
تواصل الجمعيات الخيرية الإسلامية في بريطانيا جهودها في دعم المجتمعات الضعيفة، لكنّها تجد نفسها أمام تحديات غير مسبوقة قد تهدد قدرتها على الاستمرار في تقديم مساعداتها. ويكشف تقرير حديث صادر عن منتدى الجمعيات الخيرية الإسلامية، بدعم من جامعة أبردين في اسكتلندا، الصعوبات المتزايدة في الوصول إلى الخدمات المصرفية الأساسية، إذ تواجه الجمعيات صعوبات في فتح الحسابات المصرفية وإجراء التحويلات المالية، بسبب سياسات “إزالة المخاطر” (ممارسات تتبعها المصارف لتجنب المخاطر المتعلقة بغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، عبر تقليص التعامل مع بعض العملاء أو الأنشطة المالية) التي تفرضها المؤسسات المالية.
بيد أنّ هذه القيود ليست مجرد عقبات تنظيمية بل تثير تساؤلات أعمق حول الاستهداف الممنهج لهذه الجمعيات، في سياق سياسات مكافحة الإرهاب والإسلاموفوبيا البنيوية التي قد تساهم في إعاقة عملها الخيري محلياً ودولياً. وبحسب التقرير، أبلغت 68% من الجمعيات الخيرية، التي يقودها مسلمون، عن صعوبات في فتح الحسابات المصرفية، ما يعكس حاجتها الماسة للوصول إلى الخدمات المالية لتلبية احتياجات المجتمعات المحلية والدولية. وأدت التعقيدات إلى انسحاب 42% من الجمعيات من الخدمات المصرفية بالكامل، ما يعزلها عن النظام المالي، ويشكل تهديداً لاستمرارية عملها الخيري.
من جهتها، أفادت 42% من هذه الجمعيات بوجود صعوبات كبيرة في تحويل الأموال، ما تسبب في تأخير تنفيذ مشاريع إنسانية ضرورية. هذا التأخير لا يقتصر على المعوقات المالية فقط، بل يؤثر بشكل مباشر في علاقات الجمعيات مع شركائها في التنفيذ، ما يهدد الثقة، ويعقد الشراكات الضرورية لإنجاز المهام الإنسانية.
يقول مسؤول السياسات في منتدى الجمعيات الخيرية الإسلامية، عبد السميع أرجوماند، في حديثه لـ”العربي الجديد”، إن سياسات “إزالة المخاطر” تساهم في زيادة الضغوط الاقتصادية على الجمعيات الخيرية التي يديرها مسلمون في بريطانيا، والتي تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى الخدمات المالية الأساسية. ويشير إلى أن تأخير المدفوعات أو تجميد الحسابات يؤدي إلى استنزاف الموارد المالية، ما يدفع هذه المؤسسات للاعتماد على أموال الطوارئ أو الاحتياطيات غير المقيدة، وفي بعض الحالات على الموارد الشخصية للأمناء.
ويؤكد أرجوماند أن هذه السياسات تقوّض الاستقرار المالي للجمعيات، ما يعرقل قدرتها على الاستجابة للأزمات الإنسانية، ويترك المجتمعات الضعيفة بلا دعم حيوي. يضيف أن تعطيل العمليات المالية يؤدي إلى تأخير المساعدات المنقذة للحياة، فكلما طالت فترة تجميد الحسابات أو تأخرت المدفوعات، زاد الوقت الذي تستغرقه هذه المؤسسات للاستجابة السريعة للطوارئ. ورداً على إمكانية إنشاء مؤسسة مالية مستقلة لتخفيف الاعتماد على المصارف الرئيسية، يوضح أرجوماند أن “إنشاء مؤسسة مالية مستقلة لن يكون الحل الفعّال لمشاكل الجمعيات الخيرية، فالمصارف تتبع سياسات معينة، بسبب تطبيق الأطر العالمية لمكافحة الجرائم المالية بشكل غير صحيح على المؤسسات الخيرية.
كما أن المؤسسات المستقلة ستواجه مشاكل مماثلة. علاوة على ذلك، في حال استمرت المصارف والجهات التنظيمية في تطبيق سياسات إزالة المخاطر التي تعوق قدرة المؤسسات الخيرية على الاستجابة للطوارئ، خصوصاً في المناطق الجغرافية الصعبة، فإنّ هناك خطراً حقيقياً من أن تضطر هذه الجمعيات للعمل خارج النظام المصرفي الرسمي، وهو ما نريد تجنبه بكل الوسائل“.
ويؤكد أرجوماند أنه بدلاً من ذلك، يجب أن ندعو إلى تغيير شامل في الإطار المصرفي القائم. ويشير إلى أنّ السردية التي تروج لها المصارف تصوّر الجمعيات الخيرية على أنها محفوفة بالمخاطر بطبيعتها، وهو تصور بعيد عن الحقيقة. تعتمد الجمعيات على آليات مساءلة قوية، بالإضافة إلى المسؤولية الكبيرة المتمثلة في تقديم التقارير إلى الجهات المانحة وتعزيز الثقة. كما أن التواصل الشفاف والممارسات المصرفية الأكثر عدلاً، بالإضافة إلى توفير الحماية القوية للجمعيات الخيرية ومواردها، هي خطوات أساسية لضمان توازن المؤسسات المالية بين التزاماتها التنظيمية واحتياجات القطاع.
ويكشف التقرير التحديات التي تواجهها الجمعيات الخيرية الإسلامية في بريطانيا وخارجها، نتيجة للتدقيق المصرفي غير المتناسب، خصوصاً تلك العاملة في مناطق ذات مخاطر عالية أو نزاع، التي تُبرر عادة بسياسات مكافحة الإرهاب. وتعكس هذه السياسات استهدافاً مجحفاً للجمعيات، ما يزيد الأعباء المالية ويعرقل سير أنشطتها الخيرية.
وتدعو الجمعيات الإسلامية صنّاع القرار والمؤسسات المالية والجمهور إلى التدخل العاجل للتصدي للآثار السلبية لهذه القيود، مؤكدة ضرورة تمكين الجمعيات الخيرية الإسلامية من الاستمرار في أداء دورها الحيوي في دعم المجتمعات داخل بريطانيا وخارجها.