من هو يوسف إبراهيم عزت مستشار حميدتي

يحكي يوسف عزت الماهري: “الرجال جاعوا …قالتها وهي عائدة نحو مجلسهم تحت الشمس والتي جلسوا على ظلها وركزوا أياديهم الملساء من أي عكَّاز، وهي أيضاً ملساء اليدَين ولا يشغل حزنها غير صوت رضيعها المتململ على ظهرها العَرقان، وحرارة الرماد على مركوبها ذي الخُرم الكبير في القدم اليسرى، عندما خلعته لم تجد مكاناً لتضع عليه قدمها الحافية، فاختل توازنها وكادت تسقط”.

يوثق هذا الجزء المأخوذ من قصة (مَساويط الرماد)، البدايات الأدبية للماهري، الذي بدأ الكتابة في موقع (سودانيز أون لاين)، تحت اسم حركي؛ هو (أبنوس)، قبل أن يُصبح عزت الماهري، ثم لاحقاً عُرف باسمه الحقيقي عزت إبراهيم الماهري. كتب الماهري القصة والرواية والشعر، وكان يقرأ كل ما يقع بيدَيه؛ خصوصاً أدب الواقعية السحرية، إذ كثيراً ما قرر أنه أسير ومغرم بأدب أمريكا اللاتينية وصوت فيروز والمغني السوداني اليساري الشهير مصطفى سيد أحمد.

لكن الماهري اليوم هو المستشار السياسي لنائب رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد قوات الدعم السريع؛ التي تخوض حرباً مروعة مع القوات المسلحة السودانية في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.

في مقابلة نادرة معه، أجرتها صحيفة “أخبار اليوم” الإلكترونية السودانية، مايو 2022، قال متحدثاً عن نفسه: “أنا يوسف إبراهيم عزت، أخذت اسم جدي عزت الماهري كاسم شهرة، من مواليد بادية المهرية بشمال دارفور، درست المرحلة الابتدائية والمتوسطة بمدينة كُتُم (شمال دافور، غرب السودان)، والمرحلة الثانوية بمدينتَي نيالا (جنوب دافور، غرب السودان)، وكوستي (وسط السودان)، وتخرجت في كلية القانون جامعة النيلين عام ١٩٩٨، قبل أن أُهاجر إلى كندا؛ حيث درست التنمية الدولية بجامعة ونبيك، واستقررت هناك مع أسرتي الصغيرة”.

إلى هُنا تبدو الأمور عادية، وأن شاباً سودانياً بدوياً طموحاً تمكن من مواصلة تعليمه، تاركاً بادية قبيلة الماهرية في شمال إقليم دافور؛ مُيمماً شطر المدارس، مُلاحقاً التعليم من مدينة إلى أُخرى حتى استقر به المقام في كندا. لكن غير العادي هو أن يعود الشاب اليساري المثقف إلى السودان ليعمل مستشاراً سياسياً لقائد قوات الدعم السريع الفريق أول حميدتي.

يفسر البعض ذلك بسبب صلة الرحم والقرابة بينهما؛ فهما في الواقع من قبيلة واحدة. بينما يسخر آخرون من هذه الفكرة، ويقولون إنها قناعة راسخة لديه بأنه يرى في قائد الدعم السريع نموذجاً مختلفاً عن العسكريين والسياسيين السودانيين التقليديين، وإنه إذا ما أُتيحت له الفرصة يُمكن أن يُحدث الفرق.

بدأ أثر المستشار السياسي لحميدتي، ولقوات الدعم السريع (يوسف إبراهيم عزت الماهري)، يظهر على أفكار قائد الدعم السريع وتوجهاته، ما أن تسنم منصبه مباشرةً عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021، حتى أطلق عليه البعض لقب الساحر؛ لتأثيره الكبير على قائده، أو المستشار الغامض؛ لإحاطته نفسه بسياج وعتمة، حيث يفضل العمل في الظلام وبعيداً عن الأضواء وأجهزة الإعلام.

ويعتقد مراقبون كُثر، أن الماهري هو مَن تمكَّن بفضل ذكائه وحنكته وصبره من تغيير موقف قوات الدعم السريع وقائدها إلى النقيض تماماً؛ حيث اعتذر (حميدتي) عن انقلاب 25 أكتوبر 2021، وأعلن بشكل صريح وقوفه ومساندته لعملية التحول المدني الديمقراطي ودعم والتوقيع على الاتفاق الإطاري الذي يُمهد لاتفاق سياسي نهائي، يتم تسليم السلطة بموجبه إلى المدنيين، وتخرج المؤسسة العسكرية من المعادلة السياسية وتعود إلى ثكناتها؛ بما في ذلك قوات الدعم السريع.

يعتقد كثيرون أن هذا التوجه الجديد للقائد “الدعم السريع” كان بفضل مستشاره الجديد (عزت إبراهيم الماهري)؛ الذي بدأ حياته يسارياً في تنظيم الجبهة الديمقراطية (الجناح الطلابي للحزب الشيوعي) قبل أن يتخذ مساراً آخر أقرب إلى تبنِّي الأفكار الليبرالية الغربية؛ خصوصاً بعد استقراره في كندا.

وليوسف إبراهيم عزت أو عزت الماهري، رواية منشورة منذ 2008 تحت عنوان جقلا.. نشيد الرمل)، يقول عنها الشاعر والناقد نصار الحاج: “يرصد يوسف عزت الماهري، عبر هذا النص، حياة مجتمع غرقَ الكاتب بإبداعية ثرة وتعايش لصيق وحياة كاملة في أبجدياته ونظم حياته وعلاقاته مع الأرض ومفرداتها، مع الحياة وجغرافيتها ووسائطها، نشيد يحوِّل ذلك كله إلى سيرة مبجلة لهؤلاء الناس”.

بينما اعتبر الناقد والشاعر فضيلي جماع، قصة الماهري المسومة (مساويط الرماد)، إضافة جادة إلى فن السرد؛ إن هو واظب وطور أدواته المعرفية، ونصحه بالابتعاد عن الغرور بأن يعلم أن طريقه طوله ألف ميل.

لكن يبدو أن عزت اختار الألف ميل للسير على طريق آخر، غير سبيل السرد، وخطا نحو السياسة ومزالقها، فوجد نفسه ولم ينعم بمنصبه طويلاً في (معمعة) حرب ضروس يخوضها مع قائده في شوارع الخرطوم وأزقة مدن سودانية أخرى، معركة كسر العظم التي ربما لن تتيح للساحر الغامض يوسف إبراهيم عزت الماهري، إكمال روايته (في بهاء الحجر) وكتابه التوثيقي (ابن إبراهيم الأخير)، وهما عملان أدبيان طالما صرح لبعض المواقع والصحف بأنه بصدد نشرهما قريباً؛ فهل سيتمكن مستشار حميدتي من ذلك، أم تذهب أحلامه الإبداعية والسياسية أدراج الرياح؟ هذا ما ستحدده مآلات الحرب الراهنة في الخرطوم

كيوبوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *