تصاعد المواجهات في لوس أنجلس ضد مداهمات الهجرة

تصاعد التوتر في مدينة لوس أنجلس مع دخول احتجاجات المهاجرين يومها الثالث، وسط انتشار الحرس الوطني بأوامر من ترامب ومواجهات عنيفة مع المتظاهرين. وبينما وصفت السلطات الفدرالية الخطوة بأنها لحماية الممتلكات وضمان سلامة المتظاهرين، اعتبر مسؤولون محليون الانتشار العسكري تصعيدا متعمدا في مدينة تضم واحدة من أكبر الجاليات اللاتينية في البلاد.

سيارات مشتعلة خلال احتجاجات في لوس أنجلس، كاليفورنيا، 8 حزيران/يونيو 2025. © أ ف ب

أضرم متظاهرون النار في سيارات وقطعوا طرقا رئيسية في لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا الأحد، وسط مواجهات عنيفة مع الشرطة، في ثالث يوم من الاضطرابات المتواصلة احتجاجا على اعتقال مهاجرين غير نظاميين. وشهدت المدينة، التي تضم عددا كبيرا من السكان من أصول لاتينية، صدامات تزامنت مع انتشار قوات الحرس الوطني التي أرسلها الرئيس دونالد ترامب بأوامر مباشرة لقمع الاحتجاجات، في خطوة وصفها مسؤولون محليون بأنها “تصعيد متعمد“.

وأظهر مقطع مصور انتشارا محدودا لنحو عشرة من عناصر الحرس الوطني برفقة أفراد من وزارة الأمن الداخلي أمام مبنى اتحادي في وسط المدينة، حيث واجهوا مجموعة من المحتجين. لكن المشهد الميداني سرعان ما تصاعد في مناطق أخرى، مع تسجيل أعمال تخريب بعد أن أضرم متظاهرون النار في ثلاث سيارات ذاتية القيادة تابعة لشركة “وايمو”، وخربوا اثنتين أخريين. وتحول محيط وسط المدينة إلى بؤرة توتر مروري وأمني مع تجمهر المتظاهرين وقطعهم شوارع رئيسية.

وبحلول فترة بعد الظهر، أقامت شرطة لوس أنجلس طوقا أمنيا عند مسافة من المباني الفدرالية، لمنع اقتراب المحتجين من العشرات من عناصر الحرس الوطني التابعين للفرقة القتالية للواء المشاة 79، الذين انتشروا بالخوذ وملابس التمويه.

كما شهد أحد الطرق السريعة الرئيسية في المدينة توقفا تاما لحركة السير لأكثر من ساعة، بعد تجمع عشرات المتظاهرين عليه، ما استدعى تدخل هيئة الطرق السريعة التي استخدمت قنابل صوتية ودخانا لتفريقهم. وفي وقت سابق، سُجلت مواجهة محدودة أمام مركز احتجاز بين محتجين وعناصر فدراليين، قبل أن تقتصر باقي الاشتباكات على أجهزة إنفاذ القانون المحلية.

وشوهد انتشار إضافي لوحدات الحرس في منطقة باراماونت، بجوار متجر “هوم ديبو، وهو الموقع الذي شهد صدامات بين المتظاهرين والشرطة خلال اليوم السابق. أما في حي بويل هايتس شرق لوس أنجلس، فقد اجتذب أحد التجمعات الاحتجاجية نحو 200 مشارك بحلول الظهيرة، دون تسجيل أي حضور ملحوظ لعناصر إنفاذ القانون في تلك المنطقة.

هذه التطورات الميدانية تزامنت مع موجة انتقادات سياسية حادة لاستقدام الحرس الوطني إلى كاليفورنيا دون تنسيق مع سلطات الولاية. وكتب حاكم الولاية غافين نيوسوم على منصة “إكس”: “لم تكن لدينا مشكلة حتى تدخل ترامب”، معتبرا أن القرار “انتهاك خطير لسيادة الولاية” وأنه “يؤجج التوترات بينما يتم سحب الموارد من حيث الحاجة إليها”. معتبرا أن نشر الحرس الوطني يهدف فقط لـ”الاستعراض“.

قيما قال معارضون إن الرئيس الأمريكي، الذي جعل من مكافحة الهجرة غير النظامية ركيزة أساسية في ولايته الثانية، يتعمد تأجيج الشارع بنشر الحرس الوطني، وهو قوة احتياطية عادة ما تعمل بتوجيه من حاكم الولاية.

وكتب ترامب عبر منصته “تروث سوشيال” في الساعات الأولى من الصباح: “لن يتم التسامح مع هذه الاحتجاجات اليسارية الراديكالية التي ينظمها محرضون ومثيرو شغب غالبا ما يحصلون على أجور مقابل ذلك“.

وأصدر حكام ولايات أمريكية من الحزب الديمقراطي بيانا مشتركا وصفوا فيه خطوة ترامب بأنها إساءة استخدام للسلطة تنذر بالخطر”، مشددين على أن صلاحية نشر الحرس الوطني تعود دستوريا إلى حاكم الولاية. وفي المقابل، دافع الجمهوريون عن القرار، معتبرين أن الوضع الأمني في لوس أنجلس يستدعي تدخلا فدراليا.

وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون لشبكة “إيه بي سي”: “لست قلقا من ذلك على الإطلاق”، مضيفا أن نيوسوم “أظهر عجزا أو عدم استعداد للقيام بما يقتضيه الأمر هناك، لذا تدخل الرئيس”. وتعليقا على تلويح وزير الدفاع بإمكانية الاستعانة بمشاة البحرية، أضاف جونسون: “علينا أن نكون جاهزين للقيام بما يلزم“.

وفي تصريحات سابقة للصحافيين، قال الرئيس ترامب إن القوات المرسلة إلى لوس أنجلس “ستفرض قانونا ونظاما قويين جدا”، متوعدا المتظاهرين بالقول: “هناك أشخاص عنيفون، ولن نسمح لهم بالإفلات من العقاب”. وردا على سؤال حول تفعيل “قانون التمرد” الذي يتيح للرئيس نشر الجيش لقمع الاضطرابات، أجاب ترامب: “ننظر بشأن القوات في كل مكان. لن نسمح بحدوث ذلك في بلدنا“.

من جهته، أكد وزير الدفاع بيت هيغسيث استعداد وزارة الدفاع لنشر نحو 500 عنصر من مشاة البحرية “إذا لزم الأمر لتعزيز ودعم العمليات الفدرالية الجارية”. ويُعد الحرس الوطني جيشا احتياطيا يستعان به عادة في حالات الكوارث أو الاضطرابات، وبموافقة حكام الولايات، ما يضفي على قرار ترامب بُعدا سياسيا استثنائيا.

الذين تحدثت إليهم وكالة الأنباء الفرنسية أن نشر القوات لم يكن لحفظ النظام بل لترهيبهم. وقال توماس هينينغ: “أعتقد أنه تكتيك ترهيبي”، مضيفا: “هذه الاحتجاجات سلمية. لا أحد يحاول إلحاق الأذى في الوقت الراهن، ومع ذلك فإن عناصر الحرس الوطني متواجدون مع مخازن ممتلئة وبنادق كبيرة في محاولة لترهيب الأمريكيين من ممارسة حقوقهم التي يكفلها التعديل الأول للدستور“.

بدورها، قالت المتظاهرة إستريلا كورال إن المحتجين غاضبون من توقيف عمال مهاجرين كادحين “لم يرتكبوا أي خطأ”، معتبرة أن نشر القوات الفدرالية يفاقم الشعور بعدم الأمان. وأضافت: “هذا مجتمعنا ونريد أن نشعر أننا بأمان… نشر ترامب الحرس الوطني يثير السخرية. أعتقد أنه يصعد“.

أما مارشال غولدبرغ، البالغ من العمر 78 عاما، فقال إن وجود عناصر الحرس الوطني جعله يشعر “بالإهانة الشديدة”. وتابع: “نحن نكره ما فعلوه بالعمال غير المسجلين، لكن هذا ينقل الأمر إلى مستوى آخر من سلب الحق في الاحتجاج والحق في التجمع السلمي“.

وقال الناشط الحقوقي كينيث روس، الرئيس السابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، إنها المرة الأولى منذ العام 1965 التي يُنشر فيها الحرس الوطني دون طلب من حاكم الولاية، معتبرا أن ما يجري “استعراض من ترامب لمواصلة مداهمات الهجرة“.

وعلى الرغم من الانتقادات المتصاعدة، أظهر استطلاع أجرته شبكة “سي بي إس نيوز” قبل اندلاع احتجاجات لوس أنجلس أن غالبية طفيفة من الأمريكيين لا تزال تؤيد الحملة الفدرالية ضد الهجرة غير النظامية.

في المقابل، دافعت رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم عن المهاجرين المقيمين في الولايات المتحدة، وقالت إن “المكسيكيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة هم رجال ونساء نزيهون ذهبوا للبحث عن حياة أفضل وتأمين حاجات عائلاتهمهم ليسوا مجرمين“.

فرانس24/ رويترز/ أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *