باحثون ينجحون في تحسين سلالة من ذباب الجندي الأسود.. تصلح طعاماً للبشر

نجح فريق بحثي من المنظمة اليابانية للزراعة والبحوث الغذائية (NARO) وجامعة طوكيو، في تحسين محتوى الأحماض الأمينية الأساسية في يرقات ذبابة الجندي السوداء عبر تقنيات متقدمة في مجال التكنولوجيا الحيوية.  وبحسب النتائج المنشورة في دورية Journal of Insects as Food and Feed، يتوقع أن تساهم في تعزيز الاعتماد على يرقات الذبابة الجندي السوداء كمصدر بروتيني جديد ومستدام.

وتُعتبر يرقات ذباب الجندي السوداء من أبرز البدائل الحيوية للحصول على البروتين، وذلك بفضل قدرتها على تحويل المخلفات العضوية إلى بروتين غني وعالي الجودة.  لكن البروتين الناتج من هذه اليرقات لا يحتوي على بعض الأحماض الأمينية الأساسية، مثل الهيستيدين والميثيونين، مقارنةً بمسحوق السمك الذي يُستخدم بشكل واسع كمصدر بروتيني.

في هذا البحث، قام العلماء بتثبيط التعبير الجيني لبروتين HiNATt، المسؤول عن إخراج الأحماض الأمينية الزائدة في يرقات الذبابة.  وعادةً ما تقوم اليرقات بإفراز الأحماض الأمينية التي لا تحتاج إليها، مما يقلل من قيمتها الغذائية، إلا أن تثبيط هذا الجين ساهم في زيادة كمية الأحماض الأمينية المحتفظ بها في أجسام اليرقات بنسبة 1.8 مرة، كما زادت مستويات الهيستيدين والميثيونين بنسبة تفوق 2.5 مرة، مما يعزز من قيمتها الغذائية كمصدر للأعلاف الحيوانية.

بشكل عام؛ تعتبر الحشرات مصدراً غنياً بالبروتين والعناصر الغذائية الأساسية كالدهون الصحية، والألياف، والمعادن مثل الحديد والزنك، وتجعل الخصائص الغذائية، إلى جانب سرعة تكاثرها وسهولة تربيتها، الحشرات خياراً مستداماً مقارنة بالمصادر التقليدية مثل اللحوم. 

كما أن الحشرات تستهلك كميات أقل من الماء والأراضي، وتنتج انبعاثات كربونية أقل، مما يساهم في تقليل الآثار البيئية التي ترافق إنتاج البروتين الحيواني التقليدي، خاصة في ظل التحديات البيئية والزيادة السكانية التي تزيد من الضغط على الموارد الطبيعية.

وهناك مجموعة واسعة من الحشرات التي تعتبر صالحة وآمنة للاستهلاك البشري، ومنها الجراد، والخنافس، ودود القز، ويرقات الذبابة الجندي السوداء، والصراصير.  وغالباً ما تكون هذه الحشرات غنية بالعناصر الغذائية، ويسهل تربيتها وإعدادها للاستهلاك البشري؛ وتقوم منظمات مثل “منظمة الأغذية والزراعة” (FAO) بإصدار توجيهات بشأن أنواع الحشرات الآمنة للاستهلاك البشري وطرق تربيتها ومعالجتها بطريقة صحية.

وتتناول الكثير من الشعوب حول العالم الحشرات كجزء من ثقافتها الغذائية التقليدية. في دول مثل تايلندا والصين، تُعد الحشرات وجبات عادية، ويتم تقديمها بطرق مختلفة، مثل القلي أو الشوي أو الطهي مع التوابل. 

وفي إفريقيا أيضاً، تُعد بعض الحشرات مثل الجراد جزءا من النظام الغذائي الشعبي في بعض المجتمعات، وتُعتبر طعاماً لذيذاً وذو قيمة ثقافية وغذائية في هذه المناطق، وهناك اتجاه عالمي متزايد للاعتماد عليها كمصدر غذائي مستدام.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” لا تشكل الحشرات مصدراً للغذاء فحسب، بل يمكنها أن توفر أيضاً سبل العيش والدخل؛ فتربية الحشرات تتطلب مساحة صغيرة، بالإمكان ممارستها في المناطق الحضرية والريفية على السواء، الأمر الذي يمنحها مزايا تفتقر إليها أنواع التربية الأخرى. 

علاوة على ذلك، يسهل نقل الحشرات الصالحة للأكل وتربيتها في الكثير من الأحيان من دون الحصول على تدريب معمّق. ولذلك، تتيح تربية الحشرات فرصاً اقتصادية للأشخاص الذين يتمتعون بقدرة محدودة على الوصول إلى الأراضي والتدريب والموارد الأخرى.

ويأمل الباحثون أن تساهم هذه النتائج في تعزيز استخدام الحشرات كمصدر بروتيني مستدام، لا سيما في ظل النمو السكاني المتزايد والحاجة الملحة لمصادر بروتينية جديدة ومستدامة. 

وفي ضوء تزايد عدد سكان العالم، يواجه المجتمع الدولي تحديات مستقبلية كبيرة فيما يتعلق بالأمن الغذائي، أبرزها الأزمة المتوقعة في توفر البروتين. 

ويأتي دور الحشرات كمصدر بروتيني جديد وواعد، حيث تتسم بمحتواها العالي من البروتين وتتطلب كميات أقل من المياه والمساحات للنمو.

وتوضح النتائج التي توصل إليها الباحثون إمكانية تعزيز مستويات الأحماض الأمينية في يرقات الذبابة دون الحاجة إلى تغيير نظامها الغذائي، مما يزيد من قيمتها الغذائية والاقتصادية كبديل محتمل لمصادر البروتين التقليدية. هذا التطور يُعد مساهمة كبيرة في تحقيق استقرار الإمدادات الغذائية وتعزيز الإنتاج الغذائي المستدام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *