
أصدرت محكمة مصرية، يوم الأربعاء، حكماً يقضي بترسيخ ملكية الدولة المصرية للأراضي التابعة لدير سانت كاترين التاريخي، مع منح الرهبان حق الانتفاع بهذه المواقع الدينية الأثرية. وجاء الحكم في إطار نزاع قانوني بين محافظة جنوب سيناء وإدارة الدير حول ملكية الأراضي التي يقع عليها، كما أثار الحكم خلافاً دبلوماسياً بين القاهرة وأثينا و اعتبرته الكنيسة الأرثوذوكسية اليونانية بمثابة “فضيحة دينية” وتهديد مباشر لمكانة الدير. الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف في مدينة الاسماعيلية، يعيد إلى الواجهة قضايا الخلاف الكنسي وما يتبعه من إشكاليات سياسية حول واحد من أقدم الأديرة المأهولة في العالم، والواقع عند سفح جبل سيناء في جنوب شبه جزيرة سيناء.
ودافعت الحكومة المصرية عن قرارها القضائي، واعتبرته خطوة لترسيخ سيادتها الوطنية وحماية تراثها الديني.
وفي بيان رسمي، أكدت رئاسة الجمهورية المصرية أن الحكم “يرسخ المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين”. وأكد البيان على التزام الحكومة الكامل بالحفاظ على هذا المعلم التاريخي والديني المهم. وأوضحت أن الحكم يتسق مع تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارته إلى العاصمة اليونانية أثينا في مطلع شهر أيار/مايو الجاري، على أهمية الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع اليونان.
اختبار حقيقي للعلاقات المصرية اليونانية
ويشكل الحكم اختباراً حقيقياً للعلاقات التاريخية بين مصر واليونان، التي شهدت زخماً كبيرا في السنوات الأخيرة. وأثار الحكم خلافاً دبلوماسياً مع أثينا وغضباً كبيراً في الأوساط الدينية.
عبر وزير الخارجية اليوناني يورغوس بيرابتريتيس عن قلق بالغ حيال الحكم.
وخلال اتصال هاتفي، أبلغ الوزير اليوناني نظيره المصري بدر عبد العاطي أن القرار يشكل تهديداً للاتفاقيات المبرمة بين البلدين بشأن الدير.
ووصف رئيس أساقفة أثينا واليونان، إيرونيموس الثاني، الحكم بأنه “فضيحة” وانتهاك للحريات الدينية ويشكل تهديداً مباشراً لمكانة الدير. واعتبر إيرونيموس أن القرار المصري يفتح الباب أمام اختبار جاد لمصير الدير، واستحضاراً “لمراحل تاريخية مظلمة”. على حد تعبيره.
وفي محاولة لطمأنة الجانب اليوناني، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية بأن كل ما يذكر “عار تماماً عن الصحة”، نافياً وجود أي نية للمساس بدير سانت كاترين أو الأراضي التابعة له.
وشددت الرئاسة المصرية على قوة العلاقات الأخوية ومتانتها بين مصر واليونان، مشددة على احترام الرموز الدينية والتاريخية المرتبطة بالديانة المسيحية الأرثوذوكسية.
ما دوافع الخلاف على الدير المدرج على قائمة التراث
الخلاف بين مصر واليونان حول دير سانت كاترين ليس بجديد، بل تعود جذوره إلى الطبيعة الفريدة لهذا الموقع الديني.
ويتبع الدير بإدارته إلى الكنيسة الأرثوذوكسية الشرقية، وتحديداً بطريركية الروم الأرثوذوكس في القدس، وهي كنيسة ذات جذور يونانية، ومعظم رهبان هذا الدير هم من الرهبان اليونانيين الذين يديرونه وفق التقاليد الأرثوذوكسية البيزنطية.
ويشكل هذا الموقع التاريخي رمزاً دينياً وحضارياً، ويضم في قلبه رفات القديسة كاترين، ما يجعله مزاراً هاماً للمسيحيين الأرثوذوكس حول العالم، وخاصة من اليونان.
اشتعل الجدل على منصات التواصل الاجتماعي بعد صدور الحكم، وتباينت آراء المغردين بين من يرى أن الحكم يؤكد سيادة الدولة المصرية على أراضيها ويحفظ مصالحها الوطنية.
فيما رأى فريق آخر أن القرار يمس خصوصية الدير وحقوق الرهبان، وانتشرت منشورات تتحدث عن “نية الحكومة المصرية لطرد الرهبان وتحويل الدير إلى مزار سياحي” الأمرالذي نفته السلطات بشكل قاطع.
لعرض هذا المحتوى من X (Twitter) من الضروري السماح بجمع نسب المشاهدة وإعلانات X (Twitter).
وهذا الجدل ليس الأول من نوعه، إذ أثار مشروع تطوير ضخم أطلقته الحكومة المصرية لتعزيز السياحة في منطقة سانت كاترين جدلاً واسعاً. ويرى مراقبون أن المشروع قد يؤثر سلباً على النظام البيئي للمحمية الطبيعية المحيطة بالدير، فضلاً عن تهديد الطابع الروحي والتاريخي للدير.
يبقى دير سانت كاترين في قلب أزمة دبلوماسية، ويعكس جانباً حساساً من العلاقات المعقدة بين مصر واليونان، والتي لطالما اتسمت بالتعاون الوثيق في مجالات عدة، بدءاً من الطاقة والاقتصاد وصولاً إلى التنسيق الأمني والإقليمي في شرق المتوسط. وشهدت العلاقات الثنائية دفعة قوية خلال السنوات الماضية، مدفوعة بالمصالح الاستراتيجية المشتركة في مواجهة التوترات الإقليمية.
إلا أن الموقع المصنف على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، يجمع بين الرمزية الدينية والتاريخية والثقافية والبيئية، فهو لا يمثل مجرد موقع أثري فحسب، وإنما تعتبره اليونان جزءاً من هويتها الروحية والثقافية، في حين ترى فيه مصر رمزاً لتراثها الوطني والدولة، ووجهة سياحية هامة.