لماذا يستهدف ترامب جامعة هارفارد حقًا؟

في عالم يواجه تحديات سياسية واجتماعية متصاعدة، تبدو الجامعات الكبرى ليست مجرد مؤسسات تعليمية فحسب، بل حصونًا للديمقراطية وحرية الفكر. فإذا انهارت أقدم جامعة في الولايات المتحدة، جامعة هارفارد، فإن ذلك لن يكون مجرد هزيمة أكاديمية، بل مؤشرًا خطيرًا على انحسار القيم الديمقراطية وفتح الباب أمام الاستبداد، وفي هذه المعركة التي تجري رحاها الآن بين إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وأعرق الجامعات الأمريكية، تتجلى صراعات السلطة والتأثير بين توجهات استبدادية ورغبة جامحة في الحفاظ على استقلالية الفكر والتعليم.

حسب صحيفة الجارديان البريطانية، الأحد 1 يونيو 2025، احتشد آلاف الطلاب وعائلاتهم بقبعات وأثواب التخرج ذات الحواف القرمزية، في حفل التخرج السنوي في جامعة هارفارد، لكن هذا العام حمل أجواءً مختلفة.

ورحب رئيس الجامعة، آلان جاربر، بالخريجين والمجتمع العلمي برسالة ضمنية حازمة، معبراً عن أهمية الطلاب الدوليين، الذين يشكلون شريان الحياة للجامعة، في مواجهة تهديدات إدارية تهدف إلى الحد من وجودهم وتعطيل دورهم.

أصبح صرح جامعة هارفارد التاريخي هدفًا مباشرًا لإدارة ترامب، التي تسعى إلى تقويض استقلاليته وقدرته على قبول الطلاب الدوليين، في محاولة لقطع أوصال هذه المؤسسة العريقة، استخدمت الإدارة سلطتها التنفيذية لمهاجمة العديد من المؤسسات، من بينها الجامعات، في إطار حرب شاملة تستهدف خصومها، وفي هارفارد، التي لم ترضخ، يواجه ترامب خصمًا عنيدًا لم يسبق له أن واجهه.

في يوم حفل التخرج هذا العام، وصف نجم كرة السلة السابق، كريم عبد الجبار، الجامعة بأنها “حصن للمعارضة ضد ترامب”، مؤكدًا أن الجامعة تمثل صمام أمان للحرية، وسط موجة من الضغوط التي تسعى لتجريد الدستور الأمريكي من محتواه.

تأسست جامعة هارفارد في 1636، قبل تأسيس الولايات المتحدة نفسها، ونمت لتخرج قادة وأيقونات عالمية في السياسة والعلوم والفنون والتكنولوجيا. ولكن الآن، تتعرض هذه المؤسسة العريقة لهجوم لم يشهده التاريخ الحديث، مع مزاعم إدارة ترامب حول قضايا التمييز والتهديدات الأمنية، والتي يُنظر إليها على أنها مبررات لهجوم سياسي ممنهج.

وفي أبريل، وجهت إدارة ترامب إلى هارفارد طلبات جذرية تشمل عمليات تدقيق خارجية وإعادة هيكلة البرامج، ما اعتبره رئيس الجامعة تنازلاً عن استقلاليتها وسيادة الحرية الأكاديمية، وتبع ذلك تجميد المنح الفيدرالية المخصصة للأبحاث التي تمولها الحكومة، بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار، ما دفع هارفارد إلى خوض معركة قضائية.

صعّدت الإدارة من حملتها بتلويحها بسحب تمويل الأبحاث العلمية وتحويل الموارد إلى الكليات المهنية، إضافة إلى قرارٍ صادم يمنع هارفارد من قبول الطلاب الدوليين، مع إجبار الطلاب الحاليين على الانتقال لجامعات أخرى، وإلا فقدوا وضعهم القانوني في الولايات المتحدة.

يشكل الطلاب الأجانب أكثر من ربع طلاب هارفارد، ويعدون مصدرًا ماليًا وعلميًا حيويًا. يخشى النقاد من أن هذه السياسات ستدفع أفضل العقول والمواهب العالمية بعيدًا عن أمريكا، مما يضعف موقعها التنافسي في العلم والابتكار على الصعيد العالمي.

في مواجهة هذه التحديات، رفعت الجامعة دعوى قضائية فازت بوقف مؤقت لتنفيذ الإجراءات، مع استمرار النقاش القانوني. كما هددت الإدارة بسحب الإعفاء الضريبي عن هارفارد، مما قد يكبدها خسائر مالية هائلة تؤثر على قدرتها في دعم الطلاب الأقل قدرة.

ويرى مراقبون تورطًا من شخصيات سياسية مثل جيه دي فانس وستيفن ميلر في تصعيد هذا الهجوم، والذي يُفسر على أنه محاولة لاحتواء وتخويف مؤسسات التعليم العالي التي تعتبر معاقل المعارضة السياسية والفكرية، كما يعكس الصراع طبقية عميقة، حيث يستغل ترامب رفض فئات معينة من الناخبين للجامعات الراقية ليحشد تأييدًا شعبويًا.

بينما قدمت جامعات أخرى تنازلات لاستعادة التمويل، اختارت هارفارد الصمود، مدعومة بميزانية ضخمة تبلغ 53 مليار دولار، ما منحها قدرة أكبر على مواجهة الضغوط القانونية والسياسية. ويعتبر هذا التحدي اختبارًا حاسمًا لمستقبل استقلالية التعليم العالي في أمريكا.

ويعلق الأكاديميون على أن المعركة ستنتصر فيها سيادة القانون، خاصة مع سجل ترامب القانوني الضعيف في المحاكم الفيدرالية، حيث خسر 96% من قضاياه، ويؤكد الخبراء أن الثبات والشجاعة أمران أساسيان للحفاظ على الحصون الأكاديمية ضد موجات الاستبداد.

وفي النهاية، تظل جامعة هارفارد رمزًا للحرية والبحث عن الحقيقة، تلك القيم التي يثير شعارها “الحقيقة” غضب ترامب، خصمه الأكبر. إن صمودها اليوم ليس فقط دفاعًا عن مؤسستها، بل عن جوهر الديمقراطية وحرية الفكر في الولايات المتحدة والعالم، وبغض النظر عن مصير إدارة ترامب، ستظل هذه الجامعة، التي تأسست قبل مئات السنين، منارة مضيئة في سماء المعرفة، يتحدى صمودها كل عواصف الاستبداد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *