تقرير أممي يكشف تحركات الحوثيين لزعزعة استقرار المنطقة

كشف تقرير جديد صادر عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الخاصة باليمن في مجلس الأمن الدولي عن مزيد من الممارسات الحوثية المريعة التي تهدد السلم والأمن المحلي والدولي في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وتضمنت الوقائع المعلن عنها سلسلة من السلوكات الحوثية “القمعية والتحالفات الانتهازية” التي تجمعهم بتنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب وحركة “الشباب” الصومالية.

وكان من اللافت في تقرير فريق الخبراء لهذا العام الكشف عن التحالف الحوثي الوثيق مع تنظيم “القاعدة” الذي استند إلى مصادر استخباراتية، مؤكداً أن هذا التحالف “يتجاوز مجرد التعاون الأمني والاستخباراتي ليشمل تبادل الأسلحة والتدريب العسكري”، وهو تطور خطر يكشف مدى التهديد الأمني المتنامي للدولة اليمنية في ظل تحذيرات سابقة للحكومة الشرعية مما وصفته “التخادم الحوثي مع تنظيمي ’القاعدة‘ و’داعش‘ ضد الشعب اليمني وجيشه وحكومته”.

ووفقاً للتقرير قامت ميليشيات الحوثي بتزويد تنظيم “القاعدة” بأسلحة متطورة بما في ذلك طائرات مسيرة وصواريخ حرارية، إضافة إلى تقديم تدريب لمقاتلي التنظيم.

وتأكيداً لمستوى التخادم أكدت المعلومات الاستخباراتية أن القاعدة استخدمت هذه الأسلحة في هجمات إرهابية ضد القوات الحكومية في محافظتي أبين وشبوة، اللتين شهدتا خلال الفترة الماضية عمليات متقطعة للتنظيم تضمنت هجمات مباغتة راح ضحيتها العشرات من الجنود والمدنيين وعدد من القادة رفيعي المستوى داخل الجيش التابع للحكومة الشرعية، ضمن اختراقات أمنية متكررة عززها حال الانقسام الرأسي الذي تعانيه الحكومة والقوى المنضوية تحت لوائها.

وكشف تقرير الخبراء الدوليين المعني باليمن عن تعاون متصاعد بين الحوثيين وتنظيم “القاعدة” والجماعات الإرهابية في الصومال.

وعدَّ التقرير هذا التطور “ثمرة تصاعد وتيرة العنف بعد حرب غزة والتأثير السلبي في جهود السلام اليمنية”، وأكد أن الحوثيين اتفقوا مع الجماعات الإرهابية على وقف النزاع الداخلي ونقل الأسلحة والتنسيق في شأن الهجمات ضد قوات الحكومة. ولفت التقرير إلى زيادة في أنشطة التهريب بما في ذلك تهريب الأسلحة الصغيرة والخفيفة بين الحوثيين وحركة “الشباب” الصومالية، وحسب معلومات الفريق فهناك “مؤشرات إلى وجود إمدادات عسكرية مشتركة أو مورد مشترك”.

وكشف الفريق الأممي عن تصاعد التعاون بين ميليشيات الحوثي وعدد من الجماعات المسلحة في العراق ولبنان، وتطرق في هذا الشأن إلى استغلال الحوثيين الوضع الإقليمي وتعزيز تعاونهم مع “محور المقاومة” التابع لإيران في المنطقة.

وأكد الفريق أنهم يتلقون مساعدة تقنية وتدريبات بالأسلحة والدعم المالي من إيران والجماعات المسلحة العراقية و”حزب الله” اللبناني، إضافة إلى “إنشاء مراكز عمليات مشتركة في العراق ولبنان تضم تمثيلاً حوثياً بهدف تنسيق الأعمال العسكرية المشتركة”.

واتضح من التحقيقات أن جماعات عراقية مثل “كتائب حزب الله” و”كتائب سيد الشهداء” و”حركة النجباء” تقدم دعماً مباشراً للحوثيين في مجالات التدريب والتسليح وجمع التبرعات.

وأكد الفريق أن جماعات مسلحة عراقية تنظم حملات تبرعات لدعم الحوثيين بإشراف قيادات محلية بارزة مثل أمير الموسوي المتحدث باسم “تجمع شباب الشريعة” الخاضع لسيطرة “كتائب حزب الله”، وتطرقت مصادر أخرى إلى دور شحنات النفط التي ترسل من العراق لدعم أنشطة الحوثيين مالياً، خلال وقت يعاني المواطنون في مناطق سيطرة الميليشيات نقصاً كبيراً في الوقود.

وبحسب التقرير يتلقى الحوثيون تدريبات عسكرية تحت إشراف خبراء من “الحشد الشعبي” في معسكرات خاصة مثل مركز بهبهان التدريبي في منطقة جرف الصخر، حيث يتم تدريب مقاتلين حوثيين على تقنيات عسكرية متقدمة تستهدف تعزيز قدراتهم البحرية بما في ذلك استهداف السفن داخل البحر الأحمر، ولفت إلى أن نقل المقاتلين يتم باستخدام جوازات سفر مزورة وأن هذه الأنشطة تضاعفت منذ إعادة فتح مطار صنعاء خلال عام 2022.

وبيَّن التقرير تصاعد التنسيق العسكري بين الحوثيين والجماعات المسلحة العراقية خلال الأشهر الأخيرة، إذ أطلق الطرفان هجمات مشتركة على مدن إسرائيلية مثل حيفا وأشدود خلال يونيو (حزيران) 2024.

ونقلت مصادر سرية أن الحوثيين يخططون لشن هجمات أخرى بالتعاون مع “المقاومة الإسلامية في العراق” انطلاقاً من مرتفعات الجولان.

وتناول الفريق الدور الرئيس للقيادي الحوثي أحمد الشرفي المعروف باسم “أبو إدريس” الذي يعد أحد القادة البارزين في هذا التعاون، فهو مؤسس أول مصنع عسكري للحوثيين في صعدة ويتولى مسؤولية شراء العتاد وترتيب دورات تدريبية للمقاتلين الحوثيين بالتعاون مع الجماعات المسلحة العراقية، إلى جانب تنظيم زيارات قادة حوثيين طائفيين إلى بغداد.

وخلال الآونة الأخيرة أشارت المصادر إلى نقل الشرفي أنشطة الحوثيين إلى مكاتب رسمية في بغداد والنجف وعقده لقاءات مع مسؤولين عراقيين رفيعي المستوى، كان أبرزها اجتماعه ومستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي خلال يونيو 2024. ولفت الفريق إلى أن هذه التحركات تشير إلى سعي الحوثيين لتعزيز نفوذهم في العراق وتحقيق مصالح مشتركة في المنطقة.

وعلى صعيد القتال الداخلي أشار التقرير إلى تكثيف الحوثيين عملياتهم ضد قوات الحكومة الشرعية محاولين إحراز تقدم على جبهات عدة، ولتحقيق هذه الغاية كشف أنهم يجندون “أعداداً كبيرة من الشباب والأطفال اليمنيين والمهاجرين غير النظاميين والمرتزقة من القبائل الإثيوبية”.

وفي ظل تفاقم الجوع والمرض والنزوح بين ملايين اليمنيين داخل مناطق سيطرتهم أكد التقرير السنوي الجديد للخبراء التابعين للجنة العقوبات، أن الحوثيين “مستمرون في التصعيد العسكري لمواجهة المطالبات بصرف رواتب الموظفين المقطوعة منذ نهاية عام 2016″، متهماً الجماعة بالاستمرار في تهريب الأسلحة وتعذيب المعتقلين واغتصاب الأطفال.

التقرير الجديد ذكر أن الحوثيين وتحت ضغط إضرابات الموظفين في مختلف القطاعات للمطالبة بدفع رواتبهم، دأبوا على إصدار بيانات مهددة “كورقة مساومة لتعزيز موقفهم في المحادثات الجارية خصوصاً ما يتعلق بمسألة الرواتب”.

ووصف التقرير المطالب التي يقدمها الحوثيون شرطاً للموافقة على أية مقترحات سلام بأنها تستند دائماً إلى اعتبارات اقتصادية في المقام الأول، وتشمل هذه المطالب رفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة ودفع الرواتب بما في ذلك رواتب أفراد الجيش وقوات الأمن، والحصول على حصة كبيرة من إيرادات النفط.

وعلى صعيد السلام المنتظر في البلد المعذب بالصراع يرى الفريق أن حل النزاع في اليمن “مستعصي” وعملية طويلة الأمد، وأن التسوية السلمية الشاملة قد لا تكون ممكنة في المستقبل القريب، إلا أنه عاد وقال “ينبغي تشجيع التوصل إلى اتفاقات في شأن عدد قليل من المسائل الأقل إثارة للجدل واستكمالها بتدابير أخرى لبناء الثقة من أجل المحافظة على الانفراج الحالي وتوسيع نطاقه”.

ووفق التقرير فإنه “بالنظر إلى تدخل جهات فاعلة إقليمية ودولية يتضاءل احتمال انخراط الحوثيين في حرب شاملة أخرى على رغم التصريحات المهددة”، وقال الفريق إنهم سيواصلون بالأحرى سياساتهم التصعيدية “المحسوبة” وقد يزيدون من الهجمات على جبهات عدة لحل مشكلة دفع الرواتب، بيد أنهم سيلتزمون إجمالاً بإطار التقارب السعودي – الإيراني.

و”في ظل الظروف الراهنة قد يكون من مصلحة جميع الأطراف الاتفاق على وقف رسمي لإطلاق النار وحل المسائل العالقة بما في ذلك المسائل المتعلقة بدفع الرواتب واستئناف صادرات النفط من جانب الحكومة وتخصيص الموارد”، بحسب ما ذكر الفريق.

وتحقيقاً لتلك الغاية (اتفاق السلام) اقترح الخبراء تجنب حدوث أي جمود في المحادثات الحالية، لأن ذلك “يمكن أن يعني العودة إلى المواجهات العسكرية ووقوع مزيد من الخسائر بين المدنيين”.

ووفقاً لما خلص إليه، فإنه من المهم أن يعتمد أصحاب المصلحة المعنيون خطة متعددة المراحل تأخذ في الاعتبار متغيرات السياق وينبغي أن تعطى الأولوية في هذه المرحلة للتوصل إلى وقف رسمي لإطلاق النار، ومن ثم سيكون من المهم الاتفاق على اعتماد تدابير تدريجية ومتبادلة لبناء الثقة في شأن المسائل الأقل إثارة للجدل من أجل تحقيق الهدف.

وعلى خلاف حديثها عن مناصرة الفلسطينيين، كشف فريق التحقيق التابع للجنة العقوبات المعنية باليمن في مجلس الأمن الدولي أن جماعة الحوثي يجني أفرادها نحو 180 مليون دولار شهرياً جبايات من وكالات شحن بحري “مقابل عدم اعتراض سفنها التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن”.

وقال الفريق إنه تلقى معلومات عن قيام وكالات شحن بحري بالتنسيق مع شركة تابعة لقيادي حوثي رفيع المستوى، موضحاً أنه يتم إيداع الرسوم في حسابات مختلفة من خلال عمليات مصرفية وتسويات تنطوي على غسل الأموال القائم على التجارة”، مؤكداً أنه لا يمكن توقيع اتفاق خريطة الطريق إلا عندما يصبح الوضع الإقليمي مواتياً ويتوقف الحوثيون عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر، وأشار إلى ضرورة معالجة التحديات الاقتصادية القائمة منذ فترة طويلة التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن قبل أن تتحول إلى حرب شاملة.

وفي توصياته المقدمة لمجلس الأمن الدولي قال التقرير “يشدد فريق الخبراء على أن العقوبات المفروضة على الحوثيين لن تحقق تأثيراً ملموساً ما لم تشمل الشبكات الإقليمية الداعمة لهم”.

ولتحقيق ذلك أوصى بضرورة اتخاذ إجراءات لقطع التدفق المالي والعسكري المقدم من الجماعات المسلحة العراقية، واتخاذ تدابير شاملة لوقف التهديدات الأمنية الناجمة عن تصاعد هذا التعاون العسكري بين الحوثيين والجماعات المسلحة في العراق ولبنان، إذ إن هذا الدعم يشكل انتهاكاً صريحاً لحظر الأسلحة والعقوبات المالية المفروضة من مجلس الأمن”.

ولم يتسن لـ”اندبندنت عربية” الحصول على تعليق من الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من محافظات الشمال اليمني، كما لم يصدر تعليقاً من جانبهم بشأن التقرير، لكن الجماعة كما جرت عادتها تنفي كل التهم المنسوبة إليها، كما هي الحال بتعليق سابق لها إزاء إحاطة مماثلة، وصفت ما جاء فيها بـ “المغالطات التي وقع فيها فريق الخبراء الذي اتكأ على مصادر غير قانونية”، وأعلنت حينه عن “تحفظها على الادعاءات الواردة والعمل على تفنيدها والرد عليها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *