
قدم نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل استقالته من منصبه أمس الثلاثاء، في خطوة مفاجئة أثارت جدلا واسعا داخل الأوساط النقابية والسياسية في تونس. وقد أودع الطبوبي استقالته لدى مكتب الضبط بالاتحاد، في انتظار اتخاذ الهيئات الداخلية للمنظمة قرارها بشأن قبولها أو محاولة ثنيه عنها وفق الأصول المتبعة.
وتنص القواعد الداخلية للاتحاد على استدعاء المستقيل خلال 15 يوما للاستفسار عن دوافعه ومحاولة إرجاعه إلى منصبه قبل تفعيل الاستقالة بشكل نهائي، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة في الأيام المقبلة في انتظار عقد عدة لقاءات خلال الأيام القليلة القادمة داخل الهياكل النقابية لتدارس الخطوات التي سيتم اتخاذها.
وتأتي استقالة الطبوبي في سياق أزمة داخلية عميقة يشهدها اتحاد الشغل، حيث دخلت القيادة في خلافات حادة خلال الأشهر الأخيرة، خصوصا حول موعد وكيفية عقد المؤتمر الوطني المقبل للاتحاد، المقرر في مارس/ آذار 2026. وقد أدت هذه الخلافات إلى توتر العلاقات بين مختلف مكونات المكتب التنفيذي، وسط انقسامات واضحة بين مؤيدي التجديد الفوري للهيئات القيادية ومطالبين بإرجاء المؤتمر لإعادة ترتيب البيت الداخلي.
ويرى محللون ونقابيون أن الضغوط الداخلية لم تكن العامل الوحيد وراء القرار، إذ تعكس الاستقالة أيضا حالة من الاحتقان المتصاعد بين الاتحاد والسلطة السياسية، في ظل توتر العلاقة مع الحكومة ورئاسة الجمهورية، التي لم تنجُ من تصاعد النقاشات حول دور المنظمة النقابية في المشهد الوطني.
وقد سبق أن ظهرت بوادر انقسام في صفوف الاتحاد، مع مطالبات محلية بإيقاف الطبوبي عن العمل أو إحالة قضايا تنظيمية على الهيئات المختصة، وهو ما يعكس عمق الشرخ داخل المنظمة.
وفي ظل هذه الاستقالة، تتجه الأنظار إلى انتخابات قيادة جديدة أو مرحلة انتقالية قد تعيد تشكيل التوازنات داخل المنظمة التي تمتلك نفوذا سياسيا واجتماعيا واسعا، خاصة مع اقتراب موعد إضراب عام وطني كان الاتحاد قد دعا إليه في 21 يناير 2026، احتجاجا على ما وصفه بتعطيل الحوار الاجتماعي مع السلطات. وقد يواجه الاتحاد تحديات في تنفيذ هذا الإضراب إذا ظل الوضع القيادي في حالة غموض أو ضعف.
وفي قراءته لخلفيات استقالة الطبوبي، اعتبر المحلل السياسي والدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، في تصريح لـ “سبوتنيك”، أن هذه الخطوة تعود إلى أسباب مزدوجة، يتداخل فيها ما هو مرتبط بالوضع الداخلي للمنظمة الشغيلة مع عوامل أخرى تتصل بالمناخ السياسي العام في البلاد وبحالة التوتر القائمة بين الاتحاد والسلطة.
وفي تعليق لـ “سبوتنيك”، اعتبر المفكر والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن استقالة الطبوبي تمثل “نافذة مفتوحة على أزمة هيكلية عميقة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، قد تكون تداعياتها طويلة الأمد وتمس جوهر تماسك المنظمة ودورها التاريخي”.
وفي هذا الإطار، لفت الجورشي إلى أن الأطراف داخل المكتب التنفيذي التي سبق أن رفضت الاستجابة لمطلب عقد مؤتمر استثنائي في شهر آذار/مارس المقبل، ستسعى إلى تعطيل أي مسار جديد لاتخاذ القرار.
وأضاف أن “ما يجري حاليا يعكس محاولة واضحة لكسب الوقت، خاصة أن التفعيل النهائي للاستقالة يبقى معلّقا لمدة 15 يوما”. وهي فترة ستشهد محاولات مكثفة للبحث عن مخرج للأزمة، وإن كان ذلك يبدو “صعبا ومعقدا”، بحسب تقديره.
وخلص الجورشي إلى أن حالة الارتباك والصراعات الداخلية التي يعيشها الاتحاد حاليا تجعل المضي قدما في تنفيذ الإضراب أمرا بالغ الصعوبة.
