مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا

لم يتمكن المخرج الفرنسي الإيراني دياكو يزداني من الحصول على التأشيرات اللازمة لاستقدام عائلته إلى فرنسا، بعد أن كان من المفترض أن تؤدي إلى جانبه، دورا تمثيليا في فيلمه الوثائقي. ويروي يزداني قصة نضال فيها مزيج من السخرية والإصرار لإنقاذ عمل كان قد أُعد كل شيء من أجل إنجازه.

يؤكد المخرج الكردي الفرنسي -الإيراني ومنتج فيلم Une Famille comme les autres أن “كل شيء كان جاهزا: مدير التصوير، ومهندس الصوت، ومصمم الديكور، وموقع التصوير…”

لكن عشية التصوير، لم تسر الأمور كما كان متوقعا. رفضت فرنسا منح تأشيرات دخول إلى فريق العمل، ما أعاق سفر الممثلين من طهران إلى باريس. وكان مقررا أن يتوجه ممثلو وممثلات الوثائقي، وهم أفراد عائلة المخرج، إلى باريس للمشاركة في التجربة السينمائية.

يعبر الفنان واللاجئ في فرنسا منذ العام 2011 عن مشاعر الغضب وخيبة الأمل التي انتابته. لم يكن يتوقع رفض التأشيرات من السلطات الفرنسية، علما أن الفيلم المذكور ليس أول أعماله. فقد تتلمذ يزداني على يد المخرج العالمي عباس كيارستمي وأنجز تحت إشرافه أربعة أفلام قصيرة في مؤسسة هنرى كارنامه للفنون والثقافة في طهران.

سبق لعائلة المخرج البالغ من العمر 43 عاما، أن شاركت في فيلم Toutes les vies de Kojin الذي أنتج في 2019 والذي حاز على جائزة الأفلام الوثائقية في مهرجان  LGBT+Chéries-Chéris  السينمائي. ويتمحور هذا العمل، الذي تم تصوير جزء منه في كردستان العراق، حول شخصية كوجين، صديق المخرج، الكردي، المثلي والذي يبلغ من العمر 23 عاما. شكل ذلك صدمة ثقافية للعائلة التي يصفها يزداني بالمتدينة.

يدعو هذا العمل الفني، بما يحمله من طابع كوميدي، إلى المزيد من التسامح تجاه الآخرين. ولم تكن عملية التصوير في كردستان العراق خالية من المخاطر بالنسبة لدياكو يزداني، وكوجين، الذي يتجلى دوره أكثر فأكثر خلال الوثائقي، ليشق طريقه نحو الحرية.

في عمله الأخير، أراد دياكو يزداني أن يظهر تفاعلات عائلته – المؤلفة من والدته، وإخوته وأخواته الأربعة، وأزواجهم، وأطفالهم – في ظل غياب الأب لسنوات بسبب التزامه السياسي، ومن ثم عودته التي كانت صعبة بالنسبة للعائلة.

وكان المخرج، الذي مُنع من إنجاز الفيلم في إيران، قد قرر تصويره في فرنسا، بعد إتمامه الجزء الأول في السليمانية في كردستان العراق. ويوضح يزداني “لقد نجحت بصعوبة، في إقناعهم جميعا بالقدوم إلى فرنسا، كي نتكلم معا عن كل ما لم نتجرأ على قوله في الماضي“.

وبحسب السيناريو، كان من المقرر أن يتم تصوير أحد المشاهد في قصر فرساي، لتوقيع “معاهدة سلام” بين أفراد العائلة، شبيهة بمعاهدة فرساي الشهيرة والمثيرة للجدل التي أبرمت عام 1919 وكان من المفترض أن ترسي السلام بين دول الحلفاء ودول المحور.

ويوضح المخرج الذي حصل على الجنسية الفرنسية منذ خمس سنوات، والذي يفتخر بمساهمته في الإبداع السينمائي الفرنسي: “لقد حصل فيلمي الذي أنتجته شركة فرنسية، على دعم مالي من المركز الوطني للسينما (CNC) ومصادر تمويل أخرى للسينما الفرنسية، لذلك نحن ملزمون بالتصوير في باريس“.

يقول المخرج “لطالما اعتبرت نفسي فرنسيا ولم أشكك يوما في الأمر”، موضحا أنه شعر وكأنه يجرد من هويته وانتمائه. وأضاف “شعرت وكأن الدولة تقول لي: لا تنس أنك لست فرنسيا حقا“. وأبدى الفنان استغرابه حيال سبب رفض التأشيرات من جانب السفارة الفرنسية في إيران. إذ شرح له أحد موظفيها أن الطلب ينطوي على نوايا خفية للهجرة إلى فرنسا.

ويكرر المخرج: “لا زلت لا أفهم سبب الرفض”، مؤكدا أن عائلته لم تكن لديها أي نية للهجرة إلى فرنسا. وأضاف “إنه لأمر مخز، لأنني واجهت صعوبة في إقناعهم بالمجيء. فهم لا يتحملون قضاء فترة طويلة بعيدًا عن المنزل في بلد لا يفهمون لغته“. ويعبر يزداني عن استيائه بالقول: “لقد نظمنا الأمور لكي لا يستغرق التصوير أكثر من أسبوعين، ولكي تعود بنات إخوتي في الوقت المناسب إلى المدرسة مع بداية العام الدراسي في إيران، وأرفقنا طلب التأشيرات بكافة المستندات المطلوبة“.

في الواقع، تتميز شخصية المخرج بروح الفكاهة، ويتمتع بخبرة في استخدام السخرية في أفلامه. ويقول: “ما هي التهمة التي أثيرت حولي؟ هل انتحلت صفة مخرج، أو استخدمت أموال المركز الوطني للسينما بدلا من دفعها لمهرب، وهل أنشأت هذا المشروع بالكامل لكي يهاجر 15 شخصا من عائلتي إلى فرنسا؟

في البداية، تم تقديم طلب لـ15 شخصا. لكن مع مرور الأسابيع، وبعد التواصل مع السلطات الفرنسية، أدرك دياكو يزداني ومنتج الوثائقي أنهما بحاجة إلى تقليص عدد الممثلين إلى ستة. شكل ذلك صدمة للمخرج وضربة قاسية للعمل. يقول منددا “تخيل أنك تكتب مسرحية فيها خمسة عشر ممثلا. وفجأة، يُقال لك إن عليك حذف تسع شخصيات. وثم ينتهي بك الأمر بستة ممثلين على المسرح. إنه نسف للعمل“.

تذكر خيبة أمل دياكو يزداني برسالة المخرجة الفرنسية الإيرانية مرجان ساترابي التي رفضت فيها وسام جوقة الشرف الفرنسي في منتصف كانون الثاني/يناير. إذ استنكرت ساترابي المعروفة عالميا بقصصها المصورة وفيلمها Persepolis، موقفا فرنسيا منافقا” خصوصا في ما يتعلق بمنح التأشيرات للإيرانيين.

وقالت في مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي: “أواجه منذ فترة طويلة صعوبة بالغة في فهم سياسة فرنسا تجاه إيران”. وأعربت عن أسفها لأن “الشباب الإيرانيين المحبين للحرية، والمعارضين، والفنانين، يُرفض منحهم تأشيراتبما في ذلك تأشيرات سياحية. في حين يتجول أبناء “الأوليغارشية الإيرانية” “في باريس وسان تروبيه، من دون أن يشكل ذلك أي مشكلة“.

من جانبه، يقول دياكو يزداني إنه يدرك أن عائلته ليست جزءا من النخبة الإيرانية، “وهذا ما يجعل الأمور أكثر تعقيدا. ويضيف “إنهم ليسوا فقراء ولا أغنياء. هم ينتمون إلى الطبقة المتوسطة ويعيشون في بلدة جوانرود الإيرانية”. وتعرضت هذه المدينة الكردية لقمع عنيف من السلطات الإيرانية أثناء

وبعد انتفاضة “المرأة والحياة والحرية” التي أعقبت وفاة مهسا أميني، الشابة الكردية الإيرانية التي قُتلت بعد توقيفها لدى شرطة الأخلاق، بسبب عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة في أيلول/سبتمبر 2022.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *