالث استفزني وهو ان الاساقفة يديرون هذه المسيرة من خلف الابواب المغلقة وهم يجلسون في الغرف المكيفة، كان يجب ان يشارك هؤلاء الاساقفة في المسيرة.
اما مابعد المذبحة فمأخذي على الكنيسة ان من قاد المذبحة وهم الكاهنان ماتياس نصر وفلوباتير جميل لم يقدما شهادتهما العلنية عن الاحداث لانهما قادا المظاهرة وهما الادري والاقرب لما حدث فيها، وجدنا مئات الشهادات لشهود العيان مسيحيين ومسلمين لما حدث في المسيرة ولكن لم نشاهد شهادة هذين الكاهنين .. لماذا؟
الكاهن فلوباتير جميل بعد ان واجه اتهامات من كل حد وصوب بانه السبب في قتل الاقباط وتحميله مسئولية الحدث قام باصدار فيديو واحد يتيم وكان ينوي تكملة الشهادة الا انه بعد ساعة واحدة من نشر الفيديو قام بحذفه في صمت تام، وهذا الفيديو نشرته في قناتي “الكتاب الأسود” وكان النشر سببه انه شهادة حية وهامة من شهادات ماسبيرو.
مأخذي ايضا على الكنيسة هي تصريحات الاسقف المثير للجدل دائما والدكتاتور الانبا بولا اسقف طنطا وهو الذي حاول ان يصور للشعب المصري وكذلك شعب الكنيسة ان المظاهرة كانت اخطاء من الكنيسة ولذا على المسيحيين نسيان المذبحة وعدم الكلام عنها، فاذا صح كلامه وهو اكيد مجرد تصريح خبيث حتى لايغضب المجرم الحقيقي وهم قادة الجيش فاين هي محاكمات الكنيسة لمن اخطأ، طالما هو اعتبر ان الكنيسة ارتكبت اخطاء فلماذا لم تحاسب هؤلاء الذين اخطأوا وكانت نتيجة خطأهم مقتل 38 قبطي واصابة المئات؟
مأخذي ايضا على الكنيسة هو تصريحات البطريرك البابا تواضروس الثاني الذي قال فيها ان المسئولين عن المذبحة هم الاخوان المسلمين وان الاخوان هم من ورطوا الاقباط بالقيام بالمسيرة والوقوع في فخ الصدام مع الجيش، الا يخجل هذا البطريرك من تصريحاته المخزية التى توضح انبطاحه الكامل وكذبه؟
طيب يبقى اللى رتب المسيرة بقى حسب كلامه هو اتفاق بين الاسقف ثيؤدوسيوس ومرشد الاخوان؟ لو هو فخ يبقى الاسقف لما قرر بالقيام بالمسيرة اتفق مع الاخوان المسلمين، كان واضحا ان تصريحات البابا تواضروس واسقفه الانبا بولا هي ارضاء للسلطة العسكرية وخضوع تام لها وهربا من محاسبة الجناة.
ومن هنا نفهم سبب اجبار القس فلوباتير جميل على حذف شهادته من اليويتوب، بعد ساعة من نشر الشهادة، سببه أن شهادة القس تؤكد ان من قرر عمل المسيرة هو البابا شنودة واساقفة الكنيسة وبالتالي لو انتشرت هذه الشهادة سوف تؤكد كذب البابا تواضروس بادعاءه ان من ورط الاقباط في المسيرة هم الاخوان المسلمين والحقيقة ان صاحب فكرة المسيرة هو الاسقف ثيؤدوسيوس وليس الاخوان كما يدعى البطريرك.
مأخذي الاخير على الكنيسة هي الطرمخة على الحدث ودفنه ونسيانه فلا شهود من الكنيسة ممن صنعوا الحدث وقادوه ولا كلام من قيادة الكنيسة عن استعادة حقوق الضحايا او الشهداء ولا تناول للقنوات القبطية لذكرى الحدث، وهكذا تم دفن مذبحة ماسبيرو في بحر النسيان وضاعت حقوق الابرياء الذين شاركوا في مظاهرة سلمية واصبحت دماء الضحايا في نظر قيادة الكنيسة رخيصة لاتسوى شئ وكل المجرمين الذين شاركوا فيها هربوا من المساءلة والعقاب وعلى رأسهم الرئيس الحالي لمصر وكذلك الراحل المشير طنطاوي الذي يعتبر الرأس المدبرة للمذبحة.
شاهد على اليوتيوب الحلقات الاربعة التى توثق لمذبحة ماسبيرو على قناة الكتاب الأسود
