عماد حمدي: رفض العمل مع طلعت حرب واستقال من عدة وظائف

قبل أن يواجه الكاميرا للمرة الأولى ويعلن عن نفسه نجماً جديداً، مرّ عماد حمدي بكثير من المحطات والتحولات التي كاد، مع كل محاولة منها، أن يحيد عن حلم التمثيل، ليحترف مهنة جديدة لم يكن يتصور يوماً أن يمتهنها، فهل لنا مثلاً أن نتخيله كموسيقار أو ككاتب حسابات، أو حتى كمدير لشركة إعلانات وليدة؟

الإجابة في الغالب الأعم لا. فالسينما لا تترك لنا تلك المسحة من الخيال لنتصور أبطالنا على الشاشة في أماكن أخرى، أو وظائف مختلفة، لكن السطور المقبلة قد تتيح لنا هذه الفرصة.


في مقال سابق له في مجلة “الكواكب” تحت عنوان “قصة حياتي” تحدث النجم الكبير عماد حمدي عن المحطات الأبرز في حياته قبل الشهرة، التي كادت تجرفه إليها فتكون بديلاً لعشقه وحبه للتمثيل الذي بدأ منذ الطفولة.


يقول “حمدي” إنه تخرج من كلية التجارة التي دخلها لأن والده لم يكن يملك المال الكافي لينفق عليه وعلى أخيه التوأم “عبد الرحمن” في كلية الطب التى كان يحلم بأن يلتحق بها ليصبح طبيباً، لكن أمام الصعوبات المادية قرر أن يُحول الدفة إلى كلية التجارة.

في الكلية مارس “عماد” التمثيل في أكثر من عمل، غير أنه مع تخرجه وجد نفسه مضطراً لأن ينسلخ من أحلامه بعد أن اكتشف أن التمثيل لن يُؤمّن مستقبله المادي، فاختار مع شقيقه أن يفتتحا أول مكتب للدعاية والإعلان في مصر، وكانت العقبة الأهم أمامها هي الدعم المادي.


يقول “حمدي” عن تلك الفترة : “افتتحنا أنا وأخي وبعض الزملاء أول مكتب مصري للدعاية والإعلان باسم (شركة لوتس للإعلان) وكان في السوق شركات أجنبية ارتجفت لجرأتنا وحاولت أن تضم جهودنا إليها فلم نقبل، وقد استطعنا أن نكسب ثقة التجار المصريين وأن نسير في مشروع بدأناه بدون رأس مال، وكان تأثيث المكتب بالمكاتب القديمة التي ألقى بها أبي في مخزن عتيق فنقلناها أنا وأخي خلسة إلى مكتبنا، وأدخلنا عليها بعض التعديلات التي غيرت معالمها”.


على مدار عامين، ومع ابتكار وسائل جديدة في أساليب الدعاية والإعلان احتل المكتب مركزاً مرموقاً وبات من المكاتب الكبيرة في مصر، حتى جاء اليوم الذي استدعى فيه رجل الاقتصاد الأول وقتها طلعت حرب، الشاب عماد حمدي. ذهب “عماد” إلى اللقاء تسبقه أحلام كثيرة، غير أن الكلمات الأولى لطلعت حرب قضت على كل ما تصوره. 

في شبابه أسس عماد حمدي مع أخيه أول مكتب دعاية وإعلان مصري، ومع نجاحه رفض عرضاً من الاقتصادي الكبير طلعت حرب لضم مكتبه إلى “بنك مصر”، لكن الشركاء وافقوا فصار مع أخيه بلا عمل. كان الهدف الأول من استدعاء “حمدي” مفاتحته في شأن ضم مجهود مكتبه إلى بنك مصر ليقوم بالدعاية للبنك، على أن يحمل مكتبه اسم بنك مصر، لكن “عماد” رفض ورأى أنه من الظلم ـ كما يقول ـ أن يُضيع في غمضة عين مجهود عامين كاملين في إثبات المشروع، حتى يقف على قدميه.


في اليوم التالى استدعى طلعت حرب باقي شركاء عماد حمدي وأخيه، وقدم لهم العرض نفسه ليجد منهم ترحيباً كبيراً، ويجد “عماد” وتوأمه نفسيهما في مهب الريح يصارعان الديون، حتى تم إغلاق المكتب. في تلك الأثناء، حاول التوأم البحث عن مشروع جديد يجمعهما، غير أن القدر حكم عليهما بأن يفترقا لأول مرة، فالتحق عبد الرحمن بوزارة الزراعة، بينما عمل عماد حمدي باشكاتب حسابات في مستشفى أبو الريش، حيث قضى في هذا العمل ثلاث سنوات.


لم يكن عماد يحب فكرة الوظيفة لكن أكثر ما كان يسعده فى تلك السنوات الثلاث، أنه كان يرى بالطو الأطباء الأبيض، الذي طالما حلم به قديماً، بين طرقات المستشفى، حتى ولو لم يرتده بنفسه. لماذا يصعب تقبّل الآخر كما هو؟ شاركونا آلامكم (أو تجاربكم) إن كنتم قد تعرضتم لرفض ما، من أي نوع. شاركونا بما يدور في رؤوسكم حالياً. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

الفراغ الكبير الذي عاشه “عماد” في المستشفى دفعه لتعلم الموسيقى في”معهد بنغرمان”، وهناك أتقن العزف على الكمان، وكان يعود إلى المستشفى ليُطبق ما درسه بشكل عملي على الزملاء والمرضى، وأطلق عليه لقب “بيتهوفن أبو الريش” لأنه عازف ماهر، إذ حاول الكثيرون إقناعه باحتراف العزف ليصبح موسيقاراً بدلاً من الوظيفة.


لا يعرف عماد حمدي كيف نسي حلم التمثيل طوال تلك السنوات الخمس. ربما اختبئ تحت أنقاض الحاجة والظروف المادية الصعبة، وربما غرق في دوامة السعي وراء لقمة العيش حتى حانت اللحظة المناسبة. يروي في نفس المقال أنه سعى بعد ثلاثة أعوام من العمل في المستشفى إلى تجربة جديدة تُخرجه من حالة الجمود التى عاشها بفضل روتين الوظيفة الحكومية، فاتفق مع أحد أصدقائه على ترجمة الروايات العالمية وتقديمها للفرق المسرحية المصرية لإنتاجها.


قبل ترجمة الرواية الأولى تم نقل الصديق إلي الفيوم، فاتفق الثنائى على أن يذهب كل منها إلى الآخر مع نهاية الأسبوع، بحيث يكون اللقاء مرة في القاهرة والأخرى في الفيوم.

تبدلت الأحوال في صباح أحد الأيام، خلال ذهاب “عماد” إلى الفيوم، حيث تعطل الأتوبيس أمام استوديو مصر، وراح “حمدي” يراقب الكومبارسات الذين اجتمعوا أمام الاستوديو، ليستيقظ أخيراً حلم التمثيل من سباته الطويل، صحيح أنه لا يعرف كيف تم ذلك، لكن المهم أنه حدث.


للمصادفة لمح “عماد” صديقه القديم محمد رجائى، الذي كان وقتها يعمل مديراً حسابات في الأستوديو، وبعد أن عرف أن “عماد” موظف حكومة اقترح عليه ترك الوظيفة والعمل في أستوديو مصر.


وجد الاقتراح ترحيباً من “عماد” الذى كان قد ملّ وظيفته، فقدم استقالته فى اليوم التالي وسط تحذيرات من مدير المستشفى الذي كان مقتنعاً بأن “الوظيفة الميري” أفضل كثيراً من مستقبل “أهل الفن”، لكن الفنان كان قد اتخذ قراره. 

بدأ عماد حمدي مهنته في الأستوديو كوكيل حسابات، وبعد عام واحد تمت ترقيته إلى منصب رئيس الحسابات، ورغم تلك الترقية رفض “عماد” أن يُقدم نفسه أو موهبته لأي من المخرجين الذين يتعامل معهم الأستوديو، واكتفى بتنقله بين غرف الممثلين ومواقع التصوير، ليتخيل نفسه واحداً من النجوم، يستعد لتصوير مشهد جديد، لكن شيئاً لم يحدث ولم يتلقّ أي عروض للتمثيل، فبقي في خانة الموظف.

خلال أحد الرحلات تعطل الأتوبيس أمام استوديو مصر، وللمصادفة لمح حمدي صديقه الذي كان يعمل مديراً حسابات في الأستوديو، والذي اقترح عليه ترك المستشفى والعمل معه في استوديو مصر،  بعد فترة تم نقل عماد من الأستوديو إلى مكتب التوزيع في وسط البلد بالقاهرة، بعيداً عن المخرجين الذين كان يتعامل معهم في أستوديو مصر، وهنا عاد ليقول بينه وبين نفسه إن حلم احتراف التمثيل قد انتهى، وذلك قبل أن توقعه الصدفة في طريق بعض المخرجين الذين استعانوا به ـ من باب التوفير ـ لتصوير عدد من الاستكتشات في الدعاية لبعض السلع كالسماد والأقراص المسكنة، باعتباره مسؤولًا عن الأستوديو الذى ينتج تلك الاسكتشات ولن يحصل على مقابل مادي.


حظه العاثر وحده جعل تلك الاسكتشات حبيسة الأدراج، حيث لم تخرج للنور، وبعد أن كان يحلم بأن تكشف عن موهبته وتقدمه لمخرجي السينما، رضي بالمكتوب، وأغلق عليه الباب من جديد في انتظار المعجزة، إذ كان عمره وقتها قد بلغ 36 عاماً، وهو عمر لا تعترف به السينما بأنه يصلح ليكون فتاها. 

بعد فترة حلت الصدفة الأجمل، لتجد لعماد حمدي الفرصة الأولى لظهوره على شاشة السينما من خلال فيلم “السوق السوداء”، الذى حلم بأن يعوضه عن كل ما مضى، لكن الفيلم وفي مفارقة قدرية جديدة، فشل جماهيرياً بشكل كبير، لولا أن النقاد أشادوا به وحده دون جميع صنّاع وأبطال الفيلم، لتنهال من بعدها العروض عليه، ويأتي دور فيلم “سجى الليل” في وضع شارة النجومية على اسم عماد حمدي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *