
أثار رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، رئيس اتحاد القبائل والعائلات في مصر، جدلاً واسعاً بعد تصريحاته الأخيرة التي اعتبر فيها أن “بدو مصر خط أحمر”، رداً على تصريحات عضو لجنة تطوير السياحة حامد الشيتي، الذي وصف البدو بأنهم يشكلون عقبة أمام المشاريع السياحية في الساحل الشمالي.
لكن خلف هذا الجدل الظاهر، يكمن دور أكثر خطورة للعرجاني، الذي لم يعد مجرد رجل أعمال، بل أصبح أحد أذرع النظام المصري، بتواطؤ مباشر مع محمود السيسي، في السيطرة على سيناء وتحويلها إلى ساحة نفوذ مغلقة أمام الفلسطينيين والمعارضين.
منذ سنوات، لم يكن اسم العرجاني متداولًا في الأوساط السياسية والإعلامية كما هو اليوم، لكن بفضل الدعم غير المحدود من النظام المصري، أصبح واحدًا من أبرز رجال الأعمال وأكثرهم نفوذاً في سيناء، حتى تحوّل إلى شريك استراتيجي للنظام في كل ما يتعلق بالمنطقة، سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية.
تزايد نفوذه بشكل لافت مع تصاعد الدور الإماراتي في سيناء، خاصة مع صفقة “رأس الحكمة” التي حصلت بموجبها مصر على مليارات الدولارات مقابل منح أبوظبي حقوق تطوير المنطقة الساحلية الاستراتيجية.
في هذا السياق، تحول العرجاني إلى ذراع تنفيذية للنظام، يُستخدم لتأمين المصالح المصرية-الإماراتية على الأرض، ولعب دوراً محورياً في إحكام الحصار على قطاع غزة من خلال شركاته العاملة في المعابر.
الأخطر من ذلك، أن النظام المصري لم يعد يعتمد فقط على الجيش والقوات الأمنية للسيطرة على سيناء، بل بات يعتمد على العرجاني ومجموعته كقوة “شبه عسكرية” تمثل امتداداً غير رسمي للأجهزة الأمنية.
فإلى جانب دوره الاقتصادي، تضطلع شركاته بمهام أمنية تتجاوز صلاحياتها التجارية، حيث تفرض قيودًا على حركة الفلسطينيين وتتحكم في عمليات تهجيرهم من القطاع مقابل مبالغ باهظة.
الجدل حول تصريحات العرجاني بشأن بدو مصر لا يمكن فهمه بمعزل عن دوره الأوسع في المشهد السياسي والأمني.
الرجل الذي ظهر كمقاول يسيطر الآن على مساحات واسعة من النفوذ بفضل دعم السيسي، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان النظام يسعى لتأسيس ميليشيات خاصة به خارج إطار المؤسسات الرسمية.
العرجاني استخدم نفوذه لإحكام الحصار على الفلسطينيين عبر شركته “هلا”، التي فرضت رسومًا باهظة على خروج المدنيين من قطاع غزة، وهو ما أثار انتقادات حادة وصلت إلى حد اتهامه بالتربح من معاناة المحاصرين.
لكن دوره لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد إلى الداخل المصري، حيث بدأ يلعب دورًا بارزًا في قمع البدو وفرض السيطرة على سيناء تحت غطاء “اتحاد القبائل والعائلات”.
هجوم العرجاني على الشيتي لم يكن مجرد رد فعل عاطفي، بل يعكس نفوذه المتزايد، فهو لا يتحرك كشخص مستقل، وإنما كذراع للنظام يستخدمه في فرض معادلات القوة الجديدة داخل الدولة.
وما تصريحاته الأخيرة إلا محاولة لتأكيد هيمنته داخل سيناء، باعتباره الممثل غير الرسمي للدولة في التعامل مع القبائل.
ظهور العرجاني بهذا الشكل يثير مخاوف من أن النظام المصري يسعى لتأسيس ميليشيات محلية تخضع لسيطرته، على غرار النماذج التي اعتمدتها بعض الأنظمة القمعية في العالم العربي.
فالاعتماد على رجل أعمال مدعوم أمنيًا، يمتلك شبكة علاقات قوية داخل الدولة، يعني أن هناك توجهاً لجعل سيناء منطقة نفوذ خاضعة لحكم “أمراء الحرب” المحليين.
الخطورة هنا ليست فقط في السيطرة على الموارد، بل في إمكانية استخدام هذه الميليشيات مستقبلاً في قمع أي حراك شعبي داخل مصر، خاصة مع تزايد التوترات الداخلية.
فمن خلال دعم العرجاني، يمنح السيسي لنفسه ذراعًا غير نظامية يمكنه تشغيلها متى أراد، بعيدًا عن أي مساءلة قانونية أو ضغوط دولية، لكن السؤال الأهم الآن: إلى أين يتجه هذا التحالف بين السيسي والعرجاني؟ وهل نشهد قريبًا ولادة “ميليشيات خاصة” داخل الدولة المصرية؟
ما هو واضح حتى الآن أن العرجاني لن يكون مجرد رجل أعمال عادي، بل يبدو أنه يتحول بسرعة إلى أحد رجال النظام الأكثر نفوذًا، في وقت يحتاج فيه السيسي إلى أدوات جديدة للسيطرة، بعيدًا عن الطرق التقليدية التي لم تعد كافية لضمان بقائه في السلطة.