كيف قتلت إسرائيل حسن نصرالله؟

أضيف اسم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وحسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، إلى قائمة طويلة من قيادات حزب الله وحماس والحرس الثوري الإيراني تمكنت إسرائيل وبضربات دقيقة من القضاء عليهم خلال أسابيع.

هذه العمليات التي وصفها مراقبون بالنوعية وغير المسبوقة، أثارت تساؤلات كثيرة حول سر هذا النجاح السريع في الكشف عن أماكن تواجد هذه الشخصيات، والأسباب التي أدت إلى الانهيار السريع في منظومات القيادة.

بعد تنفيذ الضربات الإسرائيلية، ألقى رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، كلمة قال خلالها إن “المهمة لم تنته بعد وأمامنا أيام مليئة بالتحدي”.

أما الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، فأشار إلى أن “كل الوسائل مطروحة على الطاولة” وأن “لدى إسرائيل الكثير من الوسائل والقدرات، بعضها لم يتم تفعيله بعد”، بحسب تعبيره.

في حين انتقد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بشدة القيادة الإسرائيلية، متهما إياها بـ”قصر النظر” واتباع “السياسة الحمقاء”، معتبرا أن الإسرائيليين “أضعف بكثير من أن يتمكنوا من إلحاق ضرر جوهري بالبنية القوية لحزب الله في لبنان”.

يقول العميد منير شحادة، المنسق السابق الحكومة اللبنانية لدى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “يونيفل”، لموقع الحرة، إنه لا يمكن أن نتغافل عن قدرات وإمكانيات إسرائيل التقنية والتكنولوجية في مجال التجسس.

فإسرائيل، برأيه، لديها قدرات وتقنيات سرية عالية في هذا المجال، وتتحكم بالأقمار الصناعية للحصول على ما تحتاجه من معلومات.

يشير شحادة، أيضا إلى وجود تعاون أمني واستخباري كبير بين إسرائيل ودول العالم، هذا التعاون برز دوره، عام 2005، عندما دخلت جهات خارجية في التحقيق بحادثة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، بحسب تعبيره.

يضيف شحادة أن تلك الأطراف كان لها دور لاحقا في جمع كميات كبيرة من المعلومات حول عمل أنظمة الاتصالات والجامعات والمصارف وحتى المستشفيات، “وهذه المعلومات وصلت بطريقة ما إلى اسرائيل”، وفق تعبيره.

مشاركة عناصر حزب الله في القتال في سوريا، منذ عام 2011، كانت سببا آخر سّهل من عملية رصد تحركات حزب الله. فجميع المشاركين في هذا القتال أصبحوا مكشوفين، بسبب استخدامهم أنظمة اتصال تقليدية قابلة للرصد مثل أجهزة الهواتف الذكية والراديو واللاسلكي.

يقول شحادة إن رصد هذه الأجهزة كان سهلا بالنسبة للإسرائيليين الذين حصلوا على معلومات مهمة حول عمل جميع كوادر وقيادات حزب الله في تلك الفترة.

يضيف شحادة أن من لديه القدرة على الوصول لأجهزة “البيجر” واللاسلكي والتي نجم عن تفجيرها مقتل ما لا يقل عن 37 شخصا وإصابة أكثر من 3000 آخرين، لديه القدرة أيضا على القيام بما هو أكبر، على حد قوله. “معيار للعدالة”.. أول تعليق لبايدن على مقتل نصراللهقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، السبت، إن مقتل زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في ضربة جوية إسرائيلية هو “معيار للعدالة للكثير من ضحاياه ومنهم آلاف المدنيين الأميركيين والإسرائيليين واللبنانيين.”

تفوّق إسرائيل عسكريا وتكنولوجيا لم يكن السبب الوحيد الذي ساهم في إنجاح عملياتها الأخيرة، إذ يقول العميد منير شحادة، إن حزب الله تعرض لخرق أمني بين صفوفه، وإن إسرائيل استفادت من “عملاء” يعيشون في مناطق تقيم فيها تلك القيادات للتجسس عليها والكشف عن أماكنها.

فالخرق البشري هذا، بحسب شحادة، كان أداة مهمة تضاف إلى التكنولوجيا المتطورة، والتي ساعدت إسرائيل على تحديد مواقع قيادات حزب الله واستهدافها بدقة عالية.

ويضيف شحادة أن الإعداد لعملية قتل نصرالله أخذ سنوات، وإسرائيل كانت تحاول اغتنام فرص عدة لتنفيذ هذه العملية منذ زمن بعيد. ويذكر أن “إسرائيل لم تكن تنجح في عملياتها الأخيرة بدون دعم أمني والحصول على معلومات استخبارية من دول غربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا”. كما يقول.

أثبتت العمليات الأخيرة أن إيران والأطراف الإقليمية التي تدعمها لا تمتلك التكنولوجيا التي يمكن الاعتماد عليها لحماية منظومات “القيادة والسيطرة” من أي تهديدات مستقبلية.

ونفت الولايات المتحدة مرارا علمها أو أي دور لها بمقتل نصرالله.

هذه القدرات، بحسب العميد شحادة، لا تضاهي الإمكانات الإسرائيلية وأنظمة التجسس المتطورة التي تمتلكها. ولكن هذا لا يعني أن الطرف الآخر غير قادر على مواجهة التهديدات المستقبلية.

ويقول إن إسرائيل لديها أيضا نقاط ضعف كثيرة بدليل أنها وبعد مرور عام على الحرب في غزة لم تستطع، رغم القدرات العسكرية البارزة، الكشف عن أماكن تواجد الرهائن رغم صغر مساحة المنطقة.

ويضيف شحادة أن قيادات حماس عرفت نقاط الضعف وحاربت إسرائيل من خلال اعتماد أساليب قديمة لا تعتمد على التكنولوجيا المتطورة، بل عادت إلى استخدام أنظمة تقليدية مثل الرسائل الورقية أو الشفهية في التواصل بدلا من الهواتف الذكية أو الخليوية.

طرق الاتصال هذه، وصفها الخبير الأمني من لبنان، “بالعصور القديمة”، بدليل أن الرسائل التي تصل مثلا إلى القيادي في حماس، يحيى السنوار، والرد عليها تأخذ فترة أربعة أيام، وهي وسيلة اتصال يقول إنها “تذكرنا مثلا باستخدام الحمام الزاجل” في الماضي.

التكنولوجيا المتطورة التي تمتلكها إسرائيل ساعدتها في تنفيذ عمليات دقيقة أدت إلى مقتل هذا العدد الكبير من قيادات حماس وحزب الله والحرس الثوري الايراني.

ويقول العميد الركن، فادي داوود، من لبنان، إن العمليات الاسرائيلية كانت نوعية، لأنها ركزت بالأساس على تصفية هذه القيادات وضرب منظومة القيادة والسيطرة لدى حزب الله.

هذه العمليات كانت ترتكز على التفوق التكنولوجي والتطور التقني. فإسرائيل سخرت كل ما تملكه من قدرات في مجال الذكاء الاصطناعي وأجهزة التجسس والطائرات المسيرة المتطورة وغيرها من الماكنة العسكرية لتحقيق هدفها.

الاختراق البشري كان عنصرا أساسيا في نجاح هذه المهمة، فعملية قتل نصرالله احتاجت إلى هذا الاختراق الداخلي بسبب السرية التي كان يتمتع بها زعيم حزب الله في تنقلاته واتصالاته.

داوود أوضح لموقع الحرة أن نصرالله كان يرفض استخدام الهواتف الذكية وحتى الأرضية، واستعمل نظاما خاصا يطلق عليه عسكريا بـ “الهاتف الحقلي”  وهو جهاز اتصال يربط عددا معينا فقط من الأشخاص بشبكة خاصة.

الاحتياطات الأمنية أجبرت نصرالله أيضا على الامتناع عن استخدام التلفاز خوفا من “عمليات التجسس التكنولوجي”، وكانت تُنقل له الأخبار عبر أشخاص مقربين جدا منه. مصير حزب الله بعد نصراللهأثارت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، يوم أمس الجمعة، جدلاً واسعاً وتكهنات حول مصير الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى أن حسم الأمر، اليوم السبت، بإعلان الجيش الإسرائيلي أن العملية العسكرية قد حققت أهدافها، وذلك قبل أن ينعى حزب الله رسمياً أمينه العام.

قلة قليلة من الشخصيات تمكنت من اللقاء بنصرالله، هذه اللقاءات كانت تتم بسرية تامة وتنقل هذه الشخصيات “بسيارات مظللة” تمنع هؤلاء الزائرين من تحديد مكان إقامة الأمين العام لحزب الله.

ويقول العميد الركن فادي داوود، إن نجاح العملية رغم كل هذه الاحتياطات، دليل على أن الغارة الإسرائيلية بهذه الدقة من الصعب تنفيذها دون وجود شخص ما على الأرض ساعدهم على تحديد مكان نصرالله.

ويستطرد بالحديث، أن الخرق البشري ليس حديث العهد، “فحزب الله أجرى سابقا تحقيقات مع المئات من عناصره بعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت قيادات أخرى في التنظيم” في لبنان وسوريا.

من الصعب تحديد طبيعة هذا الخرق البشري دون توفر معلومات أمنية دقيقة، لكن يقول داوود، إن الاحتمالات المتوقعة تشير إلى إمكانية مشاركة أحد عناصر القوات الخاصة المسؤولة عن حماية نصرالله أو أن الخرق تم بمساعدة عناصر الموساد الذين اندسوا بين صفوف الحزب.

العمليات الإسرائيلية كشفت أيضا عن قدرات حزب الله التي وصفها داوود بالمحدودة والتقليدية، هذا الضعف ستكون له تبعات حتى على مستقبل الحرس الثوري الإيراني والتهديدات المتوقعة ضده. بدليل “أن الحرس الثوري اتخذ إجراءات أمنية إضافية كان أبرزها نقل مكان المرشد الأعلى، علي خامنئي، إلى مكان سري لحمايته، بحسب العميد الركن فادي داوود.

العملية العسكرية الحالية التي استهدفت قيادات حماس وحزب الله والحرس الثوري الايراني، سبقتها حرب استخبارية للحصول على ما تحتاجه إسرائيل من معلومات تكشف عن مواقع تواجد هذه القيادات.

يقول اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي من العراق، إن العمليات الاسرائيلية كانت على مستويات متعددة، داخلية وخارجية، إضافة الى التقنيات المتطورة التي تمتلكها إسرائيل من أقمار تجسس صناعية وقدرات عسكرية.

ويضيف القيسي أن المعركة كانت استخبارية في الدرجة الأولى، وأنها ركزت بالأساس على استهداف مراكز الثقل لحزب الله جوا في لبنان ولم تلجأ إلى مواجهات برية كما حدث في عام 2006.

لكن سير العمليات والنتائج المتحققة يشير إلى أن دقة هذه العمليات في استهداف هذه القيادات كان من الصعب تحقيقه دون تواجد خرق أمني داخلي في صفوف حزب الله.

يضيف القيسي “من الصعب تفسير هذا النجاح المتلاحق للعمليات الاسرائيلية ضد قيادات كثيرة وفي رقع جغرافية بعيدة ومختلفة دون وجود خرق داخلي”. “لم ننتهِ بعد”.. أول تعليق لنتانياهو على مقتل نصراللهقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، السبت، إن إسرائيل “صفت الحساب” بقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، لكنه أكد أيضا أن المهمة لم تنته بعد وأمام إسرائيل “أيام مليئة بالتحدي”.

