عراقيون يبحثون عن كنوز داعش  بين الأنقاض والمفخخات

برغم هزيمة تنظيم داعش، ونجاح الجيش العراقي في طرد مسلحيه من الأراضي التي استولوا عليها سابقاً، إلا أن “إرث” التنظيم المتطرف لا يزال موجوداً بين العراقيين حتى الآن. لا نتحدّث فقط عن حجم الدمار الذي نتج عن الحرب ولا كمِّ الخسائر التي مُني بها العراق في سبيل التخلُّص من داعش، ولكن عمّا خلّفه التنظيم فعليا من كنوز سرقها من البنوك والشركات والأفراد، ولم يكن باستطاعة أفراده الهرب بها، فخبأوها في البيوت أو تحت الأرض.

وعقب انتهاء المعارك، وعودة الهدوء إلى الأماكن المحررة، بات البحث عن هذه الكنوز هدفاً مثالياً لعدد من العراقيين، الذين أرغمتهم الحرب على العيش في أوضاع اقتصادية كارثية.

 

في مقالةٍ له، اعتبر باتريك كوكبيرن، المراسل الحربي الأيرلندي، أن البحث عن أموال داعش بات أحدث عقبة تعرقل جهود إعادة تعمير الموصل، بعدما فضّل بعض المسؤولين الحكوميين التعامُل بحذر مع أنقاض المنازل المدمرة خوفاً من ضياع أي كنوز أو أموال خبّأها مقاتلو داعش أسفلها.

أيضاً، فإن السُلطات باتت تنظر بعين الريبة إلى كل شخص يسعى لإصدار تصريح إعادة بناء أي منزل في الموصل، لذا فإنها   تستغرق وقتاً طويلاً لفحصه بكل دقة.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، قدّر خبراءٌ حجم الثروات التي بقيت بين أيديْ داعش بعد هزيمة التنظيم بـ500 مليون دولار أميركي. وسيطر التنظيم أيضا على حقول النفط والمناجم والمصانع والمزارع في مناطق بالعراق وسوريا، ما أمّن له تدفق كبير للأموال على خزائنه طيلة فترة حُكمه.

يقول التقرير إن بعض هذه الكنوز تُركت عمداً كي تُستخدم في تمويل عمليات إعادة بناء التنظيم، وإطلاق أعمال عنف في المناطق المحررة تشمل جرائم الاغتيالات والتفجيرات ومحاولات استهداف ضباط الشرطة والوزراء وزعماء العشائر.

 

حتى اليوم، وبعد مرور سنواتٍ على إسقاط الخلافة، لا تزال عمليات إعادة إعمار الموصل تحمل المفاجآت أحياناً، بعدما تمكّن عددٌ من سعداء الحظ من العثور على بعض الكنوز المدفونة تحت الأرض.

في 2019، قُبض على محمد علي ساجت، عديل البغدادي (متزوج من أخت زوجته). وفي لقاءٍ تلفزيوني مع قناة “العربية” السعودية، أكّد أنه دفن نقوداً وسبائك ذهب وفضة تُقدر قيمتها بما يزيد عن 15 مليون دولار في منطقة صحراوية على أن يعود مع رجاله إليها فيما بعد، لكنهم اكتشفوا لاحقاً أن عدداً من رعاة الغنم سرقوها.

واقعة شبيهة تناولتها صحف محلية عراقية، وهي أن مقاتلي داعش خبأوا مشغولات ذهبية تتجاوز قيمتها 17 مليار دولار في صحراء نينوى إلا أنهم فوجئوا بسرقتها، ما اضطر المقاتلين للدخول في مفاوضات صعبة مع الرُعاة اتفقوا بعدها إلى تقاسم المبلغ. ونقل ذات التقرير عن أحد شيوخ عشائر نينوى أن عدداً من القيادات الأمنية مارست ضغوطاً على رعاة الغنم في تلك المنطقة من أجل البحث عن أي كنوز مخبأة لداعش وتقاسمها.

رغم مبالغة هذه التقارير في تقدير قيمة هذه المشغولات، إلا أنها تبقى مؤشراً على حالة “الأسطرة” التي باتت تمتلكها كنوز داعش في الساحة العراقية، وكيف أنها باتت مقصداً للكثيرين.

ونقلت “واشنطن بوست” عن مسؤولين عراقيين أن واحداً من كنوز داعش عُثر عليه تحت تلة رملية في صحراء كركوك.

كنزٌ مشابه عثر عليه عمّال بناء خلال قيامهم بترميمات لمبنى جامعة الموصل في 2018 لإصلاحه من آثار القصف الذي تعرّض له خلال المعارك بين مقاتلي داعش والجيش العراقي. وقدرت قيمة هذا الكنز بـ10 ملايين دولار تقريباً.

وعقب نجاح داعش في السيطرة على الموصل، اتّخذ التنظيم من الجامعة مقرّاً حكوميّاً، بما في ذلك مركزا لـ”ديوان الحسبة وبيت المال” التابع له، الأمر الذي سمح لهذا المبنى بأن يستضيف كميات كبيرة من الأموال المملوكة للتنظيم.

ومنذ عامين، وبينما كانت إحدى الحفارات تزيل منزلاً في الموصل القديمة، عثرت على براميل وأكياس مخبأ فيها 1.6 مليون دولار وعملات ذهبية وفضية. هذه الأموال استخدمها التنظيم لتمويل عمليات انسحابه من المدينة، حسبما ذكرت وزارة الداخلية العراقية.

 

حكى إياد، وهو ضابط سابق في الجيش العراقي، لـ”الجارديان”، أنه تلقّى اتصالاً من رجلٍ كان عضواً سابقاً في تنظيم داعش. قدّم له عرضاً مثيراً، وهو مساعدته في الوصول إلى كنزٍ خبأ فيه مقاتلو داعش في مدينة باعج العراقية أموالا لا تقل عن 3 ملايين دولار.

استعان الضابط إياد بابن عمٍّ له يعمل في المخابرات. سار ابن العم على وصف الجندي الداعشي حتى عثر على برميلٍ مملوءٍ بالنقود مدفون تحت الأرض. وبحسب التقرير، فإن ابن العمّ استأثر بالأموال لنفسه وأخبر ابن عمّه أنه وجد الصندوق فارغاً.

“وجد 3 ملايين دولار، اشترى بها 4 فيلات جديدة، ولا يزال يقول لي إنه لم يجد شيئاً، كان أكبر خطأ ارتكبته في حياتي أنّي وثقتُ في ابن عمي”، هكذا اختتم الضابط إياد مقابلته مع الجارديان.

قصة إياد وابن عمه واحدة من عشرات القصص للعراقيين الذين اجتهدوا في التنقيب خلف أموال داعش أملاً في الوصول إلى الكنوز التي لم يتمكن المقاتلون من انتشالها خلال انسحابهم من الموصل أو غيرها من مُدن العراق.

وتحت الآبار في الأنبار، أو في الأنابيب القديمة لمجاري مدينة الموصل، أو تحت البيوت التي سكنها مقاتلو داعش، نشطت شبكات من الناس يحفرون تحت الأرض بحثاً عن الدولارات وسبائك الذهب.

ويجري الحديث كذلك عن بلدة القائم التي تقع على الحدود العراقية، التي اعترف عددٌ من السجناء الدواعش بأنهم دفنوا خزائن ممتلئة بالنقود والذهب في أماكن عدة تحت أرضها. وبذلت عدة ميليشيات جهوداً كبيرة للعثور عليها لكنها لم تنجح.

ووفقاً لـ”الجارديان”، فإن أحد هذه الكنوز هي 16 مليون دولار دُفنت عند أحد الآبار، وبالرغم من أن كثيراً من الفصائل المسلحة المنتشرة في المنطقة تعرف مكانه إلا أن كل فصيل يخاف الاستيلاء عليه خوفاً من الدخول في حربٍ مع الفصيل الآخر.

وقال عضو سابق في داعش لـ”الجارديان” إن هناك عشرات الأماكن التي خزّن فيها أعضاء التنظيم ملايين الدولارات، والآن لا يعرف أماكنها إلا قِلة قليلة.

الأمر نفسه انطبق على مدينة الرقة السورية، التي تداولت الكثير من التقارير المحلية شيوع نشاط تتبُّع كنوز داعش في أرجاء المدينة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *