المملكة المتحدة تقرّ بتدهور أزمة الهجرة عبر المانش

أقرت رئاسة الوزراء البريطانية، الثلاثاء 17 حزيران/ يونيو، بأن أزمة عبور القوارب الصغيرة عبر بحر المانش تتجه نحو مزيد من التدهور، في وقت تكثف فيه حكومة حزب العمال جهودها في معالجة الهجرة غير النظامية. جاء هذا الاعتراف بعد لقاء جمع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش قمة مجموعة السبع المنعقدة في كندا، الاثنين 16 حزيران/ يونيو،  حيث بحث الزعيمان “سبلًا مبتكرة” للتصدي لظاهرة تهريب المهاجرين عبر المانش، مؤكدَين أن الهجرة “يجب أن تكون أولوية محورية” في العلاقات بين البلدين.

ويأتي هذا التحرك في ظل تزايد الضغوط على حكومة حزب العمال التي وعدت خلال الحملة الانتخابية بـ”سحق العصابات” المسؤولة عن تهريب الأشخاص إلى الأراضي البريطانية على متن قوارب مطاطية. إلا أن أعداد الواصلين التي تسجلها وزارة الداخلية تشير إلى استمرار تدفق القوارب. وتعد تصريحات رئاسة الوزراء البريطانية إقرارا من الحكومة بأن أحد أبرز تعهداتها الانتخابية لا يزال يواجه تحديات حقيقية، في وقت يزداد فيه عدد الوافدين عبر المانش، رغم الدعم المالي الذي تقدمه لندن لباريس ضمن اتفاقات مراقبة الحدود.

أوضح متحدث باسم الحكومة البريطانية أن الطرفين يتطلعان إلى قمة بريطانية-فرنسية مرتقبة في تموز/يوليو المقبل، بهدف تعزيز التعاون الأمني وتنسيق الجهود لمواجهة تفاقم الأزمة، مشيرا إلى ضرورة “تحقيق نتائج طموحة تعود بالنفع على شعبي البلدين”.

وقال ستارمر، أمس الثلاثاء، للصحفيين خلال قمة مجموعة السبع إن أحد الخيارات المطروحة هو أن تصبح المملكة المتحدة أكثر “تعاملا مباشرا” بشأن التأشيرات مع الدول التي لا تربطها بها اتفاقيات لإعادة المهاجرين. وأضاف “لقد أبرمنا عددا من الاتفاقيات الثنائية لإعادة المهاجرين، والسؤال الآن هو ما إذا كان من الممكن الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك”.

على الصعيد الثنائي، تجمع المملكة المتحدة وفرنسا شراكة واسعة في مراقبة الحدود، من خلال اتفاقية “لو توكيه”، التي تلتزم بموجبها لندن بدفع نحو 540 مليون يورو لباريس خلال الفترة من 2023 حتى 2026، مقابل تكثيف الرقابة الشرطية على الشواطئ التي تعد نقاط انطلاق نحو المملكة المتحدة. وفي اجتماع عُقد في 27 شباط/فبراير 2025 في “لو توكيه” بإقليم با-دو-كاليه، اتفق وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو مع نظيرته البريطانية إيفيت كوبر على تعزيز إجراءات مراقبة الحدود، تضمنت زيادة الدوريات خلال الصيف، وبناء مركز احتجاز جديد في دونكيرك بحلول 2027، بالإضافة إلى تعيين محققين مختصين لمكافحة شبكات التهريب.

ويأتي هذا الاتفاق في أعقاب مطالبة فرنسا للندن بتكثيف جهود مكافحة الهجرة غير النظامية، وهو جزء من تمديد معاهدة ساند هيرست لعام 2018 حتى عام 2027، والتي تعزز التعاون في مجال المراقبة والقبض على المهربين عبر تبادل معلومات استخباراتية، واستخدام تقنيات متطورة مثل الطائرات بدون طيار والكلاب البوليسية.

لكن وزير الداخلية الفرنسي حذر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي من احتمال إلغاء هذه الاتفاقيات إذا لم تتحسن الأوضاع، مشيرا إلى أن “العلاقة بين فرنسا والمملكة المتحدة لا يمكن أن تقتصر على مجرد قيام فرنسا بحراسة الحدود نيابة عن بريطانيا”.

وفي هذا السياق، شنّ كريس فيلب، وزير الداخلية في حكومة الظل، هجوما لاذعا على أداء حكومة ستارمر، معتبرًا أن الأزمة “خرجت عن السيطرة”. وقال في مداخلة على قناة “GB News”، بداية هذا الشهر “العصابات تضحك، والقوارب لا تزال تصل، بينما يرد حزب العمال بتشكيل قوة مهام جديدة وعقد قمة. هذا موقف ضعيف ومخزٍ”، على حد تعبيره.

ولا تمتلك المملكة المتحدة حتى الآن اتفاقيات رسمية لإعادة المهاجرين مع فرنسا أو مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، مما يفتح الباب أمام احتمالية تقليص لندن لأعداد التأشيرات الممنوحة للعمال المهرة أو الطلاب القادمين من دول الاتحاد، في حال فشل التوصل إلى اتفاق حول إعادة المهاجرين الذين يعبرون المانش بالقوارب الصغيرة. وهذا ما كشفته المملكة المتحدة في “الكتاب الأبيض” الذي يتضمن إجراءات “جذرية” هدفها “خدمة المصلحة الوطنية وإعادة السيطرة على حدودها” من خلال تشديد قواعدها في جميع المجالات، بما في ذلك العمل والأسرة والدراسة.

وفي هذا السياق، ألغى رئيس الوزراء البريطاني سير كير ستارمر، منذ توليه المنصب، الاتفاق المثير للجدل الذي وضعته الحكومة السابقة بشأن ترحيل المهاجرين إلى رواندا، مؤكداً أن أولويته الحالية تتمثل في “سحق العصابات” التي تنظم عمليات التهريب عبر المانش من خلال إجراءات أمنية مكثفة.

وشهدت السواحل الفرنسية صباح الثلاثاء موجة جديدة من محاولات عبور بحر المانش، ما يعكس استمرار الضغوط وعدم السيطرة على الوضع، رغم الاتفاقيات الثنائية والتعهدات السياسية الأخيرة.

منذ الساعة السادسة صباحا، أبحر ما لا يقل عن عشرة قوارب مكتظة بالمهاجرين من سواحل تمتد من كايو-سور-مير حتى دونكيرك، مرورا ببيكاردي ماريتيم، لو توكيه، وبلدة دان، وفق ما ذكرته صحيفة “La Voix du Nord”. وقد انضمت مجموعات أخرى من المهاجرين إلى هذه القوارب من شواطئ قريبة، بما فيها محيط مزرعة بلح البحر في دان، في مشهد يُوصف بأنه إحدى أكبر المحاولات المتزامنة في الفترة الأخيرة.

لم يتمكن نحو أربعين شخصا من الصعود إلى القوارب بسبب الاكتظاظ، وفقًا لما أكده جان-مارك لاملين، عضو جمعية الإنقاذ البحري (SNSM) في بيرك، التي رافقت أحد القوارب حتى بولوني. وتم تقديم الرعاية الطبية للمهاجرين الذين تُركوا على الشاطئ، بينهم امرأة سورية حامل في العشرينات من عمرها، كانت تشتكي من آلام في الصدر وتلقت الإسعافات الأولية من فرق الإنقاذ في إتابل.

في مشهد مماثل، رُصدت تحركات لمهاجرين وقوارب أخرى قبالة شاطئ أرديلو وفي منطقة إكيين، حيث انتظر عشرات الأشخاص وسط الكثبان وصول ما يُعرف بـ”قوارب التاكسي”، وهي الوسيلة الجديدة التي باتت تستخدمها شبكات التهريب لتنفيذ عمليات العبور. وقد شهدت سواحل شمال فرنسا، بين الخميس 12 والجمعة 13 حزيران/يونيو 2025، محاولات عبور بحر المانش نحو المملكة المتحدة، وسط تعبئة مكثفة من السلطات الفرنسية التي أنقذت نحو 99 مهاجرا، وفق ما أعلنت عنه المحافظة البحرية للمانش وبحر الشمال.

ورغم تدخلات الإنقاذ، تؤكد البيانات البريطانية أن 919 مهاجرا نجحوا في الوصول إلى الشواطئ البريطانية يوم الجمعة فقط، على متن 14 قاربا، في مؤشر جديد على تصاعد وتيرة العبور.وبحسب الأرقام الرسمية، بلغ عدد الوافدين عبر المانش خلال أسبوع واحد (بين 8 و14 حزيران/يونيو) حوالي 1,505 أشخاص، ليرتفع إجمالي الواصلين منذ بداية 2025 إلى 16,545 مهاجرا، بزيادة بلغت 45% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

مع تحسن الأحوال الجوية في بحر المانش، تواجه الشرطة الفرنسية صعوبات متزايدة في التصدي للمحاولات المتكررة للعبور. وبحسب السلطات البريطانية، فإن “الوضع يتدهور” رغم الإجراءات الأمنية، مما يشير إلى فشل نسبي في كبح جماح هذه الظاهرة.

ورغم إعلان السلطات الفرنسية أنها تعترض أكثر من ثلثي القوارب قبل دخولها المياه الدولية، تشير المعطيات، من بين ما أوردته BBC، إلى تغييرات في تكتيكات المهربين، الذين باتوا يعتمدون على أساليب أكثر مرونة، من خلال إطلاق القوارب من مواقع نائية وغير مراقبة، على بعد عشرات الكيلومترات من السواحل التقليدية.

تُبحر هذه القوارب على طول الساحل، كما لو كانت “سيارات أجرة بحرية”، تلتقط المهاجرين الذين ينتظرون في مواقع مختارة مسبقًا، غالبًا داخل المياه، لتفادي الدوريات البرية. وتُعرف هذه القوارب باسم “قوارب التاكسي”، وهي من أبرز ملامح التحول النوعي في عمل شبكات التهريب، التي باتت أكثر تنظيمًا وسرعة من أي وقت مضى.

يبدو أن نظام “قوارب التاكسي” يمنح المهربين قدرًا أكبر من السيطرة على ما كان في العادة عملية فوضوية وخطيرة، حيث كانت الحشود الكبيرة تجر القوارب إلى الماء ثم تندفع للصعود إليها. في ظل تصاعد عمليات العبور غير النظامي عبر بحر المانش، تجد فرنسا نفسها تحت ضغط متزايد لإثبات فعاليتها في الحد من تدفق المهاجرين نحو المملكة المتحدة.

وللقيام بمهمتها، تبنت الشرطة الفرنسية، مؤخرا، إجراءات مشددة على السواحل الشمالية من خلال استخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع إلى جانب تعزيز الانتشار الأمني. وفي أحدث مشهد يُسلط الضوء على تعقيد الوضع، وثّق مصور بريطاني مشاهد لقوات فرنسية وهي تستخدم القوة لمنع مهاجرين من الصعود على متن قارب مطاطي فجر الجمعة 13 حزيران/ يونيو قرب مدينة غرافلين. وتُظهر الصور رجال شرطة يرتدون معدات ثقيلة، يرشون مهاجرين بالغاز وهم في مياه ضحلة، فيما تصاعدت أصوات الصراخ وبكاء الأطفال في لحظة وُصفت بـ”الفوضوية”، حسب ما أشارت إليه “Franceinfo”.

كما تعتزم فرنسا تعديل القواعد القانونية التي تحدّ حاليا من تدخل قواتها في عرض البحر. ووفق وثيقة اطلعت عليها وكالة “رويترز”، تخطط وزارة الداخلية الفرنسية لتفعيل “عقيدة بحرية” جديدة اعتبارا من تموز/ يوليو المقبل، تتيح اعتراض القوارب على مسافة تصل إلى 300 متر من الساحل، حتى في حال عدم وجود خطر مباشر على الأرواح.

وقال العقيد أوليفييه ألاري، المسؤول عن مراقبة الحدود البحرية، لـ”BBC” إن هذا التعديل ضروري “لتفادي الفوضى” و”لمنع عمليات العبور قبل أن تصبح أكثر خطورة في عرض البحر”، مشيرا إلى أن رجال الشرطة يمكنهم تقديم أداء أفضل إذا ما تم تحديث قواعد الاشتباك.

ومن المرجح أن يتم الإعلان عن هذه الإجراءات الجديدة خلال القمة البريطانية-الفرنسية المرتقبة الشهر المقبل، في محاولة لطمأنة لندن بأن الشراكة الأمنية لا تزال فعالة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *