بدت موسكو مستعدة لتحمل الألم الاقتصادي الناجم عن العقوبات التي فرضها الغرب عليها بعد غزوها لأوكرانيا، كإحدى الأدوات الأساسية للحد من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولكن البلاد تزدهر اليوم.
وتهدف هذه العقوبات التي تتراوح من القيود الفردية ضد القادة والشركات الروسية، إلى القيود الشاملة على قطاعات رئيسة مثل النفط والغاز الطبيعي الروسي، إلى فرض تكاليف اقتصادية شديدة تعيق بشكل مباشر المجهود الحربي الروسي وتحفز روسيا بشكل غير مباشر على إنهاء حملتها.
هل نجحت العقوبات؟
تساءلت مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت”، الجمعة 31 أكتوبر 2023، عمَّا إذا كانت هذه العقوبات قد نجحت أم لا، مشيرة إلى أن بعض الخبراء يرى أن العقوبات الشاملة، وخاصة القيود الواسعة النطاق المفروضة على عائدات النفط والغاز، تعمل على إضعاف الاقتصاد الروسي، وبالتالي حملته العسكرية.
ويرى آخرون بأن العقوبات قد لا تنجح في إنهاء الحرب بشكل مباشر، لكنهم يزعمون أنها على الأقل تقدم وسيلة غير مكلفة ومنخفضة المخاطر لإبطاء التقدم الروسي واتخاذ موقف علني ضد الغزو، ومع ذلك، بعد ما يقرب من 3 سنوات، لا تزال الحرب مستعرة، وتعافى الاقتصاد الروسي، وبلغ الدعم المحلي الروسي لبوتين أعلى مستوياته.
ولكن هذا النقاش الاقتصادي يتجاهل خطر العواقب العكسية الأكثر خطورة، فالعقوبات لم تفشل في إنهاء الحرب في أوكرانيا أو إضعاف عملة الكرملين الحربية فحسب، بل إنها أتت بنتائج عكسية أيضًا، حيث عززت عن غير قصد موقف موسكو المتشدد، وقوضت جدوى الاستراتيجيات البديلة، ودعمت الكرملين ضد الإكراه الدولي في المستقبل.
انتقاد وتأييد
شملت العقوبات المفروضة على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا جميع القيود الاقتصادية، وتوسعت لتشمل حظر الصادرات الصناعية والتكنولوجية، وتجميد البنوك، ووسائل الإعلام المملوكة للدولة، وجوهرة التاج هي الحظر الدولي على النفط والغاز الروسيين اللذين يمثلان 60٪ من صادرات روسيا ونحو 40٪ من ميزانيتها الفيدرالية.
ويزعم بعض المنتقدين أن العقوبات فشلت لأن الولايات المتحدة وحلفاءها غير قادرين على فرض عقوبات شاملة بما فيه الكفاية، فيما يلقي آخرون باللوم على السياسات المالية المحلية الذكية لموسكو، ولا يزال آخرون يلومون دول مجموعة البريكس على تقويض جهود العقوبات التي يبذلها الحلفاء بشكل منهجي.
ولكن على السطح، بدت هذه العقوبات وكأنها رهان جيد، ويزعم المؤيدون أن العقوبات ناجحة لأن الشركات الأجنبية أغلقت أبوابها، وكاد الإنتاج المحلي يتوقف، وأصبح الاقتصاد الروسي الآن قنبلة موقوتة جاهزة للانهيار، ولكن العقوبات لعبة طويلة تستغرق وقتًا طويلًا لتراكم الضغوط.
المقاومة الاقتصادية الروسية
لم تقف موسكو مكتوفة الأيدي، فسها إلى حماية مؤيديها منتقدي العقوبات، وبنت شبكات تجارية جديدة، وفي النهاية كسبت المزيد من صادراتها النفطية في عام 2023 مقارنة بعام 2021.
وسواء عبر التخريب الخارجي أو مناعة موسكو المحلية المتزايدة للعقوبات، أصبحت روسيا الآن أقل عرضة اقتصاديًّا لضغوط العقوبات مما كانت عليه في عام 2022، تدفقاتها التجارية مع الصين تضاعفت من عام 2021 إلى عام 2023، وزادت صادراتها إلى الهند 10 أضعاف.
وبدلًا من تقليص المجهود الحربي، حفزت العقوبات شراكة اقتصادية وسياسية مع الصين والهند وإيران وكوريا الشمالية، ما يشير إلى إعادة هيكلة جيوسياسية مثيرة لمخاوف الغرب، وهذا يعني أن هذه الشبكة المتنامية من الشركاء ستكون أكثر مقاومة للعقوبات اقتصاديًّا ومعادية للغرب سياسيًّا.
عواقب عكسية
لابد وأن تتجاوز المناقشة حول العقوبات التدابير الاقتصادية البسيطة لتشمل المخاطر الطويلة الأجل، فالعقوبات ليست مجرد وسيلة رخيصة وغير عنيفة للإشارة إلى عدم الرضا العام، والتكاليف الاقتصادية ليست الجانب السلبي الوحيد، فقد كانت نتيجة العقوبات امتلاك موسكو لحوافز وقدرة أعظم على مواصلة التوغلات العسكرية في المستقبل، والتمتع بموافقة عامة الشعب في الداخل، والمقاومة الاقتصادية لتحمل القيود المستقبلية.
ونتيجة لهذا، فبينما تأتي العقوبات على هوى واشنطن في مقاومة الغزو، فإنها في واقع الأمر تخلق حوافز عكسية ستقوِّض المشاركة المستقبلية مع موسكو في التعامل مع أوكرانيا والأمن الدولي على نطاق أوسع.