
مرة أخرى، يبدو أنّ تنظيم (داعش) الإرهابي بصدد الكشف عن خطط جديدة في سوريا، ويقاوم لفرض واقع جديد من التهديدات وشن الهجمات الإرهابية، لا سيّما في ظل جملة من التغييرات السياسية، المحلية والإقليمية والدولية، حيث يسعى للتواجد ضمن المعادلات الجديدة. وكشف موقع (سايت)، الذي يتابع أنشطة الجهاديين، عن بيان تنظيم (داعش) الذي تبنّى فيه هجومه بـ”عبوة ناسفة زرعها (جنود الخلافة) مسبقاً على آلية للنظام السوري المرتد” في محافظة السويداء الجنوبية. وكان تبنّي الهجوم على دورية للفرقة (70) بالجيش السوري، مطلع الشهر الحالي حزيران ( يونيو)، مؤشراً على الأزمة المحتدمة مع الحكومة/ السلطة الانتقالية التي يقودها أحمد الشرع، وهي في حقيقتها ضمن تنافس قديم جديد بين تيارين جهاديين سبق لهما النزاع الدموي داخل خريطة الحرب السورية، بتحولاتها المعقدة.
خلايا تنظيم (داعش) تستيقظ
بدوره، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقره لندن، أنّ التنظيم الإرهابي تسبب في وقوع هجوم الأحد الماضي، وقال إنّ من نفذه “يعتقد أنّهم من خلايا (تنظيم داعش)”. وأوضح المرصد أنّ الهجوم استهدف “سيارة عسكرية تابعة لـ (قوات سوريا الديمقراطية) كانت ترافق قافلة لنقل النفط باتجاه مناطق سيطرة حكومة دمشق”. ويُعدّ الهجوم على قوات الشرع أمراً جديداً ومؤشراً على توتر العلاقة بين الطرفين في ظل التحول الطارئ بعد الوصول إلى دمشق وسقوط الأسد، ولكنّ استهداف (قسد) ليس بالجديد، إنّما هو استئناف لعمليات الثأر والانتقام والصراع الراديكالي، وتفاقمه محطات عديدة سواء المستجدات الأخيرة، أو هزيمة التنظيم الإرهابي على يد قوات (قسد) في الباغوز عام 2019.
بحسب مصدر عسكري في منطقة السويداء لشبكة CNN، قال: إنّ وحدة استطلاع من “جيش سوريا الحرة” تعرضت لكمين الأربعاء أثناء تعقبها لتحركات تنظيم (داعش) في المنطقة. وقُتل مقاتل واحد وأُصيب (3) آخرون. وتتلقى وحدات “جيش سوريا الحرة” الدعم من الجيش الأمريكي في منطقة التنف لخفض التصعيد، بالقرب من الحدود مع الأردن، حيث يوجد للولايات المتحدة موقع صغير. وأضاف المصدر أنّ “منطقة تلول الصفا وعرة وخطيرة للغاية، حيث كان التنظيم يستغل تضاريسها منذ فترة طويلة”.
فراغ أمني محتمل
يمكن القول إنّ الانسحاب المباغت للقوات الأمريكية سوف يخلق فراغات أمنية، ويشكّل فرصة مواتية للتنظيم الإرهابي للظهور مجدداً، كما سيضاعف الأعباء على قوات (قسد) المستهدفة من تنظيم (داعش)، فضلاً عن احتمالات تداعيات ذلك على مخيمي “روج والهول” اللذين يتواجد فيهما عناصر التنظيم وعائلاتهم، وأطفالهم الذين يُطلق عليهم اسم “أشبال الخلافة”. وهي المعضلة الأمنية التي تكاد أن تكون لغماً يتحول إلى انفجار يهدد ليس فقط سوريا، وإنّما ستنتقل عدواه ومخاطره على الأمن الإقليمي والدولي. فما زال التنظيم المنتشر منذ فترة ليست بالقليلة في البادية السورية، يحتمي بالمنطقة الصحراوية الشاسعة، ويراكم فيها ملاذاته وبناء محاضنه، لاستعادة قدراته التنظيمية، ويبحث عن فرص الانتشار والتمدد بعد فترة الكون والانحسار. وقد قضى (3) من (قسد) في هجوم لتنظيم (داعش) في شرق سوريا، بعدما “استهدف دورية تابعة لـ (قسد) أمن القوافل والطرق” على طريق الرقة الحسكة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية التي تنقل عن بيان (قسد) تصاعد نشاط خلايا (تنظيم داعش)”.
وقال بيان (قسد): “تم تفجير لغم أرضي موجّه بسيارة الدورية، ممّا أدّى إلى ارتقاء (3) من أعضائنا”، لافتاً إلى “وجود لغم ثانٍ في المنطقة، ويقوم خُبراء الألغام والمتفجرات بعمليات تمشيط دقيقة للكشف عنه وتأمين الموقع بالكامل”.
وقد سجل التنظيم المتطرف في الحادثة الأخيرة هجومه رقم (105) في مناطق الإدارة الذاتية منذ مطلع العام الحالي، بحسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو رقم كبير مقارنة بنشاط التنظيم في بقية المناطق السورية، وهو ما يفسّر سبب نشاط “قوات سوريا الديمقراطية” و”التحالف الدولي” في تعقب عناصر التنظيم واستمرار عملياتهم التي كان آخرها اعتقال عنصر أمني تابع للتنظيم يحمل الجنسية العراقية داخل مخيم الهول، حيث أعلنت (قسد) أنّ فرق العمليات العسكرية (TOL) نفذت السبت 31 أيار (مايو) الماضي عملية “أمنية دقيقة” بمشاركة قوات التحالف الدولي، أسفرت عن اعتقال شخص يُدعى “صالح علي سلمان علي”، وله كنيتان هما: “أبو خيرالله” و”أبو أواب”. وأفاد بيان (قسد) بأنّ المقبوض عليه “شارك بداية في معارك عدة مع (داعش) ضد الجيش العراقي، وعندما قُضي على التنظيم في العراق لجأ إلى سوريا ودخل مخيم الهول منتحلاً صفة لاجئ، حيث استأنف عمله مع التنظيم الإرهابي بصفة عنصر أمني. وكان يعمل على تجنيد الشباب ويزود (داعش) بجميع المعلومات عن المخيم وعن تحركات خلايا التنظيم داخله”.
وتزامنت هجمات (داعش) مع الانسحاب الأمريكي الأخير والمباغت، وقبله إعادة التموضع الذي جرى بالخروج من قاعدتي حقل “العمر وكونيكو” إلى ريف الحسكة والرقة. ويبدو لافتاً أنّ الانسحاب الأخير يحمل مؤشرات باحتمالات زيادة وتيرة العمليات الإرهابية لـ (داعش). وقال مسؤولان أمريكيان: إنّ أكثر من (500) جندي أمريكي انسحبوا من سوريا خلال الأسابيع الماضية، بعد الانتهاء من إغلاق قاعدتين عسكريتين أمريكيتين، وتسليم أخرى إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وكشف المسؤولان لشبكة FOX NEWS أنّ القواعد الأمريكية تشمل موقع دعم المهام “القرية الخضراء” الذي جرى إغلاقه، وموقع دعم المهام “الفرات” الذي جرى تسليمه إلى قوات سوريا الديمقراطية، كما أخلت القوات الأمريكية موقعاً ثالثاً أصغر. في حين نقلت صحيفة (نيويورك تايمز) عن مسؤولين أمريكيين، في نيسان (أبريل)، قولهما: إنّ الجيش الأمريكي يعتزم إغلاق (3) قواعد صغيرة من إجمالي (8) في شمال شرق سوريا. وذكرت الصحيفة آنذاك أنّه بعد مرور (60) يوماً سيُجري القادة العسكريون تقييماً لتحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من عمليات سحب الجنود، مشيرة إلى أنّ القادة أوصوا بإبقاء (500) جندي أمريكي على الأقل في سوريا.
لكنّ “التحالف الدولي”، قال: إنّ هذه التحركات “تعزيز مدروس لقواتهم في شمال شرقي سوريا وإعادة تموضع القوات ضمن عملية مدروسة ومرتبطة بالظروف الميدانية، وتهدف إلى تقويض قدرات (داعش) وتعزيز الاستقرار الإقليمي”، مؤكداً في الآن ذاته على استمرار التنسيق الوثيق مع شركاء التحالف وتحديداً “قوات سوريا الديمقراطية” من أجل الحفاظ على الضغط على (داعش) والتعامل مع “التهديدات الإرهابية المحتملة”. وذكر الناطق بلسان “البنتاغون” شون بارنيل، في بيان، أنّ القيادة المركزية الأمريكية ستظل مستعدة لمواصلة توجيه الضربات ضد “فلول داعش” في سوريا. وتابع: “ستواصل القيادة العمل عن كثب مع الشركاء في التحالف القادرين والمستعدين للحفاظ على الضغط ضد التنظيم والتصدي لأيّ تهديد إرهابي آخر قد ينشأ”.