
المحاكمة الجارية في القضية التي عُرفت باسم ” اغتصابات مازان” التي هزت الرأي العام الفرنسي، شهدت غياب المتهم الرئيسي، دومينيك بيليكوت، البالغ من العمر 71 عامًا، بسبب أزمة صحية، نٌقل على إثرها إلى المستشفى ولم يمثل أمام المحكمة في 9 و10 سبتمبر كما كان مقررًا، مما أدى إلى تأجيل استجوابه الذي كان منتظرا بشكل كبير.
في غياب المتهم الرئيسي، تواصل المحكمة الاستماع إلى الخبراء وبعض المتهمين الآخرين في قضية اغتصابات “مازان” ، حيث يواجه بيليكوت تهمة تخدير زوجته وعرضها للاغتصاب على غرباء على مدى 10 سنوات، ويواجه حوالي 50 شخصا تهمة قبول دعوة الزوج والقيام باغتصاب المرأة المخدرة، بينما يركز محامو الضحية جيزيل بيليكوت على وصف الانتهاكات التي تعرضت لها وتحليل سلوك المتهمين الآخرين. وتدعي هيئة الدفاع عن الزوج دومينيك بيليكوت أن حالته الصحية تمنعه من الإدلاء بشهادته في الوقت الحالي. ومن المتوقع أن تستمر المحاكمة، التي تشهد اهتمامًا إعلاميًا وقضائيًا كبيرًا، حتى شهر كانون الأول/ ديسمبر.
جيزيل بيليكوت، الضحية في هذه القضية، رفضت إجراء المحاكمة خلف أبواب مغلقة، واختارت الإدلاء بشهادتها علنًا. من خلال هذه الشهادة ، أثبتت صمودًا وشجاعة، مما لفت انتباه الرأي العام في فرنسا وخارجها، حيث تم اعتماد 36 وسيلة إعلام لتغطية المحاكمة.
ومع الصدمة التي شكّلتها هذه الواقعة، نفتح صفحة من التاريخ القريب وتحديدا إلى بداية سبعينيات القرن الماضي، حين اغتصبت شابتان، وإثر محاكمة مدوية تم تبني قانون لتغيير التعريف القانوني للاغتصاب.
في 21 أغسطس 1974، تعرضت امرأتان شابتان للاغتصاب في خليج بالقرب من مدينة مرسيليا.
بعد محاكمة مدوية، تم تبني قانون لتغيير التعريف القانوني للاغتصاب.
يومها توقفت آن تونغليه، البالغة من العمر 24 عامًا، ورفيقتها أراسيلي كاستيلانو، البالغة من العمر 18 عامًا، في خليج مورجيو بالقرب من مرسيليا. في 20 آب / أغسطس حيث حاول رجل مضايقتهما لأول مرة دون نجاح. غير أنه عاد مساء 21 أغسطس برفقة اثنين من رفاقه .. بالنسبة للمرأتين، كان ذلك “تدميرًا لحياتهما”، كما لخصت المحامية أغنيس فيشو التي دعمت الضحيتين بعد أربع سنوات في محكمة الجنايات مع المحامية جيزيل حليمي.
في البداية، حاولت المرأتان الدفاع عن نفسيهما عندما دخل الرجال الثلاثة إلى الخيمة. وضربت آن تونغليه أحد المهاجمين بمطرقة كانت تستخدمها لتثبيت الأوتاد. لكن العنف زاد بشكل كبير. “لقد أرهبونا حرفيًا، وهددونا بأشكال عديدة من الاعتداءات الوحشية. حاولنا التحدث معهم لثنيهم عن عزمهم وفي النهاية، فقدنا إحساسنا بالوقت بسبب الخوف الشديد… كنا مرهقات وخائفات ومعزولات في الليل، فاستسلمنا لغضبهم” شهدت آن تونغليه في المحاكمة.
في مايو 1978، وبعد محاكمة استمرت يومين، حُكم على سيرج بيترلي، 26 عامًا، بالسجن لمدة ست سنوات. وحُكم على ألبرت موغلاليس، 28 عامًا، وغي روجر،33 عامًا، بالسجن لمدة أربع سنوات لكل منهما بتهمة محاولة الاغتصاب. كانت المعركة القضائية صعبة. ومع ذلك، كانت جيزيل حليمي تعلم أن “المحاكمة لم تحل أي مشكل، يجب تغيير المجتمع بأكمله”، كما قالت بعد الجلسة.
أجواء المحاكمة في إيكس أون بروفانس كانت سيئة للغاية، لدرجة أن الضحايا كُنّ يعاملن كما لو كنّ المتهمات. وفي هذا المناخ، لم تكن المحاميات أفضل حالًا من موكلتيهما: “كنا نُعتبر نساء سيئات، لا نحترم الرجال. كنا نتعرض للإهانة”، تتذكر المحامية فيشو، التي كانت محامية شابة في ذلك الوقت.
على الرغم من أن الاغتصاب كان يُعترف به قانونيًا كجريمة، إلا أنه لم يكن كذلك من الناحية العملية.
المحامية السابقة مونيك أنطوان-تيمسيت ذكرت أن المحاكم كانت تتناول ما بين 350 إلى 400 قضية اغتصاب فقط سنويًا في فترة السبعينيات. وفي هذه القضية، لم يتهم قاضي التحقيق المهاجمين الثلاثة سوى بارتكاب “عنف طفيف”. ولكن بفضل إصرار جيزيل حليمي، انتهى الأمر بمحكمة مرسيليا الابتدائية بالاعتراف بعدم اختصاصها وأحالت القضية إلى محكمة الجنايات. وأثناء المحاكمة، قيل إن الضحيتين استسلمتا لأنهما أدركتا في النهاية أن الأمر لم يكن بهذا السوء، لكن المحامية أغنيس فيشو، وبعد مرور 50 عامًا، لا تزال تستنكر: “لقد استسلمتا لأن حياتهما كانت في خطر.”
أدى تأثير المحاكمة التي كشفت عن أوجه القصور في النظام القضائي في معالجة قضايا الاغتصاب إلى إصدار قانون 23 ديسمبر 1980: الذي عرّف الاغتصاب بأنه أي عمل اختراق جنسي. خصوصاً أن القانون السابق والذي يعود إلى عام 1832، كان شديد التقييد ولم يتم تعديله إلا في عام 1857 من قبل محكمة النقض..
بعد خمسين عامًا من هذه المأساة، تستمر المحامية أغنيس فيشو في النضال من أجل تحسين تعامل القضاء مع قضايا الاغتصاب، وتعارض على سبيل المثال، إنشاء المحاكم الجنائية الجديدة، المؤلفة فقط من قضاة وليس من هيئة محلفين : “يجب تجنب هذه المحاكم الاستثنائية. يجب أن تتيح هذه القضايا، للضحايا الراغبات، إمكانية النقاش العلني وفي وضح النهار. يجب منح هؤلاء النساء حرية التعبير وليس إبقائهن في نوع من السرية..”
في عام 2022، تضاعف عدد الإدانات إلى 1205، ولكن لا تزال نسبة ضئيلة من القضايا تُعرض على القضاء: أكثر من 90% من قضايا الاغتصاب تُغلق دون متابعة