
وفقا لأحدث تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، اضطر أكثر من 120 مليون شخص حول العالم إلى الفرار من ديارهم بسبب الصراعات والعنف. وقد شهدت حالات النزوح القسري هذه تزايدا مطردا على مدى السنوات الـ10 الماضية.
وفقا لتقرير “الاتجاهات العالمية” السنوي الذي نشرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أمس الخميس، بلغ عدد النازحين قسرا 123.2 مليون شخص بنهاية عام 2024. وتنشأ هذه الحالات بسبب الاضطهاد والنزاعات والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان، وغيرها من الأحداث التي تُسبب اضطرابات خطيرة في النظام العام.
تُمثل هذه المحصلة رقما قياسيا مُقلقا، فهي أعلى محصلة منذ عقد، ونتيجةً لزيادة مُطردة منذ عام 2015 في عدد الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار من ديارهم. وعلى مدى السنوات الـ10 الماضية، تضاعف عدد النازحين تقريبا. وفي العام الماضي، نزح 120 مليون شخص قسرا، بزيادة قدرها 6% بين نهاية عام 2023 ونهاية عام 2024. ويوثر النزوح الآن على واحد من كل 67 شخصا حول العالم.
ومع ذلك، انخفض إجمالي عدد النازحين قسراً حول العالم بشكل طفيف، ليصل إلى 122.1 مليون شخص بنهاية نيسان/أبريل 2025.
وتُعدّ النزاعات المستمرة وعدم القدرة على إنهائها السبب الرئيسي لنزوح السكان. ولكن خلافاً للاعتقاد السائد في الغرب، يكشف التقرير أن عمليات النزوح القسري تحدث في الغالب داخل بلدان المنشأ، حيث أن 60% من الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار لم يغادروا بلادهم قط، بل انتقلوا داخلها. وقد زاد عدد هؤلاء النازحين بمقدار 6.3 مليون ليصل إلى 73.5 مليون شخص بنهاية عام 2024.
ويُسجّل السودان الآن أكبر عدد من النازحين قسراً، حيث بلغ عدد اللاجئين والنازحين داخليا 14.3 مليون شخص بنهاية عام 2024. ويمثل هذا زيادة قدرها 3.5 مليون شخص عن العام السابق، أي ما يقرب من ثلث سكان البلاد.
وتأتي سوريا (13.5 مليون) بعد السودان، ثم أفغانستان (10.3 مليون) وأوكرانيا (8.8 مليون). وتُمثل هذه الدول الأربع أكثر من ثلث النازحين قسراً في العالم. كما كان للحرب الدائرة في غزة أثرٌ مدمر على المدنيين، وشهدت لبنان موجة نزوح بين شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الثاني/نوفمبر.
وعلى الجانب الآخر، فـ67% من النازحين يجدون ملاذاً آمناً في الدول المجاورة، أي 42.7 مليون شخص. وتستضيف البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل 73% من لاجئي العالم. وقد ازداد النزوح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على وجه الخصوص.
ومن الجوانب الإيجابية التي أبرزها التقرير، استئناف عودة النازحين. وصرح فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قائلاً “لقد رأينا بصيص أمل خلال الأشهر الستة الماضية”. حيث عاد ما مجموعه 9.8 مليون نازح قسراً إلى ديارهم في عام 2024، بما في ذلك 1.6 مليون لاجئ (وهو أعلى رقم في أكثر من عقدين من الزمن) و8.2 مليون نازح داخلياً (ثاني أعلى رقم مسجل).
ومن بين الدول المتأثرة بهذه العودة سوريا. فقد شجع سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي عودة الكثير من السوريين. الذين اضطرتهم الحرب منذ 14 عاما إلى النزوح. وتمكن ما يقرب من مليوني سوري من العودة إلى ديارهم بعد أكثر من 10 سنوات من النزوح (منذ نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2024). ورغم هذه الإشارة المشجعة، يُشير المفوض إلى أن “البلاد لا تزال هشة، وأن الناس بحاجة إلى مساعدتنا لإعادة بناء حياتهم“.
أما في أفغانستان، فعاد أكثر من 360 ألف أفغاني إلى ديارهم في عام 2024، ويعود ذلك تحديدا إلى استهدافهم بسياسات طرد قاسية في الدول المضيفة الرئيسية، مثل إيران وباكستان. وتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنه “في حين توقف القتال إلى حد كبير في أفغانستان بعد سيطرة طالبان على السلطة في عام 2021، لا يزال الفقر والجوع منتشرين في البلاد، ولا تزال البنية التحتية والخدمات غير كافية، وتقييد الحريات المدنية، وخاصة للنساء والفتيات، بشكل تدريجي وشديد“.
والأسوأ من ذلك، أن “زيادة أعداد العائدين قد فاقم الأزمة الإنسانية المستمرة في أفغانستان، مما يُرهق الموارد الشحيحة ويُعيق إعادة إدماج اللاجئين العائدين بكرامة وبشكل مستدام”، وفقا التقرير.
ووتواجه بعض الدول أيضا عمليات عودة متزامنة ونزوحا قسريا جديدا، كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية وبورما وجنوب السودان.
في حين تضاعف عدد النازحين قسرا تقريبا خلال العقد الماضي، لا يزال تمويل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ثابتا تقريبا كما كان في عام 2015، بميزانية قدرها 3.5 مليار يورو. وفي سياق التخفيضات “الوحشية” و”المدمرة” في ميزانية المساعدات الإنسانية (بسبب السياسة الأمريكية والأوروبية)، أصبح الوضع “لا يُطاق” ويثير مخاوف بشأن آفاق المستقبل. وبالتالي، تتفاقم نقاط ضعف اللاجئين وغيرهم ممن أُجبروا على الفرار من ديارهم.
وقال فيليبو غراندي “نعيش في فترة من عدم الاستقرار الشديد في العلاقات الدولية، حيث تخلق الحروب الحديثة مشهدا هشا ومحزنا يتسم بمعاناة إنسانية مروعة. يجب علينا مضاعفة جهودنا للسعي إلى السلام وإيجاد حلول دائمة للاجئين وغيرهم ممن أُجبروا على الفرار من ديارهم“.
ويدعو التقرير إلى مواصلة تمويل برامج المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تنقذ الأرواح، وتساعد اللاجئين والنازحين على العودة إلى ديارهم، وتعزز البنية التحتية الأساسية والخدمات الاجتماعية في المجتمعات المضيفة، باعتبار ذلك استثمارا حاسما في الأمن الإقليمي والعالمي.