الإخوان المسلمين.. بين سيف القانون الأمريكي وتناقضات السلطة

شغلت جماعة “الإخوان المسلمين”، العالم علي مدى سنوات تجاوزت العقدين من الزمن. استطاعت خلالها التسلسل الى العديد من الدول .طورت بنيتها المالية والايديولوجية، تمكنت على اثرها من الوصول الى مراكز النفوذ، وجندت العديد من مواطني هذه الدول ،لم يتمكن احد من توقيف تمددها الذي وصل الى تولي مناصب وصلت الي رئاسة الدول. ولعل تجربة محمد مرسي في مصر، المثال الصارخ لهذا التمدد والنفوذ، تدعمت قدراتها من خلال نهج ادارة “الحزب الديمقراطي” الاميركي، الذي قام علي الاحتواء والانفتاح تجاه الجماعة المذكورة، وتجسد هذا عملياً في تصريح وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالتعامل مع الحكومات المنتخبة.

وبناء عليه، تعاملت الإدارة الأمريكية مع مرسي بعد فوزه في انتخابات 2012 كـ رئيس منتخب شرعيا”، وشمل ذلك زيارات رفيعة المستوى واستمرار المساعدات الأمريكية لمصر، رغم القلق بشأن “أخونة الدولة”. مما مهد الطريق لترسيخها. هذا النموذج، القائم علي عدم العزل، وفر غطاء دبلوماسي وسياسي لها، حيث تعاملت الادارة مع الجناح السياسي للاخوان كقوة شرعية لا يمكن اقصاؤها، ورفضت باستمرار تصنيفها كمنظمة ارهابية.

اليوم، تجد جماعة الاخوان المسلمين، التي رسخت جذورها على مدى قرن، نفسها في مواجهة اخطر تحد جيوسياسي يهدد وجودها التنظيمي عالميا. هذا التحدي تجسد بداية ،خلال ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاولى، حيث اصر على ادراج هذه الجماعة وفروعها المحددة على قائمة المنظمات الارهابية الاجنبية. هذا السعي لم يات من فراغ، بل بدا التفكير الجدي به في واشنطن بعد

عام 2011 الذي شكل نقطة التحول لأن ما اطلق عليه “الربيع العربي” مكن الإخوان من الوصول الفعلي إلى السلطة في المنطقة. هذا النجاح أجبر إدارة الرئيس باراك أوباما في واشنطن على إعادة التفكير الجدي في مقاربتها لهم، بسبب الضغط الإقليمي المكثف، خاصة من مصر والإمارات والسعودية، التي رأت في نجاح الجماعة تهديداً وجوديا.

ان النموذج، القائم على عدم العزل الذي اعتمده الديمقراطيون خلال فترة حكمهم، وفر غطاء دبلوماسي وسياسي لها. الا ان اعضاء الكونغرس الجمهوريين استمروا في الضغط مدعمين بضغط اقليمي. الامر الذي شكل قوة ضاغطة الي جانب الرئيس الاميركي ترامب الذي حدد ساعة الصفر لتفعيل مقاربته لهذه الجماعة، من خلال الامر التنفيذي الذي وقعه في 24 من الشهر الجاري بعنوان “تسمية فروع معينة من جماعة الاخوان المسلمين كـمنظمات ارهابية اجنبية وارهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص”.

حدد القسم الاول من نص هذا الامر التنفيذي اطارا قانونيا لبدء عملية النظر في تصنيف الفروع كـ منظمات ارهابية اجنبية بموجب القسم 219 من قانون الهجرة والجنسية، وارهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية. واكدت الوثيقة في نصها ان فروع الجماعة في لبنان والاردن ومصر تحديدا “تنخرط و تسهل وتدعم العنف وحملات زعزعة الاستقرار” التي تضر بمصالح الولايات المتحدة.

وقد تضمنت الوثيقة امثلة مثيرة للقلق، وقعت بعد 7 اكتوبر 2023، ففي الفرع اللبناني، تم رصد انضمام جناحه العسكري الى “حماس” و”حزب الله” وفصائل اخرى لتنفيذ هجمات صاروخية ضد اهداف اسرائيلية. وفي الفرع المصري، صدرت دعوة من قيادي بارز فيه، في 7 اكتوبر 2023، لشن هجمات عنيفة ضد شركاء ومصالح الولايات المتحدة. اما بالنسبة للفرع الاردني، فقد اشير الي قادته في الوثيقة، وتم توضيح انهم يمتلكون “السلطة الممنوحة بموجب القانون لدائرة تنفيذية او وكالة”.

يمكن القول ان هذا التصنيف سيواجه تحديات قانونية صعبة، فبينما يتم تبريره رسميا بـ “دعم العنف وتهديد الامن القومي”، يرى معارضوه ان الجماعة “متنوعة ومنتشرة للغاية بحيث يصعب وصفها ككل” بالارهاب، خاصة لوجود فروع لها مشاركة برلمانية في دول صديقة مثل الاردن والكويت. وفي حال اتمام التصنيف الفيدرالي، ستفرض عقوبات اقتصادية واسعة لتجفيف التمويل، وقيود مشددة على الهجرة للاعضاء.

هذه الاجراءات ترسل رسالة سياسية تدعم الحلفاء الاقليميين، لكنها تثير في المقابل اسئلة حول مدى قدرة الحركات الايديولوجية على التوفيق بين اجندتها العقائدية ومتطلبات الحكم في دولة وطنية تعددية. وتضمنت الوثيقة ثلاثة بنود ختامية اجرائية، التنفيذ وفقا للقانون وتوفر الاعتمادات المالية، وتاكيد بند اخلاء المسؤولية القانونية، مع تكليف وزارة الخارجية بتحمل تكاليف نشر هذا الامر التنفيذي الذي وقعه ترامب. هذا الامر لا يقتصر على كونه اجراء قانونيا، بل يحمل في طياته رسالة سياسية مزدوجة تؤكد التزام واشنطن بمواجهة ما تعتبره تهديدا عابرا للحدود، وترسخ معادلة جديدة، وهي ان الجماعات الايديولوجية، مهما بلغت قدرتها على التكيف، ستظل تحت مجهر القانون الامريكي اذا ارتبطت بالعنف او تهديد الاستقرار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *