سوريا: العلويون ينددون بتعرضهم لـ”عقاب جماعي”

جاب آلاف المتظاهرين شوارع عدة مدن على طول الساحل السوري الثلاثاء، وذلك للتنديد بالعنف الذي يتعرض له العلويون الذين يشكلون غالبية سكان هذه المنطقة. وصفت الكاتبة سمر يزبك حملة العنف ضد العلويين بأنها “عقاب جماعي” واعتبر الخبير فابريس بالانش بأنها تهدد بالمساس بأقليات أخرى.

في سابقة هي الأولى من نوعها، خرج آلاف السوريين الثلاثاء للتظاهر في عدة مدن بالساحل السوري، للتنديد بالعنف ضد العلويين من قتل وخطف ونهب وطردهم من منازلهم. فمنذ سقوط بشار الأسد، تتعرض هذه الأقلية السورية، وهي فرع من الإسلام الشيعي، لـ”عقاب جماعي ضخم”، على حد تعبير الكاتبة السورية سمر يزبك في مقال رأي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية.

قُتل المئات منذ مارس/آذار 2025، لا سيما في مجازر ارتُكبت في الساحل السوري. ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، فقد لقي 1700 شخص حتفهم، معظمهم من العلويين، في أعقاب اشتباكات بين قوات الأمن وأنصار الرئيس المخلوع بشار الأسد المنتمي لهذه الأقلية.

وقد أحصت لجنة تحقيق وطنية ما لا يقل عن 1426 حالة وفاة، معظمهم من المدنيين. وهو عدد أقل من العدد الفعلي، بحسب فابريس بالانش، المتخصص في الشؤون السورية. ويوضح الباحث الذي جمع العديد من الشهادات الميدانية المتطابقة قائلا إن “العدد 1400 هو تقدير منخفض مقارنة بالواقع . إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نسبة ما نتج عن وقائع مدينة بانياس، فإننا نقترب من 5000 وفاة“.

منذ ذلك الحين، لم يتوقف العنف، على غرار آخر حادثة التي شهدت مقتل زوجين بدويين سنّيين في زيدل. إذ أُحرقت جثة المرأة، وفقًا لوكالة الأنباء الرسمية سانا. وعلى جدار منزلهما، كُتب: “يا حسين يا حسين! يا علي!”، وهو تعبير يستخدمه الشيعة لاستحضار ذكرى الحسين بن علي. وكان ذلك كافيا لإشعال فتيل الأزمة.

ففي مدينة حمص متعددة الطوائف، قام أفراد من قبيلة بني خالد بشن حملة عقابية، تعرضت خلالها منازل ومحلات تجارية للتخريب والحرق في الأحياء العلوية قبل أن تفرض السلطات حظر تجول لاستعادة الهدوء. ولم تُعلن أي حصيلة رسمية للقتلى، ولكن بحسب المجلس الإسلامي العلوي الأعلى، قُتل شخصان على الأقل وجُرح عشرة آخرون.

وفيما تُصرّ الشرطة على أن الحدث “عمل إجرامي بلا بُعد عقائدي”، يعتبر العميد مرهف النعسان، قائد الأمن الداخلي في حمص، أن هدف الهجوم كان “إثارة التوترات الطائفية وتقويض الاستقرار في المنطقة“. من جانبها، خلصت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في أغسطس/آب الماضي، إلى أن أعمال العنف كانت “واسعة النطاق وممنهجة”، وقد ترقى في بعض الحالات إلىجرائم حرب“.

في حوار مع فرانس24، يؤكد فابريس بالانش أن الوضع أصبح لا يُطاق لدرجة أن العلويين أصبحوا لا يخشون الخروج إلى الشوارع للتنديد بالعنف الذي يعانون. فرانس 24: كيف تُفسر هذه المظاهرات في اللاذقية وجبلة وطرطوس بالرغم من الخوف السائد بين العلويين؟

فابريس بالانش: لقد سافرت إلى سوريا في سبتمبر/أيلول، وزرت اللاذقية وطرطوس وحمص، وشعرت هناك بجو خانق يخيّم على المنطقة. إذ أصبح الوضع لا يُطاق. وما حدث في حمص كان وراء فتيل الأحداث. لا نعرف تحديدًا من قتل الزوجين، لكن الجريمة كانت مُدبّرة لإضفاء الانطباع بأنها من فعل الشيعة.

ثم هاجم أفراد من قبيلة بني خالد الحي العلوي في حمص، متذرّعين بما جرى للاستيلاء على المنازل ونهب المتاجر. مع الإشارة إلى أنهم كانوا قد طردوا العديد من العلويين من قرى شرق حمص في وقت سابق. إنها مطاردة للعلويين غير المحميين والمتهمين بأنهم “من “فلول النظام السابق”.. فيتم سجنهم وتجريدهم من ممتلكاتهم دون أي فرصة للاحتجاج.

قلتم إن عدد القتلى أكبر في الواقع

نعم العدد هو أقرب إلى 5000 بدلا من 1400 قتيل. وهذا لا يشمل الـ 50,000 إلى 100,000 علوي الذين فروا إلى لبنان. زرت طرابلس، وجبل محسن تحديدا، وهو الحي العلوي المليء باللاجئين من سوريا. فهم مصدومون من المعاناة التي عاشوها. منذ مارس/ آذار الماضي، يتعرضون للقتل مرار وتكرارا. هناك من يتم تصفيتهم ويختفي آخرون، وهناك من يتم اختطافهم… وبات بعض الآباء يمنعون بناتهم من الخروج بمفردهن ليلا،  يسمح لهن بالخروج في الحي وفي النهار فقط.

لم يعد الطلاب الذين يعيشون في الريف يجرؤون على الذهاب إلى حمص أو طرطوس بسبب الحواجز المنتشرة في كل مكان. يسألون عن أوراقك الثبوتية، وإذا كنت علويا، يطلبون منك النزول. فتواصل الحافلة طريقها، ويُترك مصيرهم للمجهول. ويتحصن الجنود العلويون السابقون الذين استفادوا من عملية المصالحة في منازلهم.

وكانوا قد حصلوا على بطاقات هوية صالحة لثلاثة أشهر، لكنها لم تُجدد. لا يمتلكون أي أوراق هوية حاليا. إذا أُوقفوا، فسيودعون السجن مباشرة. وتم فصل مئات الآلاف من العلويين من الوظائف العمومية، فوجدوا أنفسهم بلا موارد، عالقين في منازلهم. ضف إلى ذلك الجفاف الذي ضرب المنطقة هذا الصيف، فباتت المياه نادرة حتى لزراعة حديقة صغيرة. إنه وضع مأساوي.

برأيك، هل فقد الرئيس أحمد الشرع السيطرة على الأمور؟

إنه يغض الطرف، ويُشجع، ويُدبّر الأمور. والهدف من ذلك هو العقاب الجماعي للعلويين، مثلما ذكرت سمر يزبك في مقالها. من الواضح أنها تُشير إلى المسؤولية المباشرة للنظام. لقد جمعتُ شهاداتٍ لا تدع مجالًا للشك. وصلت قافلتان من الجهاديين، أحدهما من حلب حيث جلبوا جهاديين أجانب، والآخر من دمشق.

ثم توقفوا في حمص. وقال لهم المحافظ: “هذا ليس مكان لمجزرة، مكانها بالساحل”. تم قطع الطريق السريع في كلا الاتجاهين ليتمكنوا من الوصول إلى هناك. فوصلوا إلى طرطوس، وأخبرهم المحافظ أنها تقع على مسافة أبعد بقليل. قالوا عنها انتفاضة علوية، ولكن عندما بدأت القوافل الجهنمية بالوصول، ثار العلويون الذين كانت لديهم بعض الأسلحة. لكنها لم تكن انتفاضة مُدبّرة. ثم تم استغلال التصريحات القليلة التي أدلى بها مسؤولو النظام السابق لتبرير الهجوم، إلى أن تفرض هذه الصيغة الرسمية نفسها.

 هل هناك تركيز على العلويين فحسب أم أن الخطر يحدق أيضا بالأقليات الأخرى؟

الهدف هو تصفية الأقليات في سوريا. فالمسيحيون أيضا أصبحوا مستهدفين. عندما كنت في حمص، قُتل مسيحيان في وادي النصارى. والجاني من عائلة سنية خسرت أحد أفرادها خلال الحرب، فقرر أن يثأر للعائلة وقتلهما. ولم يُعتقل أي فرد منها. وبدأ المسيحيون يُطردون من قراهم في الريف.

وبدأت مصادرة أراضيهم ومنازلهم. فهم متهمون بالتواطئ مع النظام السابق. إنهم مرعوبون، بالرغم من أن الشرع يعلم جيدا أن ذلك خط أحمر، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة. فهو يحاول بذل قصارى جهده لمنع التصعيد، لكنه يجد صعوبة في السيطرة على القوات الخاضعة لأوامره.

ولكن جرت حديثا محاكمة بشأن المجازر التي شهدها الساحل السوري…؟

محاكمة مجازر الساحل مجرد مسرحية هزلية. تم إلقاء القبض على سبعة علويين بتهمة العصيان، إلى جانب سبعة من أتباع الشرع، الذين أُطلق سراحهم لأن محاكمتهم أجلت إلى شهر ديسمبر/كانون الأول. وعادوا إلى حمص، حيث استُقبلوا بالأحضان وطلقات الكلاشينكوف كالأبطال. بينما ظل العلويون قابعين في السجن. الأمر أصبح لا يُطاق.

يتزايد الحديث عن نظام فيدرالي بسوريا، هل هو الحل برأيك؟

انسحب الأكراد من اتفاق 10 مارس/آذار، الذي نص على اندماجهم في دولة مركزية. وكان قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، يعلم ما كان سيحدث من مجازر، لذلك اتجه نحو التفاوض على حل فيدرالي.

بعد المجزرة التي راح ضحيتها العديد من أبناء الطائفة الدرزية، بدأ الأمريكيون يدركون أن المركزية ليست الحل لتحقيق سلام اجتماعي بسوريا. لكن الهدف هو إقامة جمهورية إسلامية عربية، تركمانية وسنية. لذلك، كان لا بد من القضاء على الأقليات باعتبارها كافرة.

 في نهاية المطاف، أليست الحرب الأهلية هي الاحتمال الأخطر؟

القوى المعارضة لأحمد الشرع ليست في وضع يسمح لها بقيادة تمرد. أتوقع حدوث مجازر تدفع بمختلف الطوائف نحو شكل من أشكال المقاومة: عند الدروز، أو في جبال العلويين، أو عند الأكراد. فهم ضعفاء ولا يقدرون على زعزعة النظام. أتوقع أن يحدث تطهير عرقي عنيف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *