
توفي باماكو أمس الجمعة المغني المالي أمادو باجايوكو عن عمر ناهز 70 عاما بعد مرض عضال، حسبما أعلنت عائلته. وهو زوج المغنية مريم دومبيا، وقد رسخ الثنائي مكانتهما على الساحة الدولية بعد مسيرة طويلة في أفريقيا، أولاً بأغنية “Mon amour, ma chérie” في عام 1998، ثم في عام 2004 مع الألبوم “Dimanche à Bamako” من إنتاج مانو تشاو.
في قلب العاصمة المالية باماكو، وُلد أمادو باجايوكو يوم 24 أكتوبر 1954، ليبدأ منذ طفولته المبكرة عزف إيقاع الحياة بنغمة موسيقية خالصة، لم يكن عمره يتجاوز العامين حين بدأ بتعلم الإيقاعيات، ثم انتقل في العاشرة إلى الهارمونيكا والناي. غير أن القدر كان يُخفي له آلة ستُغيّر مساره الفني بالكامل: الغيتار، الذي تعرّف عليه بفضل أحد أعمامه.
في فترة مراهقته، كان أمادو يُغذي ذائقته الموسيقية بسماع أساطين الروك والبلوز مثل جيمي هندريكس، ليد زبلن، جون لي هوكر، وإريك كلابتون، دون أن يغفل عن الموسيقى الكوبية والأغنية المالية الأصيلة. ومنذ عام 1968، بدأ مسيرته مع فرق موسيقية مختلفة، أبرزها الأوركسترا الوطنية في مالي، وأوركسترا نيارلا وكوتيالا.
بين عامي 1974 و1980، شارك في واحدة من أشهر الفرق الموسيقية في مالي: “سفراء الموتيل”، التي ضمت أسماء لامعة مثل ساليف كيتا، وقدّمت عروضا في فرنسا وساحل العاج وغينيا كوناكري وبوركينا فاسو. وفي تلك الأثناء، فقد أمادو بصره بسبب إصابته بمياه بيضاء خلقية، الأمر الذي دفعه للالتحاق بمعهد الشباب المكفوفين في باماكو عام 1975، حيث التقى بمريم دومبيا، التي أصبحت بعد ذلك شريكة حياته الفنية والعاطفية.
في المعهد، أسّس الطلاب فرقة موسيقية عام 1976 بقيادة أمادو، ثم تلتها أوركسترا عام 1977 كانت مريم مطربتها الأساسية. بدأت الفرقتان في تقديم عروض توعوية وحفلات موسيقية، تمهيدًا لتأسيس الثنائي الفني الذي انطلق رسميا عام 1980، حين تزوّجا وقدّما أول حفل لهما كثنائي في ملعب بوبو ديولاسو.
عام 1981، أسّس أمادو فرقة “ميريا” المؤلفة من موسيقيين مكفوفين، وتولى إدارتها الفنية، إضافة إلى إشرافه على الأنشطة الموسيقية والمسرحية في المعهد. وفي العام التالي، نال جائزة “اكتشافات” التي تنظمها إذاعة RFI، إلى جانب جائزة الوكالة الدولية للتعاون الثقافي والفني (ACCT). كانت هذه الجوائز بمثابة دفعة قوية نحو احتراف المسيرة الموسيقية.
عام 1997 سجّل الثنائي أول أسطوانة مدمجة يتم توزيعها في أوروبا، بعنوان “Sou Ni Tilé” (الليل والنهار)، والتي ضمت أغنية “Mon amour, ma chérie” التي سرعان ما صنعت لهما شهرة واسعة. أعقب ذلك مشاركتهما في مهرجان “ترانز ميوزيكال” بمدينة رين الفرنسية، ثم إصدار ألبومين جديدين: “Se Te Djon Ye” و**”Tje Ni Mousso”** (الرجل والمرأة).
غير أن النقلة الكبرى جاءت عام 2004 مع ألبوم “Un Dimanche à Bamako” (أحد في باماكو)، من إنتاج مانو تشاو، والذي عاش “حبا من أول نغمة” مع موسيقاهما. فاز الألبوم بجائزة أفضل ألبوم عالمي في جوائز “انتصارات الموسيقى” عام 2005، وكرّس مكانة أمادو ومريم كرمزين عالميين للموسيقى الأفريقية الحديثة.
في نوفمبر 2008، صدر ألبوم “Welcome to Mali”، من إنتاج مارك أنطوان مورو ولوران جاي، بمشاركة دامون ألبارن في أغنية “Sabali”، التي مزجت بين البوب والهوية الثقافية. تضمن الألبوم تعاونات مع نجوم عالميين مثل تيكن جاه فاكولي وK’Naan وخوان روزوف وماتيو شديد، ما جعله محطة عالمية بامتياز.
رافق الألبوم جولات موسيقية حول العالم، حيث شارك الثنائي في حفلات فرقة “كولدبلاي” خلال جولتها الأميركية، وغنّيا في حفل جائزة نوبل للسلام الممنوحة للرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2009، وافتتحا أيضا حفل كأس العالم في جنوب إفريقيا عام 2010.
في مارس 2012، أطلق أمادو ومريم ألبومهما السابع “Folila” (صُنع الموسيقى بلغة البامبارا)، مسجّلا بين نيويورك وباماكو وباريس.
جمع الألبوم كوكبة من الفنانين من مختلف القارات: برتران كانتات، إدريسا سوماورو، توماني دياباتي، سانتيغولد، TV on the Radio، أمب فايندلر، ثيوفيليوس لندن، جايك شيرز، وإيبوني جونز. وقد شكّل هذا الألبوم تجربة موسيقية عابرة للثقافات والحدود، تحاكي قيم التضامن والحب والديمقراطية.
واصل الثنائي المالي جولاته في أوروبا وأمريكا الشمالية بعد إطلاق الألبوم، وشاركا في أكثر من ثلاثين حفلاً موسيقيًا حتى عام 2024، حيث صدر ألبوم “La Vie est belle” (الحياة جميلة)، وهو مجموعة مختارة من أبرز أغانيهما مع بعض الإضافات الجديدة.
جاء إلى باريس وغنى “أتيت لأقول لك أنني راحل“!
في سبتمبر 2024، وخلال حفل اختتام دورة الألعاب البارالمبية في باريس، أدّى الثنائي أغنية “Je suis venu te dire que je m’en vais” (أتيت لأقول لك أنني راحل) لسيرج غينسبورغ، في أداء بدا كأنه وداع، يحمل في نغماته نبوءة حزينة.
