
أكد الملياردير إيلون ماسك أنه لن يبتعد عن دائرة ترامب، بل سيحافظ على علاقة وثيقة ومستدامة معه حتى بعد تنحيه عن منصبه الحكومي، وذلك في ختام المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل رحيل أغنى رجل في العالم عن الإدارة الأميركية.
وشدد ماسك على أن التعاون بينهما لم ينتهِ مع انتهاء الفترة الرئاسية، بل سيمتد لما بعد ذلك، معبراً عن التزامه بالبقاء شريكًا فاعلاً في المبادرات والمشاريع التي يدعمها ترامب.
وجاء هذا التأكيد خلال احتفال رسمي نظمته إدارة ترامب بمناسبة آخر يوم لماسك في فريق الإدارة، وهو ما يعكس عمق العلاقة والتفاهم المشترك بين الطرفين، ويؤكد أن تأثيرهما المشترك سيظل حاضرًا ومؤثرًا في تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي في المرحلة المقبلة.
ماسك يعلن استمراره كمستشار وثيق لترامب
في تصريحات حصرية خلال المؤتمر الصحفي، أكد إيلون ماسك أنه سيواصل زياراته المنتظمة إلى البيت الأبيض، ويظل صديقًا ومستشارًا مقربًا للرئيس دونالد ترامب، الذي أكد بدوره أن ماسك “لن يغادر فعليًا” ولا يزال جزءًا من دوائر صنع القرار.
وأشاد ترامب مرارًا بماسك، واصفًا جهوده بقيادة وزارة كفاءة الحكومة بـ”التغيير الجذري” الذي أحدثته هذه الوزارة الجديدة. وقال للصحفيين: “سيظل يتنقل بين هنا وهناك، لدي إحساس قوي بأنه سيعود مرارًا وتكرارًا، فهذا المشروع هو مشروعه الخاص، وسيواصل قيادة العديد من المبادرات المهمة التي تخدم مستقبل البلاد”.
وتأتي مغادرة ماسك للبيت الأبيض بعد أن وجه هذا الأسبوع انتقادات علنية لتكلفة مشروع قانون ترامب الرئيسي، كما أعلن في بداية الشهر الحالي نيته تقليص إنفاقه السياسي بشكل ملحوظ، ما أثار تساؤلات حول مستقبله السياسي.
وكان ترامب قد عين ماسك، أغنى رجل في العالم، ليتولى قيادة وزارة كفاءة الحكومة التي تم تأسيسها حديثًا هذا العام، عقب إنفاق ماسك أكثر من 250 مليون دولار لدعم حملة انتخاب ترامب.
وقد شغل ماسك هذا المنصب بصفته موظفًا حكوميًا خاصًا، ولم يتقاضَ أجرًا مقابل ذلك، كما كانت فترة خدمته محدودة بواقع 130 يومًا فقط.
وقد أقر ماسك بأنه لم يحقق هدفه الطموح في خفض الإنفاق الحكومي بمقدار تريليون دولار، لكنه نفذ تخفيضات جذرية يمكن أن تترك أثرًا مستدامًا، شملت إلغاء بعض الوكالات بالكامل وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين.
ومع ذلك، لا تزال العديد من هذه القرارات قيد الطعن والمراجعة في المحاكم، ما يضفي ي حالة من الغموض حول مستقبل تنفيذها الكامل.
إلغاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) وتأثيره الكارثي
أقدمت إدارة ترامب، من خلال وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، على خطوة جذرية تمثلت في إنهاء أكثر من 80% من المنح والعقود المخصصة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وهي الجهة الرئيسية التي تدير الدعم الأميركي لمشاريع التنمية والصحة حول العالم.
وقد كان لهذا القرار تداعيات حادة وعميقة على تمويل برامج الصحة العالمية، حيث تسبب في تقليص الموارد بشكل خطير، ما أدى إلى تعطيل العديد من المبادرات الحيوية التي تهدف إلى مكافحة الأمراض وتوفير الغذاء والدعم الطبي في المناطق الأكثر ضعفًا.
وبحسب تقديرات أستاذة الصحة العالمية في جامعة بوسطن، بروك نيكولز، فإن هذه التخفيضات الضخمة ربما تسببت في وفاة ما يقارب 300 ألف شخص حول العالم، معظمهم من الأطفال الذين تجاوز عدد وفياتهم 200 ألف حالة، وذلك نتيجة لأمراض يمكن الوقاية منها مثل سوء التغذية والملاريا.
وتسلط هذه الأرقام المروعة الضوء على الكلفة البشرية الحقيقية لهذه السياسات، والتي قد تمتد آثارها لأعوام مقبلة، مع تدهور الوضع الصحي في البلدان المتضررة.
ورغم هذه التقديرات والبيانات التي تشير إلى أضرار جسيمة، رفضت إدارة البيت الأبيض تحميل هذه القرارات المسؤولية عن أي وفيات. ففي تصريحات أمام أعضاء مجلس النواب، أكد وزير الخارجية ماركو روبيو في وقت سابق من هذا الشهر أن “لا أحد توفي بسبب هذه التخفيضات”، في موقف يتناقض مع الأرقام والتقارير التي صدرت عن خبراء الصحة العالمية، ما أثار جدلاً واسعًا حول شفافية الحكومة الأميركية ومسؤوليتها تجاه نتائج سياساتها الخارجية.
تحديات قانونية تواجه تسريحات ماسك في وزارة كفاءة الحكومة
تواجه قرارات ماسك بتسريح عشرات الآلاف من موظفي الحكومة الفيدرالية، خلال فترة قيادته لوزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، موجة من التحديات القانونية المستمرة في المحاكم.
فقد ألغت السلطات القضائية آلاف حالات الفصل، وسط سلسلة من الدعاوى القضائية التي رفعتها ولايات عدة ضد ماسك والوزارة، متهمة إياهم بممارسات غير قانونية تتعلق بالوصول إلى بيانات حكومية حساسة، حيث رفض قاضٍ هذا الأسبوع طلبًا برفع دعوى ضد ماسك ووزارة كفاءة الحكومة تقدم بها 14 ولاية.
ومنذ بداية ولاية ترامب، تم فصل أكثر من 260 ألف موظف فيدرالي، عبر تسريحات مباشرة أو برامج خروج طوعي وتقاعد مبكر، وهو رقم غير مسبوق يتجاوز بكثير الرقم القياسي السابق البالغ 195 ألف موظف الذين تم تسريحهم خلال عام واحد في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور، حسب تقرير وكالة رويترز.
وعلى صعيد متصل، أوقفت المحكمة العليا الشهر الماضي تنفيذ أمر قضائي أصدره قاضٍ في سان فرانسيسكو يلزم الحكومة بإعادة أكثر من 16 ألف موظف في فترة التدريب — وهم من الموظفين الجدد — تم فصلهم من قبل 6 وكالات حكومية مختلفة، ما يعكس تعقيدات وأبعاد هذه الإجراءات على صعيد القضاء والإدارة.
وفي الوقت نفسه، وصفت الكاتبة ميشيل غولدبيرغ، في عمودها بصحيفة نيويورك تايمز، أداء وزارة كفاءة الحكومة بأنه “فشل ذريع”، مشيرة إلى أن عمليات الفصل المتكررة، وإعادة التوظيف، والاستخدام المكثف للإجازات الإدارية المدفوعة الأجر، وما ترتب على ذلك من تراجع في الإنتاجية الحكومية، قد تتسبب في خسائر مالية هائلة تتجاوز 135 مليار دولار هذا العام، وفقًا لتقرير منظمة (Partnership for Public Service).
تقلبات وأخطاء في أهداف وزارة كفاءة الحكومة بقيادة ماسك
كان ماسك قد أعلن بثقة عالية خلال حملة ترامب الانتخابية عن نيته تحقيق وفر هائل يصل إلى تريليوني دولار من ميزانية الإنفاق الفيدرالي الأميركية. غير أن هذه الطموحات الكبيرة شهدت تراجعًا تدريجيًا مع تقدمه في مهامه؛ إذ خفض هدفه لاحقًا إلى تريليون دولار عند تعيينه رئيسًا لوزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، قبل أن يقلص التوقعات بشكل أكبر الشهر الماضي معلنًا عن تقدير وفر يقارب 150 مليار دولار فقط، وهو رقم أقل بكثير من الطموحات الأولية التي أُعلن عنها.
هذا التذبذب في الأهداف يعكس تحديات كبيرة واجهها ماسك ووزارة كفاءته، حيث ظهرت العديد من القضايا المتعلقة بالمصداقية والدقة في التقارير التي أصدرتها الوزارة.
فقد تعرض الموقع الرسمي للوزارة لانتقادات لاذعة بسبب عدد من الأخطاء الجسيمة في حسابات التوفير، من ضمنها احتساب نفس المبالغ أكثر من مرة ضمن عقود مختلفة، والادعاء بإلغاء منح كانت قد أُلغيت بالفعل منذ سنوات، ما يثير علامات استفهام حول شفافية وموثوقية الأرقام المعلنة.
كما لوحظ استخدام الوزارة لمصطلحات مبالغ فيها، حيث استُخدمت كلمة “مليارات” لوصف مبالغ مالية لا تتجاوز ملايين الدولارات.
علاوة على ذلك، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الوزارة عمدت إلى تعديل طريقة إعداد تقاريرها العامة، في خطوة يُعتقد أنها تهدف إلى تعقيد عملية تدقيق الأخطاء وجعلها أقل وضوحًا أمام الجمهور والمراقبين، مما أثار مخاوف حول محاولة التعتيم على أوجه القصور في الأداء.
كل هذه العوامل تشير إلى أن وزارة كفاءة الحكومة واجهت صعوبات جوهرية في تحقيق أهدافها الطموحة، وسط انتقادات حادة لمصداقية بياناتها وأساليب عملها.
ثروة ماسك وتراجع شعبيته
تُقدّر فوربس صافي ثروة إيلون ماسك الآن بنحو 428.6 مليار دولار، ما يضعه في صدارة قائمة أثرياء العالم وأكثرهم نفوذًا في مجالات التكنولوجيا والأعمال.
وقد بنى ماسك هذه الثروة الضخمة بفضل نجاحاته المتعددة في شركات كبرى مثل “تيسلا” و”سبيس إكس”، إلى جانب استثماراته الواسعة التي عززت مكانته كرمز عالمي للابتكار وريادة الأعمال.
لكن رغم هذا النجاح المالي الهائل، لم تكن شعبيته تسير على نفس المنوال. فقد شهدت صورة ماسك العامة تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. ووفقًا لبيانات نشرتها منصة “سيلفر بوليتن” للخبير نيت سيلفر، بلغ صافي تقييم شعبيته -14 نقطة، وهو انخفاض حاد بمقدار 20 نقطة منذ يناير/كانون الثاني من العام الماضي.
ويُعزى هذا التراجع في الغالب إلى قراراته المثيرة للجدل، ومواقفه السياسية، وتأثيره المتزايد على النقاشات العامة، ما جعله شخصية مثيرة للانقسام بين من يعتبره نموذجًا للنجاح، ومن يرى فيه رمزًا للنفوذ المفرط والمواقف الجدلية.
فوربس ترجمة: مهند أنسي