
يتعرض المسؤولون في إيرلندا لضغوط متزايدة للتحقيق في ادعاءات بشأن تدخل جماعة الإخوان المسلمين في المساجد والمراكز الإسلامية المنتشرة داخل الجمهورية، في ظل مخاوف من توسّع نفوذ الجماعة داخل مؤسسات المسلمين الذين يُقدّر عددهم في البلاد بنحو 100000 شخص.
وقد دعا أعضاء بارزون في البرلمان الحكومة إلى فتح تحقيق معمّق يهدف إلى تحديد الكيفية التي قد تكون من خلالها الحركة العالمية سعت لتولي دور تمثيلي للمجتمع المسلم في إيرلندا، وانتزاع مواقع نفوذ داخل البنى الدينية والتنظيمية للمراكز الإسلامية. وتأتي هذه الدعوات في سياق تصاعد النقاش العام حول طبيعة التنظيمات التي تعمل داخل الجاليات المسلمة، وحول حدود العلاقة بين المجتمع المدني والإطار الأيديولوجي الذي يُعتقد أنّ جماعة الإخوان تحاول ترسيخه بهدوء داخل البلاد.
وخلال جلسة برلمانية حديثة، صرّحت السيناتورة المستقلة شارون كيغان بأنّ تأثير جماعة الإخوان، التي باتت محظورة في المنطقة التي نشأت فيها وفي عدد كبير من دول الشرق الأوسط، قد توسّع بشكل ملحوظ داخل إيرلندا خلال السنوات الأخيرة.
وأكّدت كيغان أنّ الحكومة الإيرلندية لم تُحسن التعامل مع هذا التوسع، وأنّ مؤسسات الدولة لم تُدرك بعد حجم التحولات التي تجري داخل بعض المراكز الإسلامية. واستشهدت بنزاع طويل الأمد خضع لتغطية إعلامية واسعة وإجراءات قضائية معقّدة بشأن الإغلاق الطوعي لمسجد يقع في أحد أرقى أحياء دبلن. وقد رأت كيغان أنّ ما يحدث ليس مجرد مسألة إدارية، بل تطور يعكس صراعًا داخليًا متعدد الطبقات داخل المؤسسات الإسلامية في البلاد.
خرج الخلاف حول السيطرة على المركز الثقافي الإسلامي في منطقة كلونسكي، جنوب العاصمة دبلن، عن السيطرة عندما واجهت مجموعة من الأشخاص إدارة المسجد في أبريل 2025. وتطورت هذه المواجهة إلى تحركات قانونية معقدة، إذ وصلت إجراءات السعي إلى انتزاع السيطرة على المسجد بعد الإغلاق إلى المحكمة العليا الإيرلندية. غير أنّ القضاة دفعوا الأطراف المتنازعة نحو مسار الوساطة، نظرًا لحساسية القضية وتشعّب أطرافها. وقد شهدت إحدى الجلسات خلال العام 2025 مطالبة بمزيد من المذكرات والوثائق الداعمة للملف المرفوع أمام القضاء، ما يعكس حجم الضغوط التي تواجهها الإدارة الجديدة للمركز.
تقول الإدارة الجديدة إنها شرعت في تحقيق داخلي يشمل مراجعة إدارة مدرسة القرآن وقرار الإغلاق المؤقت الذي أثار اعتراضات واسعة داخل المجتمع المحلي. كما يطعن الإمام المخضرم، الذي يخدم في المسجد منذ سنوات طويلة، في قرار الإغلاق وأساليب الإدارة الجديدة، معتبرًا أنّ هذه الإجراءات تشكل خروجًا على التقاليد التنظيمية المستقرة داخل المركز، وأنها تستند إلى دوافع غير واضحة. وقد أعاد هذا النزاع إلى الواجهة أسئلة تتعلق بالشفافية والحوكمة والولاءات الأيديولوجية داخل المؤسسات الإسلامية في إيرلندا.
ترى السيناتورة كيغان أنّ هذا الجمود له جذور أعمق بكثير مما يظهر على السطح، معتبرة أنّ التطورات الأخيرة تعكس دينامية جديدة نسبيًا داخل المجتمع الإسلامي في إيرلندا، تواجه الحكومة صعوبة في فهمها وإدارتها. وأكدت كيغان أنّ القضية ليست خلافًا إداريًا حول إدارة مسجد أو مركز ثقافي، بل صراع متعدد الأبعاد يتداخل فيه الجانب الديني مع السياسي والأيديولوجي. وأشارت إلى أنّ مجلس السلام والاندماج الإسلامي في إيرلندا أعرب بدوره عن مخاوف بشأن ارتباطات محتملة لجماعة الإخوان في مركز كلونسكي، داعيًا إلى التعامل مع الملف بقدر أكبر من الجدية والشفافية.
وخلال حديثها، لفتت كيغان إلى الوضع في أوروبا، حيث تبنت دول عدة، وعلى رأسها فرنسا ولاحقًا إيطاليا، إجراءات متشددة للحد من أنشطة جماعة الإخوان ومؤسساتها الفكرية والتنظيمية. وأوضحت أن أوروبا الغربية باتت تفرض قيودًا صارمة على المؤسسات المرتبطة بالإخوان، وتراقب تحركاتها بشكل مكثف، خصوصًا تلك المرتبطة بالتمويل الأجنبي والتأثير السياسي داخل الجاليات المسلمة. وفي المقابل، ترى كيغان أن إيرلندا تتجه نحو منح مساحة واسعة للجماعة، ما يعرّض البلاد لخطر حقيقي يتمثل في ازدهار شبكة أيديولوجية تعمل بعيدًا عن الرقابة، وبطرق غير متوافقة مع قيم الشفافية والمساءلة.
وأضافت السيناتورة أنّ على الحكومة ووزيرة العدل اتخاذ خطوات عاجلة لبدء تحقيق كامل في حجم نفوذ الإخوان داخل المؤسسات الإسلامية في إيرلندا، مؤكدة أنّ السذاجة في التعامل مع الجماعات المنظمة أيديولوجيًا قد تكون مكلفة. وقالت إنّ أمن الجمهورية وتماسكها وحتى سيادتها يرتبط بقدرة الدولة على فهم التحديات الناشئة داخل مجتمع متنوع يحتاج إلى إدارة دقيقة ومتوازنة. وأشارت إلى أنّ الاقتصاد الإيرلندي، الذي يعتمد بشكل كبير على قطاع التكنولوجيا، بات خلال العقد الماضي نقطة جذب لبعض الكيانات المرتبطة بالإخوان، بفضل سهولة تأسيس المؤسسات والقدرة على استخدام المجال الرقمي لتعزيز النفوذ.
وفي سياق متصل، أعادت كيغان التذكير بتقرير نشرته صحيفة ذا ناشيونال في العام 2019، كشف أنّ المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومقره دبلن، أطلق تطبيقًا رقميًا يحمل اسم يوروفتوى لاستهداف مستخدمين في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي. وكان المجلس، الذي أسسه الداعية الإخواني الراحل يوسف القرضاوي، قد روّج للتطبيق باعتباره دليلًا للمسلمين في أوروبا قبل شهر رمضان من العام 2019. غير أنّ إطلاق المنصة أثار موجة واسعة من الانتقادات في دول أوروبية عدة، التي رأت في التطبيق محاولة لبناء سلطة فقهية عابرة للحدود، تتجاوز المؤسسات الرسمية داخل الدول الأوروبية.
ويُعد هذا المثال، في رأي كيغان، دليلًا إضافيًا على الكيفية التي توسع بها الجماعة نفوذها في أوروبا من خلال أدوات رقمية ومؤسسات قائمة في دول تتمتع بقوانين منفتحة نسبيًا. وقد طالبت السيناتورة بأن تتعامل الحكومة الإيرلندية مع هذا الإرث التنظيمي بجدية أكبر، وأن تراجع الأطر القانونية التي تسمح بتأسيس كيانات ذات طبيعة سياسية أو دينية دون تدقيق.
تُشير التطورات في إيرلندا إلى تصاعد المخاوف بشأن النفوذ المحتمل لجماعة الإخوان المسلمين داخل المجتمع الإسلامي، وهو نفوذ لا يقتصر على الجانب الديني، بل يمتد ليشمل الأبعاد السياسية والأيديولوجية والتنظيمية.
من خلال النزاع الطويل حول إدارة المركز الثقافي الإسلامي في كلونسكي، يتضح أنّ القضية تتجاوز مجرد خلاف إداري أو نزاع على ملكية أو إدارة مسجد، لتصبح نموذجًا لصراع متعدد الطبقات يعكس الدينامية الجديدة داخل الجاليات المسلمة في أوروبا الغربية. إن سعي الجماعة لتولي أدوار تمثيلية داخل المؤسسات الإسلامية، إلى جانب استخدام منصات رقمية مثل “يوروفتوى”، يعكس استراتيجية منسقة لتعزيز نفوذها على مستوى أوسع، بما يتجاوز الحدود الوطنية لإيرلندا.
إن استمرار الجمود في التعامل مع هذا الملف قد يفضي إلى تعزيز شبكة أيديولوجية تعمل بشكل شبه مستقل عن رقابة الدولة، ما قد يؤدي إلى صعوبات في مراقبة التمويل والتأثير السياسي لهذه الجماعات. وإذا لم تُتخذ إجراءات فعالة، فإن نفوذ الإخوان داخل المؤسسات الدينية والتعليمية، بما في ذلك مدارس القرآن والمراكز الثقافية، قد يصبح أداة لإعادة إنتاج خطاب أيديولوجي محدد، يؤثر على هوية واستقلالية المجتمع المسلم في البلاد.
يُظهر الموقف البرلماني للسيناتورة كيغان أهمية إدراك الحكومة الإيرلندية للأبعاد المتعددة للصراع، بما في ذلك التأثير على الأمن الوطني والتماسك المجتمعي. فغياب الفهم العميق للتنظيمات الأيديولوجية داخل الجاليات المسلمة قد يؤدي إلى سيطرة شبكات غير مرئية على مؤسسات حيوية، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الحوكمة والشفافية والرقابة القانونية.
يشير التحليل إلى أن إيرلندا لا تزال تتبنى نهجًا أقل صرامة مقارنة بدول مثل فرنسا وإيطاليا، التي اتخذت إجراءات حازمة للحد من أنشطة الجماعة. هذا الاختلاف يعكس تحديًا مزدوجًا: أولاً، الحاجة إلى مواءمة السياسات المحلية مع المعايير الأوروبية بشأن مكافحة النفوذ الأجنبي، وثانيًا، ضرورة تحديث الأطر القانونية التي تسمح بتأسيس كيانات دينية أو سياسية دون رقابة كافية.
يُمكن القول إن السنوات المقبلة ستشهد اختبارًا لقدرة الحكومة الإيرلندية على موازنة الانفتاح الديني مع حماية الأمن المجتمعي والسيادة الوطنية. عدم التحرك بسرعة قد يؤدي إلى توسع نفوذ جماعة الإخوان بطريقة أكثر نظامية وذكاءً، باستخدام أدوات رقمية وتعليمية وثقافية، ما يجعل التدخل المبكر والمتوازن أمرًا حاسمًا للحفاظ على استقرار المجتمع المسلم في البلاد وتماسك النسيج الاجتماعي الأوسع.
خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
