الشهيبي: الأطراف الليبية تخشى الانتخابات .. وسيناريو الحرب هو الأقرب

على هامش انسداد الأفق السياسي في ليبيا، وتصاعد الصراع بين الكتائب المسلحة الذي فرض حالة من السيولة الميدانية في أحياء العاصمة طرابلس (غرب البلاد) خلال النصف الثاني من الشهر الفائت، تشكّلت تعقيدات عميقة تهدد مستقبل البلاد السياسي. قال البرلماني السابق توفيق الشهيبي: إنّ الأطراف الفاعلة في البلاد جميعها تخشى الانخراط في الاستحقاقات الانتخابية، خشية فقدان نفوذها ومواقعها في السلطة.

وأضاف الأكاديمي توفيق الشهيبي، أنّ البعثة الأممية عاجزة عن فرض خارطة طريق واضحة. وتابع قائلًا: إنّ “الدبيبة عندما وصل إلى منصب رئيس الحكومة قام مباشرة بتشكيل خليط غريب من أجل تثبيت وضعه: مزيج من النظام السابق والإسلام السياسي الأكثر تطرفًا، المتمثل في جناح الغرياني (دار الإفتاء)، واستطاع مزج هذا الخليط غير المتجانس بقوة المال والمناصب”.

وأكد أنّ ما يجمع الأطراف الفاعلة في الداخل الليبي “انعدام الثقة” بين من هم في المشهد الآن، إذ أنّ جميع علاقاتهم مبنية على تقاسم الغنيمة، المتمثلة في المال والمناصب، وغير ذلك لا يوجد شيء يجعلهم يلتقون أساسًا.

ورجّح، في سياق الحوار، أنّ السيناريو القادم سيكون “حكومة مصغّرة”، بالرغم من أنّ هذا الخيار سيكون – على الأرجح – بعد حرب أخرى، للأسف، سواء كانت حربًا شاملة أو حربًا مركّزة داخل العاصمة فقط.

نص حوار توفيق الشهيبي مع موقع حفريات

 

برأيكم، ما العوائق الحقيقية التي تحول دون التوصل إلى مسار حقيقي يفضي إلى إجراء الانتخابات؟

العوائق الحقيقية – بوجهة نظري – هي أنّ الأطراف الفاعلة على الأرض لا تريد أن تغامر بدخول انتخابات قد تفضي إلى استبعاد الشارع لهم عبر صناديق الاقتراع، فيصعب عليهم الموقف، فلن يرضوا بأن يخسروا كل مكاسبهم التي راكموها عبر أعوام طويلة، وفي الوقت نفسه سيكونون في موقف أصعب إذا ما رفضوا نتائج الانتخابات أو رفضوا الانصياع للسلطات المنتخبة.

من وجهة نظري، فإنّ كمّ المكاسب التي حققها من هم على الأرض الآن لن يحققوا منها شيئًا عبر انتخابات حرة ونزيهة، فالشارع سيستبعدهم جميعًا، وهذه – حسب وجهة نظري – أكبر مخاوفهم. لذلك، الوضع الحالي مناسب لهم جدًا، بل إنّ خيار الحرب والقتال بالنسبة إليهم أفضل بكثير من خيار الانتخابات.

إذاً، كيف ترون دور البعثة الأممية في ليبيا؟

 للأسف، دور البعثة الأممية لا يكاد يُذكر. البعثة لا تسمّي الأشياء بمسمياتها. أقوى دور لها كان عن طريق ستيفاني ويليامز في المسار الذي أفضى إلى الحكومة الحالية، ورغم أنّ العملية شابها فساد كبير متمثل في كمّ هائل من الرشاوى التي قدّمها بعض المتنافسين حينها للحصول على أصوات لجنة الـ (75)، وكان على رأسهم رئيس الحكومة الحالية، الذي ثبت أنّ ممثليه في الحوار قدّموا أرقامًا كبيرة كرشاوى لعدد من أعضاء الحوار.

ورغم ذلك، فضّلت البعثة دفن رأسها في الرمل وتركت العملية تتم، على الرغم من أنّهم كانوا يعون جيدًا فسادها. بالتالي، فقد أسهموا بشكل مباشر في جلب حكومة فاسدة من اليوم الأول. أمّا دور البعثة بعد ستيفاني، فهو أشبه بدور الناصح الذي لا يأخذ أحدٌ بنصيحته، ودورهم الحالي لا يتجاوز رفع التقرير الدوري لمجلس الأمن.

 

يقبض عبد الحميد الدبيبة على السلطة في غرب ليبيا، ويراكم حشوده وتحالفاته على حساب أمن المواطنين وسلامتهم. كيف ترى احتمالات السيولة في الأفق المنظور؟

آل الدبيبة كانوا ضمن من هربوا بعد السطو على المليارات من أموال الدولة في ثورة شباط (فبراير)، وعرّابهم علي الدبيبة الذي توثق التقارير الدولية كمّ الأموال التي نهبها، والتي عن طريق جزء منها عاد إلى ليبيا، ولكن هذه المرة بحكومة يملكونها، بعد أن كانت السلطات الليبية تضع أملاكهم تحت سلطة الحارس العام.

قلتها مبكرًا: لن يغادر الدبيبة سلميًا، وكان ممّن لهم دور كبير في إفساد الانتخابات الماضية. الدبيبة، إن عجز بالمال عن إطالة بقائه، فسيشعل حربًا تلو الأخرى مقابل بقائه في السلطة. وأقرب مثال عندما عجز عن السيطرة على غنيوة بالمال أمر باغتياله، حتى لو أدى ذلك إلى حرب تحرق العاصمة. ولن يتوانى عن إشعال حرب تلو الأخرى إن كانت ستؤدي إلى بقائه في السلطة. ولكن، عندما تحين اللحظة، فإنّه سيهرب بكل ما نهبه بعد أن يترك النيران مشتعلة وراءه، ولن يلتفت حتى التفاتة.

إلى أيّ مدى أسهمت التحالفات غير المُعلَنة مع جماعات الإسلام السياسي في ترسيخ موقع الدبيبة في المشهد؟

في تقديري أنّ عبد الحميد الدبيبة عندما وصل إلى منصب رئيس الحكومة، قام مباشرة بتشكيل خليط غريب من أجل تثبيت وضعه: مزيج من النظام السابق والإسلام السياسي الأكثر تطرفًا، المتمثل في جناح الغرياني (دار الإفتاء)، واستطاع مزج هذا الخليط غير المتجانس بقوة المال والمناصب.

في المقابل، قام بإبعاد تيار الإخوان المسلمين والمقرّبين منهم، لأنّهم كانوا متحالفين في قائمة أخرى (قائمة عقيلة ـ باشاغا). من وجهة نظري، فإنّ التحالف مع الغرياني وعصابته كان أقوى خطوة قام بها الدبيبة، فقد جعلهم واجهة دينية تحميه من التيار الإسلامي الآخر، وهو تيار الإخوان المسلمين ومن معهم

هل ترون أنّ الدبيبة بات يوظف الخطاب “المدني” كواجهة، بينما تتحكم قوى الإسلام السياسي في مفاصل حكومته؟

الدبيبة يستخدم مزيجًا متناقضًا ليظهر به كأنّه رجل يريد دولة مدنية ديمقراطية، ولكن في إطار الرجل الورِع التقي، فنراه تارة ينشر صورًا له وهو يصلي، وأخرى له وهو يؤذن في المسجد، أو وهو ملتصق بزعيم تيار دار الإفتاء الصادق الغرياني.

ولكن لا أظنّ أنّ تيار الغرياني هو المتحكم بمفاصل حكومة الدبيبة – على الأقل قبل مقتل غنيوة الككلي ـ فقد كان المتنفذون الميليشيات بالدرجة الأولى، وغنيوة على رأسهم. وهذا لا يعني أنّ الغرياني وجماعته لم يستفيدوا؛ بالطبع نالوا حصة لا بأس بها من الأموال والمناصب التي قوّت موقفهم بعد أن كانوا يومًا ما هاربين، بعد أن طُردوا من طرابلس عام 2015.

إلى أيّ مدى يجب أن يكون الحل بيد الليبيين؟

 لأكون صريحًا، الحل ليس بيد الليبيين، فالأطراف المسيطرة لديها تحالفات خارجية، وربما خطوط عريضة لا تستطيع تجاوزها بدون التشاور مع حلفائهم الأجانب. أمّا الشعب بشكل عام، فهو مستقطب بين هذه الأطراف الداخلية، ممّا يجعله عاجزًا عن التحرك كوحدة واحدة ضد الوضع القائم، والذي أساسه الأطراف المسيطرة على السلطة حاليًا.

ما السيناريوهات الأقرب للتحقق في الأفق المنظور؟ حكومة مصغّرة جديدة؟ دمج الحكومتين؟ أم ماذا برأيك؟

 السيناريوهات كلها متاحة، ولكن الأقرب سيكون حكومة مصغرة، بالرغم من أنّ هذا الخيار سيكون – على الأرجح – بعد حرب أخرى للأسف، سواء كانت حربًا شاملة أو حربًا مركزة داخل العاصمة فقط. أمّا خيار دمج الحكومتين، فهذا يعني فشلًا آخر محتومًا، وسيخلق جسمًا سيكون أسوأ من كونهما منفصلين.

وأخيرًا، لا يوجد شيء اسمه “بناء ثقة” بين من هم في المشهد الآن، بل أساس علاقتهم هو انعدام الثقة. جميع علاقاتهم مبنية على تقاسم الغنيمة، المتمثلة في المال والمناصب، غير ذلك لا يوجد شيء يجعلهم يلتقون أساسًا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *