مصر مابين الرجعية الدينية والتقدمية العلمانية

الوضع الإقتصادي في مصر سئ جدا، فعلى مستوى المواطن العادي ارتفعت الأسعار بشكل عام لمعظم السلع وساءت الخدمات رغم ارتفاع اسعارها، وارتفعت اسعار العقارات سواء الايجار والتمليك مما، وحتى اصحاب المشاريع والشركات الصغيرة تراجع دخلهم بسبب التضخم وتراجع المبيعات لعجز المواطنين على الشراء.

بشكل عام الدين الخارجي في مصر يتضخم وكذلك الدين الداخلي حيث ان هناك عجز كبير في الميزانية داخلياً وخارجيا بل ارتفعت قيمة فوائد وخدمة الديون نفسها واصبحت مصر في حاجة الى مزيد من دفعات الاقتراض من صندوق النقد الدولي مما يدفع الحكومة الى بيع الاصول للاجانب. واضطرار البرلمان الى اقرار الميزانية بعجز كبير.

بتعبير بسيط ان مصر مثقلة بالديون الخارجية والداخلية التى لايكفي انتاجها ودخلها تغطية جزء كبير من هذه الديون ، وهذا العجز يجعلها مضطرة الى بيع الاصول للاجانب وفي نفس الوقت المزيد من الاقتراض وزيادة اصل الدين.

الحكم العسكري لمصر

منذ انقلاب 23 يوليو 1952 على النظام الملكي في مصر استولي جنرالات الجيش على السلطة بقوة السلاح وهذا ليس استثناء حيث ان معظم الدول الرجعية المتخلفة يتم حكمها بجنرالات الجيش خاصة في أفريقيا، وفي علم السياسة يعتبر الحكم العسكري مصنف انه حكم دكتاتوري يتحكم فيه رجال الجيش (الجنرالات) على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها ومعروف ان النظام العسكري نظام حكم الفرد الدكتاتوري (محمد نجيب ثم جمال عبد الناصر ثم محمد أنور السادات ثم محمد حسني مبارك ثم المشير طنطاوي ثم عبد الفتاح السيسي)

الحكم العسكري طبيعته دكتاتورية كلها حسب اوامر الجيش حيث ان السلطة تكون باقدمية الرتبة وحيث ان الاوامر هي أساس النظام (نفذ الامر وبعد كده اتظلم) اي الطاعة الكاملة وهو امر يتناسب مع نظام الجيش والاسوف يفشل الجيش في تنفيذ مهماته والدفاع عن البلد ومن المؤكد ان النظام العسكري لايتناسب مع نظام الحكم الليبرالي الديموقراطي حيث ان النظام الديموقراطي قائم على المؤسسات الغير عسكرية والتعددية الحزبية والنظام الجمهوري وكذلك البرلماني، فالحكم العسكري هو حكم دكتاتوري فاشل ليس فقط في مصر ولكن فاشل سياسياً على مستوى التاريخ والحاضر والمستقبل ومن اهم اسباب فشله انه قائم على حكم الفرد وعلى الدكتاتورية وكذلك الحاكم العسكري اصلا غير مؤهل ثقافيا وعلميا وغير مدرب على نظام الحكم.

الحكم الديني لمصر

الدين في مصر يحكم الشعب بطريقتين، الطريقة الأولى هي السيطرة على الناس بنشر فكر الرجعية الدينية والطريقة الثانية التحالف مع السلطة العسكرية اي نزع جزء من سلطة الحكم العسكري لصالح الحكم العسكري نفسه، ولان الدكتاتورية العسكرية والفاشية الدينية يتفقان في اسلوب الحكم والسياسة، ففي مصر تتحالف الدكتاتورية العسكرية مع كل انواع الفاشية الاسلامية بعلم الطرفين وموافقة الطرفين سواء كانت هذا الفاشية تتمثل في الرجعية الدينية للشعب او المؤسسات الدينية مثل الازهر او تتمثل في الجماعات السلفية والاخوان المسلمين ايضا.

الفاشية الدينية المسيحية في مصر

هذا الموضوع حرج ولا يتحدث فيه المسيحيين، لان المسيحية اساسا قائمة على الحب والسلام والمحبة، ولان المسيحيين انفسهم يتم سحقهم من خلال الدكتاتورية العسكرية والفاشية الاسلامية فهم يعتبرون انفسهم ملائكة، صحيح أن الفاشية الدينية الأرثوذكسية ليس لها دور في السلطة العسكرية او الثيوقراطية الاسلامية ولكنها خاضعة لها خضوع تام، تتركز الفاشية المسيحية في مصر في اسلوب الطوائف الثلاثة مع اتباعهم واكثرها فاشية الطائفة الارثوذوكسية تليها الكاثوليكية ثم اقلها وطأة الطائفة الانجيلية.

تتركز الفاشية الدينية في مسيحي مصر في فكر الرجعية الدينية الارثوذكسية القائمة على الفكر الرهباني والاكليروسي الذي فرض نفسه منذ القرن السابع بشكل قوي حيث اصبح للرهبان والكهنة سلطة على الرعية مدعمة بتعالم المسيح (حيث تم تطويع كلام الانجيل لخدمة الفاشية الارثوذكسية)

تم تشريع الفاشية الدينية في مواد الدستور وهي المادة الثانية التى تجعل من الاسلام سلطة دينية وهوية مصرية والمادة الثالثة التى تمنح الرهبان ممثلة في البابا والمجمع المقدس السلطة الدينية في مجال قوانين الاحوال الشخصية بشكل خاص والمادة السابعة التى تجعل للازهر وضع خاص في القوانين اهمها ان الازهر قائم على دعم مالي من ميزانية الدولة اي من اموال الشعب المصري واحتياجاته وكذلك فرضت الدولة قانون معيب اسمه (ازدراء الأديان) ليس له اصل في الدستور ولكن تم صياغة مواد في القوانين يمكنه بالزج بالمواطنين للسجن من 3-5 سنوات وعادة يتم تطبيقه ضد المسيحيين وليس المسلمين.

ماهي طبيعة نظام الحكم في مصر؟

التعريف الدقيق للحكم في مصر هو “نظام عسكري اسلامي” او بتعبير ادق “نظام حكم عسكري ثيوقراطي” حيث ان كلمة ثيوقراطية تعبر عن سلطة الدين ورجال الدين داخل الدولة وطبيعة هذا النظام في كل التاريخ الانساني هي طبيعة دكتاتورية فاشية فاشلة تؤدي للخراب والفقر والجهل والتعصب الديني.

النظام المصري الحالي يدعم الجهل والرجعية الدينية والفساد ومن أهم اسباب سبب تمسك الحاكم العسكري بالسلطة الدينية هو ان جزء من فلسفته تقوم على الرجعية الدينية، ولكن هذا النظام معرض في اي وقت ان يتحول الى نظام حكم ثيوقراطي كامل اي نظام ديني كامل (كما حدث في سوريا)

جزء من فلسفة نظام السيسي العسكري قائمة على دعم الرجعية الدينية والاسلام وهو بذلك بطريقة غير متعمدة يدعم التيار الاسلامي، تماما عندما تلقي الخبز القديم للطيور فانت لاتغذي الطيور فقط بل تغذي معها الفئران وتحولها إلى فئران ضخمة مفترسة، وهذا بالضبط مافعله كل الرؤساء العسكريين فجمال عبد الناصر اصلا تحالف مع الاخوان ولما حاولوا الاطاحة به سبقهم فاطاح بهم، والسادات تحالف مع الاخوان والجماعات الاسلامية فقتلوه، ومبارك تحالف مع الاخوان فخلعوه والسيسي يتحالف مع الاسلاميين فسوف يكون مصيره نفس المصير إما القتل او العزل على يد اتباع التيار الاسلامي.

وحدثت الكارثة حينما استطاع الاخوان المسلمين بالتحالف مع التيارات الاسلامية الوصول للسلطة في عام 2012 وكان ذلك بسبب سياسات مبارك التحالفية مع التيار الاسلامي اطاح الاسلاميين بالتحالف مع القوميين بمارك وبالتالي سلطة الجيش وطبعا الجيش حفاظا على ماء الوجه يروج لفكرة انه ترك الاخوان يصلون للسلطة علشان الشعب يجربهم ويتكوي بنارهم ويعرف ان الله حق وان العسكر هم افضل من الاسلاميين ولكن الحقيقية ليست كذلك.

الحكم العسكري والحكم الاسلامي وجهان لعملة واحدة وهي “الفاشية والدكتاتورية والنظم القمعية الدموية” ويمكن ان نقول أمام الشعب المصري الاختيار مابين ان يقبل بنار الحكم العسكري او يكتوي بنار الاخوان المسلمين.

لماذا يريدها الشعب المصري اسلامية؟

الشعب المصري ثقافته كما يقولون اسلامية سلفية، وانا افضل تعبير اخر اطلقه الدكتور محمد داود وهو أن الشعب المصري شعب رجعي ديني يعتنق الرجعية الدينية بارادته، انها رجعية وجهل اختياري تم عبر عشرات السنين من حشو عقول الناس بافكار الرجعية الدينية حتى اصبحوا مايشبه بالكائنات الهمجية الرجعية التى لا عقل ولامشاعر لها (زومبي القرن الـ21).

وماهي الرجعية الدينية؟

الرجعية الدينية هي ان يعتنق الانسان افكار خرافية وخزعبلات واساطير غير واقعية موروثة من المجتمعات البدوية يفقد كل معايير العقل والتفكير والمنطق ليعتمد على الخرافات والمشاعر الكاذبة فيتأثر بالدرجة الاولى بالدين وينحي معايير العقل والعلم والانسانية، فتتحول حياته الى حرام وحلال وطقوس وافكار ضد العلم والعقل وضد التعددية وضد الانسانية، حياة مليئة بالتعاسة والكآبة والقيود والعنف، عنف المواطن ضد نفسه وضد اسرته وضد المجتمع.

اكثر القرارات المتخبطة والرجعية حالياً في مصر

طبعا القرارات الاقتصادية المتخبطة الغبية الحالية هي اكثر القرارات تخلفاً، ثم بعد ذلك قرارات السيسي في مختلف المجالات بدعم الاصولية السلفية في كل اجهزة الدولة وكل نظم الدولة مثل دعم الازهر والتعليم الدينى (جعل الدين مادة اساسية ونظام الكتاتيب) وبناء المزيد من المساجد ومراكز تحفيظ القرآن للاطفال واغراق مصر باللاجئين من كل حد وصوب (اغلبهم من الاسلاميين وداعش وبوكوحرام) ثم قوانين الايجار القديم التى جعلت معظم المصريين ينتظرون اصحاب الاملاك وهم “يسنون أسنانهم” بالاضافة الى احداث العنف والظلم والاضطهاد ضد المسيحيين في مصر.

الشعب المصري بدون هوية

رغم ان الشعب المصري شعب له تاريخ عريق وعميق ومشرف قائم على العلم والعقل والانسانية، وهذا التاريخ يعتبر اليوم بالنسبة لمعظم شعوب العالم ثروة وفخر للانسانية وكل علم وصناعة تقريبا يبدأ بقدماء المصريين وصل الامر ان بعض المراكز البحثية في اوروبا وامريكا تحاول ان  تكشف عن علم الفراعنة في حفظ الاغذية لتطبيقها في الصناعات الحديثة والاستفادة منها اقتصادياً.

ولكن الشعب المصري فقد هويته منذ اكثر من ألفي عام وتحول من الهوية المصرية الى الهوية العربية البدوية الاسلامية حيث استخدم المحتل العربي كل سلطاته في تعريب هوية الشعب بالهوية الدينية فانت تستطيع فعلا ان تقول ان هوية الشعب المصري القديم مفقودة واصبحت “هوية عربية اسلامية” بمعنى الكلمة.

وهذا امر يمكن ان يحدث بتراكم السنين، انت تستطيع ان تستخدم كل الطرق الفاشية في نزع هوية الناس ولغتهم وفكرهم حتى تملأ فراغ عقولهم وسلوكياتهم بافكار اخرى وهوية اخرى، انها خطط يتم تنفيذها بقوة المال والسلاح، واحيانا بقوة المال فقط، وجسد الانسان وعقله يمكن ان يستجيب بسهولة لطبيعته المادية، انت لو اتعودت تشرب شاي من الصغر وتحط فيه خمس معالق سكر جسدك سيتعود على ذلك لان الدم تتركز فيه “التايين” وايضا القهوة “الكافيين” وايضا المخدرات “الحشيش” وايضا كل نوع من الادمان للاكل والشرب والمكيفات، بل احيانا اذا تعود جسمك على طعم شاذ لاي منتج غذائي او زراعي فيدمنه فلن يعجبك فيما بعد طعمه او نكهته الاصلية. فانت تستطيع ان تفرغ  الانسان من هويته وميوله من وضع الى وضع ببطء مع مرور السنين.

مصر على مر القرون اي أكثر من 1400 سنة منذ دخول الاسلام تحولت هويتها من المصرية الى الهوية العربية الاسلامية، وحتى المسيحي اصبح “مسيحي مسلم” في كلماته وتعبيراته وسلوكياته، لدرجة انني سمعت البطريرك الارثوذكسي الانبا تواضرس تحدث مرة عن القدر بل واساقفته يستخدمون احيانا جمل من الاحاديث النبوية وليس الانجيل وهو امر ايضا رسخه البابا شنودة وهي مخاطبة المسلمين بقرآنهم واحاديثهم، حتى تحول الامر الى امر عادي جدا ان تسمع مسيحي يشتكي ويقول “حسبي الله ونعم الوكيل” وهو مصطلح اسلامي قح.

تلاحظ ايضا تحول الهوية المصرية الى هوية سلفية شكلا ومضمونا، فاصبحت معظم المصريات اما منتقبات او محجبات ومعظم المسلمين يطلقون اللحية ويحرصون على اداء كل الطقوس الدينية وخاصة صلاة الفجر وتشغيل القرآن في كل مكان حتى في المواصلات العامة ومسك السبحة واظهار علامة الصلاة على الجبهة واستخدام الالفاظ الدينية في كل شئ حتى لاتخلو جملة في الكلام من “الله” او “النبي” او “صلي على النبي”، واصبح الدين الاسلامي معيار لكل شئ لدرجة ان الاسلام اقصى العلم والمنطق والعقل واستبدله بالشريعة والحلال والحرام.

الرجعية الدينية تكره فكرة العلمانية وتعتبرها كفر وتكره كل مفاهيم الديموقراطية، تكره التعددية وتكره اصحاب العقائد الاخرى وشخصيات الرجعية الدينية في مصر يمكنك ان تكتب عن سلوكياتهم موسوعات كلها تتلخص في كلمة الرجعية، التخلف والغباء ورفض العلم ورفض الانسانية والمزيد من العنف والتحول تماما من انسان عاقل الى كائن ديني رجعي همجي عنيف معاييره هي الشر بحجة ان كل شئ هو في حكم الله اذا كان خيرا او شراً وليس في حكم العلم والعقل والمنطق والانسانية.

الشعب الارثوذكسي في مصر ايضاً شعب رجعي ديني ولكن ممكن نقول ” عنف لايت” يعنى رجعية بلا عنف جسدي او سلطوي، زي البيرة منزوعة الكحول، فالعنف في الشخصية الرجعية الارثوذكسية تقوم على نفس مبدأ الرجعية الدينية الاسلامية وهو “الغاء عمل العقل والعلم والمنطق” والاعتماد على افكار الرهبان والقديسين والقساوسة والمعجزات اللولبية، التى في معظمها خرافات وخزعبلات وتخلف عقلي. لكن العنف الارثوذكسي في شره ممكن يتحول الى عنف لفظي وتشويه سمعة ونشر الشائعات عن الشخص وكذلك عزل الشخص عن كافة المجتمع المسيحي بشكل قاسي. كما أن العنف الارثوذكسي في ابشع صوره يتحول الى “وشاية يهوذا” حيث تتحالف الكنيسة مع امن الدولة او كما يسمونه الأمن الوطني حاليا، فتوشي بك الكنيسة او احد اعضاؤها ومن الممكن ان تقدمك قربان لأمن الدولة.

ماهي مشكلة الشعب المصري بالتحديد؟

انا هنا دائما اتحدث مثل طبيب يشخص المرض لكي نحدد كيفية علاجه، نحن امام مشكلة معقدة ومتشابكة ومتفرعة اهمها ثلاثة اعمدة رئيسية:-

  • الحكم العسكري الدكتاتوري
  • الفاشية الدينية والسلطة الثيوقراطية (الدينية)
  • الهوية الرجعية الدينية الدكتاتورية الاسلامية والارثوذكسية على حد سواء

فلا تظن ان مشكلتك فقط مع الحاكم العسكري الدكتاتور، أو رجال الدين والمؤسسات الدينية، ولكن ايضا مشكلتك الكبرى مع الشعب المصري نفسه ذو الهوية السلفية الاسلامية والهوية الأصولية  الارثوذكسية

فكيف انت تدعو الناس للتغيير وهم اصلا من اتباع الرجعية الدينية ومن مؤيدي الحكم الدكتاتوري ومن انصار دمج الاديان في كل مجال القوانين والسياسة والفن والتعليم؟ انت لاتستطيع ان تحول نظام دكتاتوري الى نظام ليبرالي ديمواقرطي بدون مساندة الشعب، واذا كان الشعب نفسه دكتاتوري ورجعي يعتنق فكر الرجعية الدينية؟ ماذا ستفعل؟ ستجد نفسك لوحدك، لن تجد من يدعمك، بل بالعكس سوف يقف الشعب نفسه ضدك متضامناً مع النظام الدكتاتوري، ستجد نفسك منبوذا من السلطة العسكرية والسلطة الدينية ورجال الدين ومن الشعب نفسه.

مع الوقت يقوم الشعب الرجعي بتفجير بلده بنفسه، فيحولها من بلد آمن الى قنبلة موقوته قد تنفجر في اي وقت، تنفجر بين ليلة وضحاها، هذا بالضبط ماحدث في مصر صحينا لقينا الاخوان مسيطرين على الرئاسة والبرلمان وكل حاجة عام 2012، ماحدث في ليبيا، هو تحالف الاخوان المسلمين في ليبيا بعضهم من وزراء القذافي نفسه فقتلوه واستولوا على السلطة، وايضا ماحدث في سوريا حيث كان الاسد يستعين بالتيار الاسلامي السني والشيعي (العلوي) لمحاربة اعدائه واستيقظنا بين يوم وليلة على خبر هروب بشار الاسد ووقوع سوريا في ايدي جماعات الرجعية الدينية الاسلامية وماحدث في غزة حيث دعم شعب غزة حماس ووصل بهم الامر اليوم الى الموت جوعا في بلدهم. وكذلك اليمن والسودان حدث ولاحرج.

لاتظن ان هذه النهاية المأساوية بعيدة عن مصر، نهاية النظم الدكتاتورية لكي تحل محلها نظم اكثر دكتاتورية واكثر دموية، انت ممكن تصحى بكره تلاقي مفيش السيسي، ممكن جدا، وتفاجئ بأن محمد مرسي استيقظ من قبره ليحكمك، هذا امر متوقع اذا لم يغير الشعب من هويته وتفكيره السلفي الأصولي الرجعي.

ديموقراطية بدون توعية وبدون علمانية أمر مستحيل

كان الاسلاميين يهتفون في مظاهراتهم بالجامعات المصرية “اسلامية اسلامية .. لاغربية ولا يهودية” و “خيبر خيبر يايهود .. جيش محمد سوف يعود” ، وكان الشعب يدعم هذا النداء واطلقوا في كل مكان “الإسلام هو الحل” وزرعوا الشعار في كل مكان على حوائط المدارس وعلى زجاج السيارات حتى سيارات النقل العام.

الشعب المصري شعب الرجعية الدينية مهووس بالاسلام ويرى ان الدين الاسلامي هو الحل وكما وصفه معظم المحللين شعب “سلفي الهوى” وهذا الشعب ايضا يعتبر ان العلمانية هي نتاج النصرانية واليهودية والصهيونية ويعتبر فكرة علمانية الدولة هي كفر وخروج عن الشريعة الاسلامية، هكذا يفكر هذا الشعب.

خدعة مصطلح “المدنية”

لجأ المسلمين في مصر الى خدعة  اسمها “الدولة المدنية” حتى لايستخدمون مصطلح الدولة العلمانية لان معظم الشعب المصري يكره هذا المصطلح ويعتبره كفر وخروج عن الاسلام، ولذلك يستخدمون مصطلح مدنية، وخبث هذا المصطلح انه عكس العسكرية .. فعكس العسكرية هي المدنية حتى الجندي يطلق على الملابس ميري يعنى عسكري او ملكي يعنى ملابس مدنية، ووصل الامر الى بعض الشعارات التى تقول “دولة مدنية بمرجعية اسلامية”.

خبث دعاة الدولة المدنية انهم يؤيدون دمج التيار السياسي الاسلامي في نظام الحكم، هذا في احسن الاحوال ، وفي أسوأ الاحوال هم من الاسلاميين الذين يريدون الاطاحة بالحكم الدكتاتوري العسكري معتبرين ان التيار الاسلامي تيار مدني من غير ملابس عسكرية من غير جنرالات، اي ان دعوة مدنية الدولة هي غطاء لاسقاط النظام العسكري وتجهيز الطريق الى حكم اسلامي على اساس ان الاخواني او السلفي الذي يحكم مصر هو حاكم مدني ليبرالي.

لذلك نحذر ان كلمة مدنية ليس معناها علمانية ولكن معناها “مدنية اسلامية” وسقط في هذا الفخ الكثير من القوميين والاشتراكيين المصريين واليساريين المصريين فاذا بهم فجأة يجدون انفسهم في احضان الاخوان والسلفيين امثال حمدين صباحي ومحمد البرادعي

دولة مدنية بمرجعية اسلامية هي هي نفسها الدولة الدينية الاسلامية الفاشية التى نراها في سوريا وايران وافغانستان وباكستان فلا تنخدعوا في تعبير “دولة مدنية” الذي يروج له الاسلاميين.

مفهوم الدولة الديموقراطية الليبرالية العلمانية

كلمة علمانية تاتي من “العالم” اي دولة يتم حكمها بفكر عقلاني انساني عالمي بعيدا عن معايير ومفاهيم الدين وسيطرة الدين ورجال الدين، في النظام العلماني ينتهج الانسان الاسلوب العلمي العقلاني وخبرات العالم في الدساتير والقوانين. وهنا هدف العلمانية، ليس الاطاحة بالاديان او دعم الالحاد ولكن العلمانية تكمن اهميتها في انها تعتمد على مصالح الناس المادية العالمية وعلى العلم والعقل وتحجم دور الدين ليصبح امر يتعلق بخصوصيات الانسان وروحانياته ويخرج الدين من نظام الدولة السياسي ومن نظام الحكم ومن الدستور، فالدستور والقانون يجب ان يكون وضعي حتى يستوعب التعددية العرقية والدينية والايدلوجية في الدولة.

العلمانية لاتعادي الاديان ولكن تقف حيالها على مسافة واحدة لاترجح دين على دين والعلمانية تحترم التعددية الحقيقية، تعدد الاديان ، تعدد الاحزاب ، تعدد الاراء، تعدد الطوائف، تعدد العرقيات، العلمانية ترسخ فكر المواطنة، مصر للمصريين ، مصر لمصر وليست لمحمد ولا المسيح ، مصر للمصريين فقط وكل من يولد ويحمل الجنسية المصرية يجب معاملته بالتساوي وبالعدل بنفس الحقوق وبنفس الواجبات.

العلمانية لاتقوم على النظريات والافكار الخرافية والمعجزات والجن والعفاريت، تقوم على دراسات علمية وعلى امور عقلانية وليس على مشاعر دينية، ونظام الحكم العلماني يعتمد على اي انسان مؤهل وخبير في مجاله وليس على اهل الثقة او الوساطة والكوسة.

العلمانية تقولم على عمودين اساسيين، التعددية الحزبية للاحزاب الغير دينية وعلى النظام الديموقراطي في الترشيح والانتخابات وعلى دستور خالي من اي بنود تتعلق بالدين سوى الحريات الدينية واحترام كل الاديان

للآسف كل ماذكرته سابقاً عن العلمانية يتعارض مع فكر “الرجعية الدينية” وانا واثق ان معظم الناس في مصر هم ضد فكرة علمانية الدولة وضد دعوتي لها ومن هنا لو لم يغير الناس ثقافتهم وفهمهم ووعيهم على انه بدون علمانية الدولة وبدن التعددية الديموقراطية الحقيقية وبدون استبعاد الجيش والدين ورجال الدين عن السلطة لن تتغير مصر للافضل.

اذاً التوعية السياسية باهمية العلمانية وديموقراطية الدولة ووضع الدين في الحياة الخاصة للناس تعتبر الخطوة الاولى لتغيير مصر لتصبح دولة تقدمية، ولو فشل هذا التحول، فمصر قادمة لامحالة لحكم اسلامي ديني رجعي اكثر دموية واكثر دكتاتورية.

الخطوة التى تلي التوعية السياسية هي ان يقوم المصريين بتكوين احزاب علمانية حقيقية، مش احزاب علمانية فيها مسئولة المرأة لابسة نقاب او حجاب، العلمانية تتطلب نموذج ليبرالي حر لايحمل ولا يقتنع بمظاهر الدين، حزب علماني لزعيم بدون لحية زي حمدين صباحي حاطط اللحية جوه بطنه ماينفعش، لابد ان تكون احزاب علمانية حقيقية

الخطوة التالية تكوين جمعيات ومنظمات لحقوق الانسان والتوعية الاجتماعية تقوم بالدفاع عن علمانية الدولة وعن نشر التوعية بفكرة علمانية الدولة

الخطوة التالية تقوم هذه الاحزاب والمنظمات بحشد شعبي لتأييدها لانها بدون دعم شعبي مالهاش تلاتة لازمة، وتطالب هذه الاحزاب بتنحي الرئيس الذي هو من خلفية عسكرية بكل ادب واحترام والدعوة لانتخابات رئاسية جديد، واذا رفض يتم حشد المظاهرات ضده وضد حكمه حتى يتنازل كما حدث مع مبارك.

الخطوة التالية اجراء انتخابات حرة لرئيس علماني (وليس مدني) مثقف بفكرة علمانية الدولة ويعرض على الشعب برنامج واضح لخطته السياسية وتحدث مناظرات على كل وسائل الاعلام حتى يختار الشعب بنفسه رئيساً غير اسلامياً ولاعسكرياً.

بدون الترتيب والخطوات التتالية وبدون نجاحها لن تصبح مصر دولة حرة

  1. توعية الشعب بمعنى العلمانية والديموقراطية
  2. استبدال الهوية الاسلامية والارثوذكسية السلفية بالهوية المصرية
  3. القضاء تماماً على فكر الرجعية الدينية الاسلامية والارثوذكسية

بعد ان تتم هذه الخطوات وتنجح تتم الخطوات التالية ، واذا فشلت اي خطوة من الخطوات الثلاثة السابقة مفيش داعي لتكملة الطريق لان مصير اي محاولة تغيير مصر ستبوء بالفشل، لازم التوعية تكتمل فبدون توعية مفيش تغيير ولا خطوات تالية والتي هي:-

  1. تأسيس احزاب علمانية حقيقية
  2. تأسيس منظمات وجمعيات حقوقية وتوعية
  3. مطالبة الشعب بتنحي الرئيس العسكري
  4. مظاهرات ومطالبات شعبية بتأكيد تنحي الرئيس العسكري اذا رفض التنحي
  5. اجراء انتخابات رئاسية حرة لاختيار رئيس لاينتمي للتيار الاسلامي او الجيش

هذا هو الطريق الوحيد والصحيح لعلاج مشاكل مصر واي خطوة من هذه الخطوات لايمكن ان تسبق خطوة اخرى، لاينفع العلمانية بدون توعية ولا ينفع تكون احزاب حرة الا اذا تم القضاء على الرجعية الدينية ولن تنجح اي مظاهرات او مطالبات الا بعد تاسيس الاحزاب والمنظمات والجمعيات العلمانية الليبرالية

عدا ذلك تكون مصر مجهزة لاحد هذه السيناريوهات، استيلاء جنرال عسكري جديد على السلطة في انقلاب عسكري كما فعل البشير رئيس السودان او استيلاء الاسلاميين على السلطة كما فعل الجولاني في سوريا او حدوث حرب اهلية مدمرة كما يحدث حاليا في السودان واليمن.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *