
تتصاعد المطالب المجتمعية خلال الفترة الأخيرة، بضرورة تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم هتك العرض والاعتداء الجنسي ضد الأطفال، بعد سلسلة من الوقائع التي أثارت غضب الرأي العام، ورغم هذه الدعوات، فإن الواقع القانوني يحمل تعقيدات دستورية وتشريعية تجعل تطبيق الإعدام على الجناة الأطفال، أمرًا غير ممكن في الوقت الراهن.
وقال عمرو عبدالسلام، المحامي بالنقض والدستورية العليا، إنّ المطالبة بتطبيق الإعدام على الأطفال الجناة، رغم كونها نابعة من غضب مجتمعي مشروع، تصطدم بشكل مباشر مع الدستور المصري والمواثيق الدولية التي التزمت بها الدولة.
وأوضح أن الدستور المصري يحدد بوضوح أن الطفل هو كل من لم يتجاوز 18 عامًا، وهو تعريف تُبنى عليه جميع التشريعات الجنائية، بما فيها قانون الطفل وقانون العقوبات والإجراءات الجنائية، وهو ما يمنع توقيع عقوبة الإعدام على أي متهم دون هذه السن، مؤكدًا أن مخالفة هذا النص تعد انتهاكًا للدستور والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الطفل، وهو ما يجعل تطبيق العقوبة مستحيل قانونيًا.وأضاف في تصريحات لـالوطن، أن القانون المصري يميز بين التحرش اللفظي والجسدي، ويشدد العقوبات إذا كان الاعتداء ضد طفل، ففي حالة هتك العرض أو الاعتداء
الجسدي، قد تصل العقوبات إلى المؤبد أو الإعدام إذا كان الجاني بالغًا أو مكلفًا بحماية الطفل مثل الأب أو المعلم أو المسؤول التربوي، أما الأطفال المتهمين بارتكاب جرائم جنسية، فحتى لو كانت الجريمة جسيمة، لا يجوز توقيع عقوبات من درجات العقوبات الكبرى عليهم، بل يحاكمون وفق قانون الطفل الذي يراعي عدم اكتمال الأهلية والمسؤولية الجنائية.
وأشار إلى أن خفض سن الطفل لتطبيق عقوبات أشد، كما يطالب البعض بسبب تأثير التكنولوجيا ووعي الأطفال المبكر، أمر غير قابل للتنفيذ إلا عبر تعديل دستوري شامل وليس مجرد تعديلات تشريعية، مؤكدًا أن ذلك يتعارض أيضًا مع الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها مصر.
ورأى أن الردع القانوني وحده لا يكفي، موضحًا أن أزمة السلوكيات المنحرفة ترتبط بالأسرة أولًا، وأن غياب الرقابة الأسرية والانشغال المستمر عن متابعة الأطفال وضعف الدور التربوي للمدرسة ودور العبادة ساهمت في خلق فجوة قيمية لدى العديد من النشء.
وكشف المحامي أن مصر تطبق فكرة تسجيل الجرائم التي يرتكبها القصر بصورة غير مباشرة؛ إذ يتم تسجيل كل محضر يُتهم فيه طفل داخل قواعد بيانات وزارة الداخلية، وتظهر هذه البيانات في صحيفته الجنائية عند بلوغه السن القانونية وفق الضوابط المحددة، ما يعني أن الدولة تملك سجلًا واضحًا لسلوكيات القُصّر دون إعلان نظام مستقل تحت هذا المسمى.
من جهته، أكد خالد حافظ المحامي بالنقض والدستورية العليا، أن مواجهة الجرائم التي يرتكبها الأطفال تتطلب فهم السياق القانوني والتربوي، مشيرًا إلى أن خفض سن المسؤولية الجنائية أو فرض عقوبات أشد مثل الإعدام ليس الحل الوحيد، لافتا إلى أن القانون المصري ينص على التعامل مع من هم دون 16 عامًا وفق قانون الطفل، بينما يُعامل من يبلغ 18 عامًا كشخص مسؤول مسؤولية كاملة عن أفعاله، ويتم تطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات.
وأشار في تصريحات لـالوطن، إلى أن المطالبات بتطبيق عقوبة الإعدام على الأطفال أو تشديد العقوبات، رغم صعوبة بعض الجرائم وتأثيرها على الرأي العام، لا يمكن أن تتجاوز النصوص القانونية ولا يمكن تطبيقها بأثر رجعي، مؤكداً أن القضاء مُلزم فقط بما نص عليه القانون في وقت وقوع الجريمة.
وأضاف أن الحماية الحقيقية للأطفال تبدأ من الأسرة، التي تتحمل مسؤولية التربية والمراقبة المباشرة لسلوك أبنائها، وأن المدرسة تأتي في المرتبة الثانية لدعم التربية السليمة، بينما يظل القانون أداة للمحاسبة وليس لبناء القيم، مؤكدًا أن الإهمال الأسري يعد عاملًا رئيسيًا في انتشار الانحرافات، وأن القانون يعاقب ولي الأمر المهمل الذي يغفل عن رعاية طفله بما يُرقى أحيانًا إلى مستوى الإهمال الجنائي.
وشدد على أن التربية الصارمة والمتابعة اليومية للأطفال، إضافة إلى توعية الأسرة بأهمية الرقابة الدينية والأخلاقية، تظل الوسيلة الأهم للوقاية من الجرائم، وأن القانون وحده لا يكفي لمعالجة الانفلات الأخلاقي والسلوكيات الإجرامية بين الأحداث.
