تونس تؤمن عودة أطفال الدواعش من مناطق الحروب

تم تأمين عودة 51 طفلاً تونسياً من مناطق النزاع وبؤر التوتر إلى تونس، وتوقعات بإجلاء آخرين في الفترة المقبلة بعد عودة العلاقات الدبلوماسية لتونس مع سوريا، بالتزامن مع استعداد السلطات التونسية لإعلان وثيقة مرجعية لمسارات التعهد والدمج لهؤلاء الأطفال.

تُمثل عودة الإرهابيين وأُسرهم من بؤر التوتر ومناطق الصراع، في كل من سوريا والعراق وليبيا، إلى بلدانهم الأصلية، تحدياً لجميع الدول؛ العربية منها والغربية. وتعتبر تونس من أكثر الدول المعنية بهذه العودة؛ نظراً إلى العدد الكبير من الإرهابيين التونسيين الموجودين في تلك المناطق، وفقاً للعديد من التقارير الدولية. وتتصاعد وتيرة العودة لهؤلاء بعد توقف الأعمال القتالية وفشل تلك التنظيمات الإرهابية في تحقيق أهدافها وانهيارها وتفككها.

طُرحت في تونس مؤخراً، مسألة عودة النساء والأطفال والمراهقين، تزامناً مع الاستعداد لإعلان وثيقة مرجعية لمسارات التعهد والدمج لهؤلاء الأطفال؛ أعدتها السلطات التونسية بالشراكة مع منظمة اليونيسف.

وتشكل فئة الأطفال، من الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة، وفئة اليافعين ممن تجاوزت أعمارهم 18 سنة بقليل، نسبة كبيرة من العائدين من مناطق النزاع، مع الإشارة إلى أن بعض هؤلاء الأطفال تم تجنيدهم من قِبل الجماعات المسلحة؛ للقيام بأعمال متنوعة، وهو ما يطرح تحديات كبرى أمام السلطات حول كيفية التعامل مع هذا الملف الشائك.

وعلى الرغم من عدم توفر أي معطيات رسمية دقيقة، حول العائدين من مناطق النزاع، أو حول أُسرهم وأطفالهم؛ فإن منظمة ”هيومن رايتس ووتش” تؤكد وجود ألفَي طفل وألف امرأة في السجون والمخيمات والملاجئ، في كل من سوريا والعراق وليبيا. وحسب تقديرات بعض منظمات المجتمع المدني التونسية، ولد بعض هؤلاء الأطفال في مناطق تحت سيطرة الجماعات المتطرفة أو أتى بهم آباؤهم أو أُسرهم في سن مبكرة.

تُسجل الجنسية التونسية حضورها ضمن المجموعات الموجودة في مناطق النزاع في كل من سوريا والعراق وليبيا. وتضم المخيمات والمعسكرات والسجون عدداً غير محدد بدقة من الأطفال من حاملي الجنسية التونسية أو من المولودين بمناطق النزاع من أب تونسي أو أُم تونسية.

ويشكِّل الأطفالُ غير المصحوبين بذويهم أو المصحوبون فقط بأُمهاتهم، نسبةً معتبرةً من مجموع الأطفال الكلي. وتقول السلطات التونسية إنه تم تسجيل عودة عدد قليل منهم إلى الأراضي التونسية، بينما لا يزال العدد الباقي من الأطفال والمراهقين موجوداً في مناطق النزاع.

تؤكد وزيرة المرأة التونسية آمال بلحاج موسى، في حديث إلى “كيوبوست”، استعادة 51 طفلاً في السنوات الأخيرة، يتوزعون بين 16 طفلة و35 طفلاً تراوحت أعمارهم بين 5 و17 سنة، ممن تم دمجهم ضمن عائلاتهم الموسعة، بمقتضى تدابير صادرة عن قضاة الأسرة، وبتنسيق مع مندوبي حماية الطفولة وهياكل وزارة الشؤون الاجتماعية، وتم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي وتوفير الخدمات الصحية والنفسية للأطفال.

وكشفت الوزيرة عن تسجيل 41 طفلاً في المسار الدراسي العادي بالمرحلة الابتدائية و3 أطفال في برامج الروضة العمومية، وإلحاق 7 أطفال ببرنامج التأهيل التربوي والتكوين المهني. وحسب وزيرة المرأة، فقد تم إلحاق كل الأطفال العائدين بعائلاتهم الموسعة دون اللجوء إلى الإقامة بمؤسسات الرعاية التابعة للدولة؛ استجابةً لرغبة عائلاتهم في حمايتهم وتأمين نجاح عودتهم ودمجهم في محيطهم، بالتعاون مع هياكل ومؤسسات الدولة.

ووَفق آمال بلحاج موسى، فقد سجلت وزارة المرأة مطالب عودة واردة من الأجداد لأُمهات أو آباء الأطفال المقيمين في مختلف محافظات تونس، لنحو 120 طفلاً تم التنسيق في شأنهم مع مصالح وزارة الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج، مؤكدةً الحرص على الإسراع والإعداد الجيد لعودتهم. وتوقعت موسى ارتفاع المطالب في الفترة المقبلة، وكذلك نسق عودة هؤلاء الأطفال؛ خصوصاً بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا التي تحتضن سجونها ومخيماتها العديد من أطفال النزاع.

وفقاً لمراقبين، فإن أطفال المخيمات السورية التي تضم عوائل تنظيم داعش الإرهابي من الأطفال والنساء، والذين تم القبض عليهم أو فروا من الرقة في ظروف غير إنسانية، يعانون الوصمَ الذي يلاحقهم، وأيضاً الأفكارَ المتطرفة التي ما زالت تسيطر على هذه المخيمات، وبالتالي يمكن أن تحولهم إلى متطرفين وتبث في أذهانهم أفكاراً دموية يصعب إصلاحها كلما تقدم العمر بهم.

وتؤكد مصادر حقوقية تونسية متخصصة في هذا الملف، أنه من الصعب أن تكون تونس قد استعادت أطفالاً من تلك المخيمات التي لا تسيطر عليها الحكومة السورية، والواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”؛ وهي طرف انفصالي في سوريا لا تعترف به تونس.

تستعد السلطات التونسية لإصدار وثيقة مرجعية لمسارات التعهد وإعادة دمج الأطفال العائدين من مناطق النزاع؛ ضمن جهود وطنية ودولية للتعاطي الناجع والفعال مع هذا الملف المحرج للدول، حيث يعجز المجتمع الدولي عن الوصول إلى اتفاق واضح حول طريقة الإحاطة والتعامل مع قاطني المخيمات التي تحتضن أبناء الدواعش وأمهاتهم.

وتمثِّل الوثيقة المرجعية لمسارات التعهد دليلاً إجرائياً يحدد عودة الطفل من جديد إلى تونس؛ وذلك وفقاً لخصوصية كل حالة، وإعادة دمجه من جديد عبر مسارات تعهد على سنوات طويلة يحددها القانون بالعودة إلى النيابة العمومية؛ بحيث يبقى ملف الطفل تحت يد الدولة لسنوات، للاطمئنان على دمجه السوي في المجتمع وزوال أسباب التهديد. وتجمع هذه الوثيقة المرجعية سبع وزارات معنية تحسم مصير الطفل بعد البحث الاجتماعي، سواء بالدمج في العائلة أو الإيداع في قرى الأطفال ومراكز الرعاية بما تقتضيه مصلحته.

المستشار القانوني لدى منظمة “محامون بلا حدود”، إلياس بن سدرين، أكد في تعليق لـ“كيوبوست”، أن العديد من الأطفال الموجودين في مخيمات اللاجئين أو في سجون “الجيش الحر”؛ لم يختاروا المشاركة في هذه النزاعات، إضافةً إلى أن العديد منهم ولدوا خلال النزاعات أو بعدها أو حتى في السجون.

ووفقاً لإلياس بن سدرين، فإن نحو 25 طفلاً من العائدين إلى تونس منذ عام 2018 غير مسجلين في دفاتر الحالة المدنية، ولا يمتلكون مضامين ولادة؛ مما يترتب على ذلك حرمانهم من العديد من الحقوق، إضافة إلى أن 20 طفلاً لم يتمكنوا من زيارة أُمهاتهم في السجون التونسية، في ظل غياب صفة قانونية تخوِّل لهم ذلك.

رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبدالكبير، قال لـ“كيوبوست”: إن المرصد كان أول مَن كشف عام 2016 عن وجود زوجات وأبناء مقاتلي “داعش” من التونسيين في السجون الليبية والعراقية والسورية، كما كان طرفاً رئيسياً في استرجاع 6 أطفال عام 2020 من مصراتة، غير مصحوبين بآبائهم وأُمهاتهم الذين لقوا مصرعهم في عمليات القتال، وذلك بعد إخضاعهم للتحليل الجيني وثبوت أنهم من التونسيين. وفي 2021 استعاد المرصد 8 نساء و11 طفلاً، وستتم استعادة 4 نساء و5 أطفال في الأسابيع المقبلة.

ويضيف عبدالكبير: ”العديد من الأطفال سافروا إلى بؤر التوتر وهم في الأشهر الأولى من الولادة، وهناك مَن ولدوا في مناطق النزاع؛ وهم ضحايا يحتاجون إلى الدعم والدمج، من بينهم مراهقون ومراهقات تتراوح أعمارهم بين 15 و16 سنة، وهناك مَن هو في سن 17 سنة في سجن معيتيقة بليبيا”.

 وأوضح أن هؤلاء سيصبحون راشدين قريباً، وعندما يعودون إلى تونس سيتحولون إلى قنابل موقوتة وينقمون على مجتمع حاسبهم بأفعال ارتكبها الآباء والأمهات والعائلة الموسعة؛ ولا ذنب لهم فيها.

وتحدث عبدالكبير عن أطفال لم يكن من السهل استرجاعهم من ليبيا؛ لرفض أمهاتهم الفصل بينهما؛ خصوصاً أن القانون الوطني والدولي يرفض الفصل بين الأم الحاضنة وطفلها من عمر الشهر إلى 17 سنة، وهو ما يستدعي البحث عن حلول مع الطرف الليبي لإتمام العقوبة في تونس وإنقاذ الأطفال، والأمر نفسه ينطبق على أطفال مخيمات الحدود السورية- التركية والسورية- العراقية.

وحسب مصطفى عبدالكبير؛ فإن هذا الملف “القنبلة” يستدعي تعاملاً حرفياً، مؤكداً ضرورة التسريع بإعادة الأمهات؛ لأنهن يمثلن الصندوق الأسود لملف التسفير، ويمتلكن كل المعطيات حول مَن سفَّرهن، والجمعيات التي احتضنتهن، وكيف وصلن إلى الحدود الليبية، وكيف عبرن إلى سوريا، ومن أعدَّ وأَشَّر جوازات السفر لأزواجهن؛ وهو ما يساعد على تفكيك شبكات التسفير.

كيوبوست- كريم وناس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *