
يعد عيد الميلاد المجيد من أهم الأعياد المسيحية التي تحتفل بها الكنائس في مصر والعالم، إلا أن موعد الاحتفال به يختلف بين الكنائس الشرقية والغربية. ففي حين تحتفل كنائس التقويم الغربي، وعلى رأسها الكنيسة الكاثوليكية، بالعيد في الخامس والعشرين من ديسمبر، تحتفل كنائس التقويم الشرقي، وفي مقدمتها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بالعيد في السابع من يناير.
هذا الاختلاف يثير تساؤلات كثيرة، إلا أن جذوره تعود إلى التقاويم والحسابات الفلكية، وليس إلى اختلاف في الإيمان أو في تاريخ ميلاد السيد المسيح نفسه.
تعتمد الكنائس الغربية على التقويم الغريغوري، وهو التقويم المستخدم عالميًا في الوقت الحاضر. يعود هذا التقويم إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر الذي أقره عام 1582 بعد أن لاحظ علماء الفلك وجود خطأ في التقويم القديم المستخدم آنذاك، وهو التقويم اليولياني.
كان يُعتقد أن طول السنة الشمسية يبلغ 365 يومًا و6 ساعات، لكن الدراسات الفلكية أثبتت أن السنة أقل من ذلك بنحو 11 دقيقة و14 ثانية. ومع مرور القرون، تراكم هذا الفارق ليصل إلى عشرة أيام كاملة، ما أدى إلى اختلال في مواعيد الفصول والأعياد.
لذلك، صدر قرار بابوي بحذف عشرة أيام من التقويم، فبعد يوم 5 أكتوبر 1582 جاء يوم 15 أكتوبر مباشرة. وبناءً على هذا التعديل، استقر الاحتفال بعيد الميلاد في الكنائس الغربية يوم 25 ديسمبر وفقًا للتقويم الغريغوري.
في المقابل، تعتمد أغلب الكنائس الشرقية، ومنها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، على التقويم اليولياني، وهو تقويم أقدم يعود إلى العصر الروماني، وترتبط حساباته بالتقويم القبطي الموروث عن المصريين القدماء.
التقويم القبطي يُعد من أدق التقاويم القديمة، وقد استمر العمل به في مصر منذ دخول المسيحية. ووفقًا لهذا التقويم، يأتي العيد المجيد في 29 كيهك. وبسبب عدم اعتماد الكنائس الشرقية للتعديل الغريغوري، ظل الفرق بين التقويمين قائمًا، ما أدى إلى اختلاف موعد الاحتفال بين الشرق والغرب مع مرور الزمن.
عند تطبيق التعديل الغريغوري عام 1582، أصبح الفرق بين التقويمين عشرة أيام فقط، حيث وافق 29 كيهك يوم 4 يناير. ومع مرور الوقت، زاد هذا الفارق يومًا إضافيًا كل 128 سنة نتيجة استمرار الخطأ الفلكي في التقويم اليولياني.
واليوم، بلغ الفرق بين التقويمين 13 يومًا، فأصبح 29 كيهك يوافق 7 يناير ميلاديًا. ولهذا تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالعيد في هذا التاريخ.
وفي النهاية، يبقى الاختلاف في موعد الاحتفال أمرًا تنظيميًا وفلكيًا بحتًا، لا يمس جوهر الإيمان المسيحي، بل يعكس تنوع التقاليد التاريخية التي حافظت عليها الكنائس عبر القرون.