مقتل نصرالله ستكون له تأثيرات عدة على عمل حزب الله في المستقبل وعلى الداخل اللبناني وحتى على “المشروع الإيراني” في المنطقة.

لكن هذه العملية لا تعني نهاية حزب الله، إذ يقول القيسي لموقع الحرة، إن نصرالله هو الأمين العام لهذه الجماعة وهناك قيادات عسكرية وميدانية مهمة بين صفوف الحزب يمكن أن تكمل هذه المسيرة وتدير العمليات ضد إسرائيل في المستقبل.

ويضيف “هذه الحركات والتنظيمات لا يؤثر الاغتيال على عملها أو يقضي عليها، لكن يمكن أن يضعف دورها مؤقتا”.

فحزب الله على سبيل المثال ذو قاعدة وحاضنة شيعية واسعة لها ولاء كبير لهذا الحزب، وهذه هي نقطة قوته في الاستمرار، على حد تعبيره.

ويذكر القيسي أن فيلق القدس الإيراني وحزب الله وحماس تعرضت سابقا لضربات موجعة، لكنها استمرت في نشاطها وعملياتها وتمكنت لاحقا من اختيار قيادات جديدة شكلت تهديدا مستمرا لإسرائيل.

مقتل نصرالله هو خرق أمني داخلي بامتياز، بحسب مراقبين، أشاروا إلى أنه لم يكن يحدث لولا تواجد جهات بين صفوف حزب الله تعاونت مع إسرائيل وقدمت لها ما تحتاجه من معلومات لتنفيذ العملية.

المستشار العسكري العراقي، صفاء الأعسم، أضاف لموقع الحرة أن حجم العمليات ضد حزب الله وحماس كشفت عن حرب استخبارية وتجسسية استعدت لها إسرائيل منذ سنوات ويرى أنها أتت بدعم من “جهات خارجية”. 

حزب الله من جهته لم يكن مستعدا بجدية للتهديدات المتوقعة وقلل من مخاوف إمكانية وصول إسرائيل إلى قيادات الحزب واستهدافها. ويذكر المستشار العسكري العراقي أن القدرات العسكرية والتكنولوجية المتطورة مكنت إسرائيل من اختراق صفوف جميع هذه القيادات وبكل المستويات.

ويرى أن القدرات التي يمتلكها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وحماس تقليدية وعاجزة عن مواجهة التهديدات الإسرائيلية والوقوف بوجه العمليات المستقبلية وتوفير الحماية لقياداتها.

يضيف الأعسم أن إسرائيل نجحت من خلال هذا “الخرق السيبراني” في الكشف عن جميع أسرار عمل تلك الجهات وتحديد أماكن تواجد قياداتها واستهدافها في اي وقت تشاء، بحسب تعبيره. الحرس الثوري و”أذرع إيران”.. تحركات تشمل “الحظر” بعد تفجيرات “البيجر”بدأت إيران وأذرعها في الشرق الأوسط فحص أجهزة الاتصال الخاصة بها بل والتوقف عن استخدام أي أجهزة منها، في أعقاب تفجير الآلاف من أجهزة النداء واللاسلكي التي يستخدمها حلفاؤها في لبنان وسوريا خلال الأسبوع الماضي.

التراخي والإهمال الأمني للجهاز الاستخباري التابع لحزب الله طوال الفترة الماضية كان السبب وراء هذا الانهيار السريع في منظومة القيادة.

ولا يستبعد الباحث المصري في الشأن الإقليمي، أحمد سلطان، ضلوع أشخاص وحتى قيادات مقربة من نصرالله في نقل معلومات سرية عن مكانه إلى إسرائيل.

هذا الخرق، يقول سلطان في مقابلة مع موقع الحرة، ساهم أيضا في نشر شبكة كاملة من عملاء الموساد داخل جهاز حزب الله الأمني والعسكري.

مثال بارز على هذا الإهمال الأمني، بحسب سلطان، هو حادثة  تفجيرات أجهزة الاتصال اللاسلكي “البيجر” قبل أسابيع، فهذه الحادثة “دليل واضح على فشل هذه الجهة الأمنية في تعقب مصدر الجهات المنتجة والمصدرة لهذه الأجهزة”.

تعقب هذه الأجهزة بعد توزيعها على عناصر حزب الله، مكّن إسرائيل التي استعدت لهذه العملية منذ سنوات، من جمع معلومات هائلة حول أماكن ومقرات قيادات الحزب.

وهي كانت الشرارة لانطلاق الحملة الواسعة ضد حزب الله للقضاء على قياداته وخلخلة بنيته التنظيمية وإعادته عقودا إلى الوراء، وفق سلطان.

صحيح أن القضاء على قيادات بارزة لا يعني نهاية أي حركة مسلحة أو تنظيم أيديولوجي، لكن مقتل نصرالله، بحسب سلطان هو “زلزال حقيقي” هز كيان حزب الله والمحور الإيراني المعروف بـ “محور المقاومة”.

يقول سلطان إن نصرالله لم يكن قياديا عاديا، بل كان واحدا من ثلاثة شخصيات مهمة في هذا المحور، أما الآخران هما قاسم سليماني، قائد فليق القدس السابق، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، اللذين قتلا في غارة أميركية ببغداد في الثالث من يناير عام 2020.

دور حسن نصرالله يتخطى لبنان، وتأثيره كان واضحا في الساحة السورية واليمنية والعراقية، وكان، بحسب سلطان، يتميز بالقوة والكاريزما والخبرة العسكرية، و”اختفاؤه عن الساحة ستكون له تبعات على مستقبل الحزب” على حد قوله.

رغم ذلك، يقول سلطان إن “حزب الله سيبقى، لكنه الآن في مرحلة ارتباك كبيرة وقد تتراجع فاعليته ولن يختفي لكن سيزداد شراسة، لأنه سيكون محملا بالثأر والرغبة في الانتقام وسيلعب بدون ضوابط”.

بات العديد من اللبنانيين يتساءلون عن مستقبل بلادهم بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها حزب الله، واغتيال زعيمه التاريخي، حسن نصر لله.

وبعد مقتل القيادي البارز، وقبل تأكيد التنظيم ذلك، احتفل خصومه في الشوارع بهذه الأنباء. يقول رامي (28 عاما)، وهو من بلدة الناقورة في جنوب لبنان، الذي انتقلت عائلته إلى بيروت في بداية الحرب إن “المشاعر مختلطة”.

ويضيف رامي في تصريحات لصحيفة هآرتس: “لقد طوي الفصل الذي يسمى حزب الله. لكننا قلقون بشأن ما سيأتي بعد ذلك. هل سيتم استبداله؟ ماذا ستفعل المنظمة، وكيف سترد؟”.

ومخاوف رامي مبررة لأن التنظيم ومسلحيه هيمنوا على سكان البلاد لعقود.

ويقول رامي: “لن أنسى أبدا خطاب نصر الله، العام الماضي، الذي حرض فيه ضد مجتمع المثليين في البلاد، وضد الآباء الذين أرادوا تضمين قضايا النوع الاجتماعي في التعليم”.

ويقول عصام، وهو مواطن سوري كان يعيش في دمشق، قبل أن يفر مع عائلته إلى باريس أثناء الحرب الأهلية السورية: “أعتقد أن السوريين سيصابون بالسكري بعد تناولهم كميات كبيرة من الحلويات في الاحتفالات، التي أقيمت خلال الأسبوع الماضي”.

وتشير مجلة إيكونوميست إلى أن “عديدين سوف يشعرون بقدر من السعادة” بعد مقتله، مشيرة إلى “بلطجية الحزب ساهموا في قمع انتفاضة شعبية مؤيدة للإصلاح عام 2019، وبعد عامين أرغم الدولة على وقف التحقيق في انفجار بيروت”.

وتولى نصر الله (64 عاما) الأمانة العامة لحزب الله في 1992، بعد اغتيال إسرائيل لسلفه، عباس الموسوي، وطوّر نصر الله قدراته العسكرية، بدعم رئيسي من طهران التي تمده بالمال والسلاح، وزاد عدد أعضائه ليبلغ وفقا له نحو 100 ألف مسلح.

لكن عمليات الاغتيال المتتالية لقادة التنظيم كانت نوعية وغير مسبوقة. جواسيس أم اختراق تكنولوجي.. كيف قتلت إسرائيل نصرالله؟أضيف اسم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، إلى قائمة طويلة من قيادات حزب الله وحماس والحرس الثوري الإيراني تمكنت إسرائيل وبضربات دقيقة من القضاء عليهم خلال أسابيع.

وفي إشارة إلى حالة الضعف التي أصبت التنظيم الذي قتل زعيمه في معقله، الضاحية الجنوبية لبيروت، أطلق التنظيم عشرات الصواريخ على شمال إسرائيل في الصباح التالي لمقتله، ولكن هذا لم يكن مختلفا عما كان يحدث في الأيام السابقة.

وتصف إيكونوميست الوضع قائلة: “الجماعة في حالة من الفوضى”.

هايكو ويمن، مدير مشروع العراق وسوريا ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية، قال في تعليق شاركته المؤسسة مع موقع الحرة: “التنظيم يتمتع بمؤسسات قوية للغاية بحيث لا يمكن أن ينهار بقطع رأسه، لكن الخسارة المذهلة لقدراته البشرية سوف يكون لها حتما تأثير مهين عاجلا وليس آجلا”.

ويشير كذلك إلى أن اختراقه استخباراتيا بهذه القوة سيضعف قدرة حزب الله على الرد “استراتيجيا أو مواصلة الهجمات الصاروخية على شمال إسرائيل لفترة أطول”.

وتقول إيراف زونسزين، محللة شؤون إسرائيل في مجموعة الأزمات الدولية في تعليق تم مشاركته مع موقع الحرة إن” اغتيال إسرائيل لنصر الله والضربة التي وجهتها إلى عدد كبير من كبار قادة حزب الله يعتبر انتصارا كبيرا في الساحة السياسية الإسرائيلية بمختلف أطيافها”.

“ولكن في ظل غياب نهاية واضحة سواء للبنان أو غزة، ومع إرهاق الجيش الإسرائيلي، واستمرار إطلاق الصواريخ، واستمرار أسر الرهائن، ووجود عشرات الآلاف من النازحين، وتدهور اقتصاد إسرائيل، فإن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت إسرائيل ستحول المكاسب العسكرية إلى مكاسب دبلوماسية وأمنية”.

وترى مجلة إيكونوميست أن وفاة نصر الله “سوف تعيد تشكيل لبنان والمنطقة بطرق لم تكن لتخطر على بال أحد قبل عام.. ومن سيتولى زمام الأمور سيواجه اللحظة الأكثر خطورة في تاريخ حزب الله الممتد لأربعة عقود”.

ولا يتعلق الأمر فقط بأن إسرائيل “قضت على قيادته العسكرية بالكامل تقريبا، ومحت عقودا من الخبرة في غضون شهرين، بل لأن التنظيم تعرض للمهانة أمام الجمهور اللبناني الذي أصبح بالفعل مستاء من حزب الله بسبب هيمنته المفرطة على السياسة الداخلية”.

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، والاستراتيجية، عمرو الشوبكي، قال لموقع الحرة إن نصر الله شخصية غير عادية فقد تولى قيادة التنظيم لمدة 32 عاما، وهي مدة غير معتادة، مما يعني أن غيابه سيكون له تأثير على حزب الله ولبنان والمنطقة.

ويضيف الشوبكي في تصريحاته لموقع الحرة أنه لم يكن مجرد رئيس حزب سياسي أو زعيم دولة جاء في انتخابات، لكنه كان زعيم حزب عقائدي بقي على رأسه لعقود لذلك سيترك فراغا في القيادة.

والتنظيم “بلا شك سوف سيتأثر بغيابه في منطقة مضطربة بها الشكل”، وفق الشوبكي.

عماد جاد، وهو أيضا خبير في مركز الأهرام، وكان في السابق عضوا في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان المصري، قال لموقع الحرة إن نصر الله ليس فقط قياديا تاريخيا، لكنه شخصية كاريزمية سيؤثر غيابه على التنظيم.

ويتفق جاد على أن اغتياله جاء في “لحظة حاسمة: العدوان على لبنان، والقضاء على عدد كبير من القيادات، ما يعني أنه اختفى في ظروف غير عادية، وبالتالي، لن يتم نقل القيادة بسلاسة. من سيتولى القيادة بعد قيادة كاريزمية بالتأكيد سيعاني”.

واغتياله جاء أيضا، وفق جاد، في وقت لم يصدر من إيران ما يشير إلى تضامنها مع حزب الله سوى بالكلمات، كما أن “بيئة حزب الله تآكلت، وهناك دمار ضخم في الضاحية الجنوبية، وهناك دعوات” لتطبيق القرار 1701الخاصة بانسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني.

ويقول جاد إنه إذا “طبق القرار مع أي عمية تسوية حقيقة سواء في المستقل المنظور أو المتوسط، سيكون سلاحه محل تفاوض لنزعه، ما يعني أن بقاء قواته، مع نشر جنود من الجيش في المنطقة، سيعني أن هذا السلاح سيكون بلا جدوى، وستطرح تساؤلات عن شرعيته”.

ويضيف جاد : “نحن في مرحلة فارقة”، وهي مختلفة عما حدث من قبل من جولات قتالية بين حزب الله وإسرائيل.

ويعتقد الشوبكي أن حزب الله سوف يواجه خيارين، هما إما الاستمرار في نفس السياسات السابقة، وهي التحالف مع إيران والتمسك بمحور “الممانعة”، أو إبداء مرونة أكبر تدفعه للقبول بالقرار 1701.

وبناء على الوضع الحالي، يتوقع الشوبكي أن يدير علاقته بإيران بشكل مختلف، لأنه سيضع في عين الاعتبار البيئة اللبنانية، خاصة أن غالبية اللبنانيين لا يؤيدون حربا مع إسرائيل، وحتى مؤيدي القضية الفلسطينية يؤيدون تقديم الدعم المدني والشعبي وليس الدخول في حرب.

ويتوقع أن حزب الله سوف يستمر في تحالفه مع إيران، لكنه سيحاول أن يكون أكثر اعتدالا وسيجمد الجبهة القتالية الشمالية بعد الضربات “القاسية” التي تعرض لها.

إلي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية قال في إشارة إلى خسارة التنظيم دعم إيران إن “النكسات التي عانت منها إيران وحلفاؤها تؤكد على ضعفها الاستخباراتي والعملياتي، ومع استعداد إسرائيل للتصعيد، وعم امتلاك طهران وسيلة حقيقية لمواجهة إسرائيل استخباراتيا، يبدو أنها مترددة، في مواجهتها عملياتيا”.

وتشير إيكونوميست إلى أن نصر الله كان يتوقع أن تتدخل إيران لنجدته لكن هذا لم يحدث، ويرجع ذلك جزئيا إلى خوف قادة إيران من أن يكون قادتها أيضا قد تعرضوا لاختراق إسرائيلي.

وهم قلقون أيضا من تأثير إظهارهم الدعم العلني لجماعات مثل حزب الله على مكانتهم في الداخل.

لكن على المدى البعيد، قد تؤدي أحداث الأسبوعين الماضيين إلى “إعادة تشكيل سياسة الأمن الإيرانية”، وفق المجلة.

وعلى مدى عقود من الزمان، رأت إيران في ميليشياتها رادعا أساسيا لإسرائيل، “والآن تشاهدها وهي تتعرض لهجمات مميتة”.

وتنقل مجلة إيكونوميست عن “مسؤول عربي” قوله إن ما تعرض له حزب الله يشبه ما حدث خلال حرب الأيام الستة في عام 1967.

وليس التشابه في أن إسرائيل وجهت ضربة سريعة وعنيفة لحزب الله فقط، بل لأن “الصراعين (1967والصراع الحالي بين إسرائيل وحزب الله) ظهرا وكأنهما يحطمان الأوهام التي حكمت المنطقة لفترة طويلة”.

وتشير إلى أن نصر الله الذي أمضى سنوات في الحديث عن “محور المقاومة”، “قطعت إسرائيل رأس أقوى ميليشيا في غضون أسابيع، بينما جلست إيران مكتوفة الأيدي”.

وتقول المجلة إن حزب الله لن يختفي من الوجود، فهو يمتلك آلافا من  المسلحين، وترسانة من الصواريخ بعيدة المدى، وقاعدة من الدعم الشعبي.

لكن الميليشيا التي ستخرج من هذه الحرب سوف تكون مختلفة تمام الاختلاف عن تلك التي دخلتها.

ويقول جاد لموقع الحرة إننا “في مرحلة فارقة، ليس في اغتيال حسن نصر الله لكن في الظروف المحيطة كلها. لو كان اغتياله تم في ظروف طبيعية، لما أحدث الأمر فرقا، لكن تدمير الجنوب واغتيال القيادات، وعمليات النزوح، والتململ في الداخل اللبناني، هذا كله يعني أن اغتياله هو “حلقة من حلقات غروب شمس حزب الله”.

وهذا يعني أنه سوف يتعرض إلى تآكل تدريجي، وضعف في قدراته حتى يتم نزع سلاحه، ربما من خلال إدماجه في الجيش أو الامن الداخلي.

ويشير إلى تجربة مماثلة في العراق، وهي دمج قوات الحشد الشعبي في الحكومة، ورغم أنها لم تكن ناجحة تماما، فعلى الأقل بات الحشد يراعي حسابات الدولة العراقية.

وهذا يعني أنه يمكن السيطرة على القرارات الفردية لحزب الله الذي يمتلك شبكة اتصالات مستقلة، وجناحا خاصا في مطار بيروت لا يخضع للتفتيش، ولديه مناطق تحت سيطرته بالكامل في الجنوب، وعنده سلاح أقوى من الجيش، وفق جاد.

ويقول الشوبكي إن ما يساعد في غلبة احتمال أن يكون حزب الله أكثر اعتدالا هو “قدرة الولايات المتحدة في الضغط على إسرئيل ووقف إطلاق النار في غزة وإنهاء محنة المدنيين التي أثرت على الضمير العالمي”.

ويرى الشوبكي أن إنهاء حرب غزة سيعزز فرص احتمال أن يكون أكثر اعتدالا مع تصاعد الضغوط الداخلية على الحزب.

وفي حال وجود مسار سلمي، سوف يساعد ذلك على سحب رصيد من الحاضنة الشعبية للفصائل المسلحة لدى الجمهور، “وبالتالي سوف تذهب طاقة الجمهور المؤيد لحماس أو حزب الله إلى التنمية الاقتصادية والسياسية ومشروع بناء الدولة الفلسطينية وليس دعم فصائل المقاومة المسلحة أو القيام بعمليات مسلحة”.

الحرة / خاص – واشنطن

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *